18 ديسمبر، 2024 8:18 م

البدو واحتلال العراق .. بداية بلا نهاية

البدو واحتلال العراق .. بداية بلا نهاية

يعتبر العراق او بلاد مابين النهرين من اكثر الاماكن على الكرة الارضية حيوية فيرجع الباحثين والمؤرخين ورجال الاثار ان هذا البلد هو منبع الحضارة والتقدم والرقي وتشكلت عبر تاريخه حضارات مختلفة وديانات مختلفة فمنه ابو الانبياء ابراهيم (ع) وماتلاه  من انبياء ومنة البابليين والاشورين والاكدين والسومرين وحضارات اخرى تناوبت عليه كان اخرها غزو الاسكندر المقدوني واطماعه في ان يكون العراق مركز نفوذه العالمي .  وظل العراق ولعشرات الالوف من السنين هو حكراً لاقوام ارامية تعاقبت في صنع الحضارة رغم بعض الاخفاقات كما بقية الحضارات . ولم يكن للاقوام العربية اي حضور قبل ٢٠٠٠ سنة ق . م  في بلاد مابين النهرين وكذلك الشام ومصر وينحصر تواجد العرب في الجزيرة العربية وصحراء الاردن وفلسطين ومصر والعراق . ولم يستوطن العرب اماكن الحضارة حيث النهر والبحر الا بعد هجرة فردية من بعض الاقوام العربية  من الصحراء وكان هولاء يمثلون النخب التي تفكر في الحياة الرغيدة في بلدان متقدمة وهي لاتختلف من حيث التقريب والتشبيه عن هجرة اي عربي الان الى اوربا او امريكا حيث الحضارة والحرية والحياة الرغيدة . مثل المهاجرين الاولين من العرب دوراً ريادياً وتنموياً واندمجوا مع تلك المجتمعات واصبحوا مع مرور الزمن يشكلون اكثرية بفعل نمو عامل الانجاب المتزايد للعرب المهاجرين وانعدام الاوبئة والامراض والحروب . وان اندماج العرب مع بقايا البابلين والاكدين والسومرين سجل نجاحاً وتعايشاً سلمياً رغم كثرة الديانات الموجودة في الشرق الاوسط والعراق خصوصاً .
هذة الانتقالة الاولى لاجدادنا العرب الاولين الذين استوطنوا العراق شكلت علامة فارقة في انتقال العرب تاريخياً وبزوغ لشمس الحضارة ولكنها اصدمت باول غزو تعرض له العراق قبل ١٤٠٠ سنة على يد اقوام عربية اصيلة من شبهة الجزيرة العربية تؤمن بعقيدة سماوية عظيمة اجتهدت في نشر رسالتها بالسيف والرمح وكانت تفسر اقوال النبي محمد (ص) بشكل مخطوء وغير صائب واستطاعت ان تفرض ارادتها بشجاعة وبساله مقاتليها التواقين الى الجنة والجهاد في سبيل الله في قتال اقوام مختلفة ومن ديانات مختلفة تؤمن بالحياة والرفاهية . فقد تمكنت تلك الاقلية شديدة البآس  من رفع شعار اسلم تسلم وهو حديث للنبي محمد (ص) الى حكام الاغريق والرومان والفرس وكان نبي الرحمة يبغي من رسائلة ان يؤمن الحكام بعقيدة الايمان بالله وليسلموا من عذاب الله  من البقاء على الشرك وليس ليسلموا سيوف الغزاة والفاتحين  في فرض عقيدة الايمان بالله .عكس ما كان يردده خالد ابن الوليد انه جاء ارض العراق بناس يكرهون الحياة ويحبون الموت الى ناس يحبون الحياة ويكرهون الموت وتحت ذلك الشعار ( جئناكم بالذبح توسعت تلك الفتوحات ) واستطاع اقلية من المسلمين المؤمنين من السيطرة على اماكن واسعة ابتدأت بالبصرة وصعودا الى شمال العراق  بقوة السيف . وهي تشبه الى حد ما ماحدث في غزوة نينوى والفلوجة وكيف تمكن شعار ( جئناكم بالذبح من رعب الامنين من مختلف الاديان والمذاهب ) وتخيل ان ممارسات الابادة الجماعية في غزوة داعش لاتقل عن بربرية خالد ابن الوليد والحجاج في غزوهم للعراق والامصار . ولو قدر للعراقين ان يكون لهم جيش بمستوى الجيش البابلي او بمستوى الجيش المغولي  او الجيش الكوري الشمالي لما تمكن عرب الجزيرة من فتح دربونة في ولاية البصرة انذلك او مدينة الفلوجة والموصل حالياً ولكنها الحتمية التاريخية في الصراعات .
