19 ديسمبر، 2024 8:27 م

البراءة بوصفها فسادا سياسيا..!

البراءة بوصفها فسادا سياسيا..!

تقترن عملية التبرؤ السياسي بمراحل سيئة من تاريخ الصراع السياسي الذي تمارسه الاحزاب الحاكمة مع الأخرى التي تقع تحت رحمتها او طائلتهاحيث تجنح بعد انفرادها بالسلطة الى اصدار أوامرها بشطب والغاء وجود اية احزاب اخرى منافسة ، وقد شاعت فكرة التبرؤ من الانتماء الحزبي في عام 1963 بعد الانقلاب الذي مارسه حزب البعث ضد الزعيم عبد الكريم قاسم وتحديدا ضد المنتسبين للحزب الشيوعي العراقي ولم تزل تلك الاحداث السوداء والجرائم التي ارتكبت بحق الشيوعيين والقاسميين شاخصة في صفحة العنف من الذاكرة السياسية ، كما كانت منهجية الاغتيال السياسي تهدف الى التسقيط السياسي من خلال ورقة {البراءة } من الحزب الشيوعي التي اضطر الكثيرون لتوقيعها بهدف الحفاظ على حياتهم او لايقاف انتهاك اعراضهم وتدمير عوائلهم ، ولعمري كانت ممارسة دنيئة سافلة ابتزازية بحق كرامة الانسان وكبريائه وحقه بالأختيار السياسي والانتماء الفكري ..! وكانت قصيدة { البراءة } التي كتبها الشاعر العظيم مظفر النواب واحدة من أدلة الاتهام للسلوك التدميري للانقلابيين البعثيين في عام 63.
  في نهاية الثمانينات من القرن الماضي ومع انهيار مايسمى بالجبهة الوطنية عاد حزب البعث الصدامي لذات السلوكيات في النيل من الكبرياء الوطني والانتماء السياسي والفكري للمواطنين فكانت تؤخذ التعهدات من الشيوعيين والوطنيين الاحرار والمنتمين لحزب الدعوة والديمقراطيين والكردستانيين وكل من انتمى لغير حزب البعث ، يجبر على التوقيع على التعهد المسمى قرار 211 سيئ الصيت وهو قرار يقضي بأعدام من يوقع عليه اذا ثبت انتمائه لاي حزب غير البعث ، وقد اجبرنا على التوقيع وألا مصيرنا التعفن بالسجون او الاعدام ، وتلك الممارسة القذرة كانت واحدة من اسباب تجذير العداء الذي استقر في اعماق السياسيين والمثقفين والاحرار سواءا من المنتمين للقوى السياسية ام المستقلين، ضد حزب البعث وحكومته الظالمة الطاغية المستهترة بحقوق الانسان وقيمه الذاتية والوجدانية والعاطفية ، حيث جبلت هذه الحكومة على تسقيط الآخرين سياسيا ام اخلاقيا ام اجتماعيا وبهذا فأنها سابقة لممارسة الفساد السياسي واختراع في تزييف الافكار مارسته حكومة البعث وانتج كل انواع النفاق والتزوير والدجل السياسي  والتملق والرياء والازدواجية والأحتلال ايضا، وهوماطبع المناخ السياسي والادبي والثقافي والاجتماعي بنحو عام وافقد الساحة العراقية أمكانية ظهور النخب الثقافية و السياسية الوطنية القادرة على انتاج حلول للاشكاليات والخلافات السياسية التي يعاني منها الواقع العراقي منذ تسع سنين .
  الخطورة الآن تكمن في العودة لمزاولة هذه الأجراءات في أجبار الآخرين على تقديم تبرأهم من الانتماء لحزب البعث كما جاءت في تصريحات كبار المسؤولين في الحكومة العراقية في ارتداد علني لممارسة موروثة من ممارسات البعث المقبور وبعد ان اصبح هذا الحزب وسلوكياته شواخص سوداء في الذاكرة  يسعى العراقيون لنسيانها ومحو آثارها في ظل نظام يسعى دستوريا لبناء الدولة المدنية الديمقراطية وتحقيق حريات الانسان وحقوقه وكرامته دون تعسف او اضطهاد او ابتزاز سياسي او توظيف السلطة في أذلال الآخرين او المعارضين..! كنا نحسب ان التحول والعملية السياسية الجارية ،رغم أخطائها ، فهي كفيلة بأعادة ترميم الشخصية العراقية وذلك من خلال دفن السلوكيات السياسية المنحرفة للبعث الصدامي وتوفير مناخ واسع من الحريات ، سيما وان عدم مقبولية البعث محط أجماع العراقيين ممن هم داخل العملية السياسية ام خارجها، المؤمنون بها او المعارضون لها ، اما الأجراء بطلب تقديم براءة ممن هم موضع شبهة الانتماء للبعث فهي محاولة اخرى لتثبيت وجود هذا الحزب الكارثي في نفوس الناس بعد ان اشتدت عندهم اسباب الكراهية والرفض له، ثم بعد كل هذا فأن الدستور العراقي والعرف السياسي لايسمحان في ايراد سلوكيات البعث ومخلفاتها النفسية والاجتماعية والأخلاقية ، دعونا نهجرهذه الممارسة ، بوصفها فسادا سياسيا ..!؟

أحدث المقالات

أحدث المقالات