هولاء الفاتحين والغزاة وبعد ان تمكنوا من البصرة وسواها رفضوا العودة الى بلدانهم بعد ان وجدوا دجلة والفرات والبحيرات والاهوار والاستحمام يومياً في الانهر والحمامات بعد ان كان ذلك يعد نزقاً وترفاً واسرافاً ايام  الابار الجافة و برك المياه الاسنة . وصار بمقدروهم اخذ مالذ وطاب من خيرات العراق . فبعد ان كانوا يسمعون بالتين والزيتون صار بمقدورهم تناوله مجاناً وبعد ان كانوا ينتظرون قوافل بني سفيان التجارية وهي قادمة من العراق تنقل للاغنياء ماطاب من عصير العنب والتفاح والتمر والشعير صار بمقدورهم فقراء الصحراء تناوله ببساطة رغم انة محذور عليهم .
 العراق الذي تعاقبت علية الحضارات كان نتاج لاحتلالات من دول اخرى لكنها بقت شاخصة واصبحت موروثاً حضارياً للعراق بفعل اخلاق وقيم تلك الحضارات التي كانت بمستوى عالي من القيم والاخلاق والعمران  بينما لم تنعكس تجربة احتلال العراق من عرب الجزيرة بنفس الارث الحضاري والاخلاقي والانساني .. فكان لفظاعات عرب الجزيرة وارتكابهم لجرائم الحرب وعدم احترامهم لحقوق الانسان وبطشهم بالاسرى وبيعهم للغلمان وسبيهم للنساء وسرقتهم للاموال وتهديمهم للكنائس والمعابد مما ترك موروثاً معقداً بين راية التوحيد والاسلام  الحقة وبين اخلاق الفاتحين والغزاة المنحطة .هذة الانتقاله تختلف عن انتقالة الاولى للعرب المهاجرين وهي تشبة من حيث التكوين المهاجرين الاولين لامريكا حضارياً ولكن هجرة بحد السيف والرمح وعقيدة القتال ولدت ازمة وازدواج  ثقافي وحضاري بقى ملازما للان .
كان لعدم عودة المقتالين العرب للجزيرة نذير شؤم في استقرار هذا البلد العظيم وتقدمه وماتكاد تمضي سنوات سلم معدودة حتى شهد هذا البلد حرب الجمل وصفين والنهروان  والتي تمرد فيها اهل قريش على الخلافة الشرعية ونقلوا المعركة  والتنافس على السلطة الى ارض العراق . هذة المعارك وماتلاها والتي زج  فيها العراقيين بقوة للقتال مع المهاجرين وقد كلفت ارواح عشرات الالوف من العراقين الاصليين .
ومنذ ذلك الحين تسيدت اخلاق الجزيرة بقوة من اخطا في تفسير العقيدة  والسنة النبوية ليبقى العراق خاضعاً لذلك البطش والارهاب لقرون طويلة وقد تناوب على حكم العراق المئات من القرشين العرب الاقحاح وكان اشهرهم الحجاج بن يوسف الثقفي . الذي استطاع من نشر الاسلام ببقايا العراقيين المجندين قسرياً ليفتح بهم باكستان واذربيجان وافغانستان واعلاء كلمة التوحيد برماح اسلم تسلم .
كثرة الحروب والغزوات والفتوحات جعلت بعض العراقيين الاصليين الفارين من سلوك الجزيرة وهمجيتها لما للحرب من اثار نفسية ودور فعال في تدمير مقومات السلوك الحضاري والانساني ومع مرور السنين تطبع بقية العراقين باخلاق المهاجرين العرب واصبح سلوكهم صحراوي رغم وجود دجلة والفرات ووفرة الخيرات . فكان للاتاوات التي يفرضها الوالي بحجة الزكاة اثر كبير في كيفية سدادها كما تلك الغنائم التي يحصلون عليها من سرقة البلدان التي يحتلونها . فبدلاً من الزراعة والصناعة والتجارة اصبح الجندية ترد امولاً طائلة مع سطوة وقوة ونفوذ وسبايا وعبيد وجنة عرضها السموات والارض .
بقايا العراقيين الاولين في بعض المدن تجنب قتال المسلمين بدفع رشاوى بمئات الالوف والملايين من الدراهم الى خالد ابن الوليد لتجنب قتال مدنهم وفتحها بالقوة . بقت هذة المدن محافظة على ارثها الحضاري بعد ان اشترت حياتها وارثها وثقافتها بالرشوة وكذلك هنالك ممن  رفضوا المشاركة في غزوات المسلمين ورفضوا البيعة لولاة الامر والخلفاء هم نموذج حضاري في الحياة والمعارضة وقد اجتهدوا سلمياً في تفسير الدين فكانوا كما في عهد الاقوام الاولى المهاجرة للعراق يؤمنون بالتعايش السلمي وحق الانسان في العقيدة وفي القبول والرفض وكان هؤلاء يشكلون لوبي قوي في معارضة الفكر الصحرواي الذي اثر في مقومات العيش المشترك واستمر هؤلاء يمثلون العقيدة التي فسرت الاسلام في عهد الامام جعفر الصادق والامام ابي حنيفة في معارضة سلطة البغي والعدوان والايمان بحقيقة الوطن والعيش فشكلت بداية حقيقة في ان يعيش المسلمين والمسيحين واليهود والصابئة في بلاد مابين النهرين بتواد ورحمة بعد ان رفضتهم ارض الجزيرة  المترامية الاطراف واصبحت ولاية بغداد والبصرة والكوفة تنشد الى حياة جديدة بفعل سكان العراقين الاصليين .
ولكن سرعان ماتمكنت اقلية اجتهدت في تفسير الدين واشاعت مبدأ الكراهية والطائفية والتطرف وعدم اعتماد الوسطية وكان رائد هذة المدرسة التي اجتهدت بالدين كما اجتهد الفاتحين بحد السيف بقيادة الفقية احمد ابن حنبل الذي مثل الاسلام الريدكالي بقسوتة وفظاعتة رغم انه ولد في بغداد ولكن كثرة سفرة الى نجد والحجاز جعلته بموروث فكر التصحر عكس فكر الصادق وابو حنيفة المدني الحضاري والذي جوبة ذلك الفكر بقمع العباسيين  الا ان مصداقية ذلك الاجتهاد  لقى مقبولية كبيرة لدى عامة الناس بعكس فكر ابن حنبل المدعوم من السلاطين والذي  شهد انتشار واسع في العراق ومصر ولكن سرعان ماانتهى بسبب تبنيه التطرف الفكري والعنف  ومنذ ذلك الحين لم يصبح لهذا المذهب حضور الا لدى اقلية في الجزيرة العربية اعتمدته مذهباً رسمياً للدولة فيما بعد ومنذ ذلك الحين  اخذت الجزيرة والتي اصبحت السعودية مصدر الارهاب والتكفير  الى العالم الاسلامي  بفعل عوامل ظهور النفط والغاز  التي ساعدت في انتشار مذهب التكفير والغلو والذي عرف فيما بعد بالمذهب الوهابي .ولتشهد عودة جديدة وتحديات جديدة ولكنها باطار فكري هو اخطر من السيف .
ومثلما انتقلت قسوة البداوة الاولى بالسيف انتقلت قسوة البداوة الثانية بالفكر . ومثلما كان لسيف خالد ابن الوليد السطوة على تغير مسرى حضارة مابين النهرين وانحرفت بالعراق باسم الدين كان لاحمد ابن حنبل سطوة التكفير والطائفية واشاعة الكراهية باسم الدين ايضاً .
وامام تناقضات سيف السلطة وكلمة الفقية بقى العراق يعيش حروب متراكمة لاتنتهي لان نموذجها باقي لحد الان بشعار جئناكم بالذبح وبالتكفير ومصدرها الفكري والعسكري هو المملكة العربية السعودية ..