18 ديسمبر، 2024 8:52 م

البدوي الرقمي… مراسلكم في بالي !

البدوي الرقمي… مراسلكم في بالي !

يبدو تعبير “البدوي الرقمي” غريباً ملتبساً، وحين تسأل العارف الجبار “غوغل” بالعربية عنه، تظهر نتائج مضحكة أغلبها ترجمات السيد غوغل العبثية من الانكليزية إلى العربية. البدوي الرقمي رحالة يعمل من بعيد والنكتة هي انه إما معدم أو ثرياً.

التقيت بضع مرات بصحفيين يحاولون أن يلتحقوا بركب “البدوي الرقمي” وقد بات ترينداً معروفاً منذ العقد الثاني من الألفية الثالثة. عليّ أن أوضح هنا أنّ اتقان مهنة البدوي الرقمي إن صح وصفها بأنها مهنة، يتطلب أن يملك المرء مهنة في الأساس، أما أن يأتي شخص عاطل عن العمل، ويحاول أن يبدأ حياته العملية بوظيفة البدوي الرقمي، فسيتحول إلى رحالة شحاذ على طريقة الهيبيز في سبعينيات القرن العشرين. الترحال المزمن لا يترك للمرء فرصة اتقان مهنة. المهنة والحرفة تحتاج أولاً إلى الاستقرار، بعد أن تتقن الصنعة وتملك خفاياها وإمكاناتها، يمكنك أن تبدأ بممارستها رقمياً وسايبرياً عن بعد. وهنا لابد من التنبيه إلى أنّ الوظائف التي يمارسها البدو الرقميون محدودة وتتعلق كلها بعالم الرقميات والسايبر الحديث وما نتج عنه، وتتلخص في التالي:

*تطوير وتأسيس التطبيقات أو المواقع Web or App.

*مقاولات التجارة الرقمية.

*تجارة اونلاين.

*مقاولات وإدارة مدونات وإدارة اعمال اونلاين.

*تأمين حقوق النشر، وكتابة المحتوى الرقمي.

*تصميم المواقع والغرافيك والانفوغرافيك.

*التحكيم والمشورة الرقمية.

*مقاولات تنظيم السوفتوير على مستوى مؤسسات وتطبيقات.

*المواقع والاذاعات ستريم برودكاست ومحطات التلفزة وقنوات يوتيوب التعليمية.

وهذه الوظائف كلها تتعلق بالعالم الرقمي وخرائط السايبر المتنامية وعلوم وفنون أو ناتجة عن فعاليات ITech ، ولا يتقنها كل الناس، بل هي باتت حكراً على من تعاملوا مع مؤسسات السليكون فالي عبر العالم، واتقانها والتعامل بها يشترط بعد المعرفة وجود وصلات انترنت قوية وبقدرات تحميل عالية غير قابلة للانقطاع.

كلما وضعتُ وصف “digital nomad” في محركات البحث، ظهرت صورٌ أنيقة لشبان يجلسون على سواحل الكاريبي أو شطآن أنهر تايلند وبين أيديهم لاب توب آبل، وهم يعملون على رمال الشواطئ. هل هذا ممكن؟ هل يعمل هؤلاء الرحالة المتخصصون على رمال الشواطئ؟ كيف يؤمنون وصلة الانترنت، وكيف لا تتسرب الرمال إلى أجهزة اللاب توب وتتلفها؟

الحقيقة غير الصور، فالصور هي مجرد إعلانات، والحقيقة هي أنهم قد يمضون ساعة أو بضع ساعة في الأيام المشمسة على الرمال، ولكنهم يفعلون ذلك حتماً دون لاب توب ولغرض الاستراحة، أما عملهم فهناك أماكن خاصة بهم للعمل، تقترب من أن تكون مكاتب متجولة.

مكاتبهم تحددها وصلة انترنت قوية WI-FI في مكان هادئ جيد الإنارة مستقر وليس أكثر من ذلك، لذا يوصفون بأنهم بدو رقميون، فهم يسافرون بعيداً عن البلدان ذات الضرائب العالية، ويعملون من هناك على وصلات انترنت قوية آمنة في أماكن غير مكلفة ولا تحملهم ضرائب لأن نتائج عملهم وعائداته لا تظهر في حسابات تلكم البلدان، فهم إذاً في سياحة رمادية بين البلدان تبقيهم دائماً “بدوناً” غير قابلين للتوصيف، وتحار فيهم القوانين.

لكن وبشكل عام، إن كنت تملك القدرة على العمل في المجالات المار ذكرها أعلاه وقد نجحت في تأسيس شبكة علاقات تؤمن لك زبائن وصفقات مستمرة، كما أنك تملك من رأس المال ما يمكّنك من العيش بدون موارد لمدة قد تصل إلى 6 أشهر فإن بوسعكأن تتبع السبل المقترحة التالية:

*احصل على عمل يرشدك إلى الخبرات التي يطلبها، ويجري هذا بالعمل ضمن شركة أو مؤسسة تزودك هي بالخبرات المطلوبة، من خلال دورات أو ارشادات، وهكذا تكون البداية معهم، وهذا يشترط طبعا أن لديك موارد غير تلك التي تبذلها المؤسسة أو الشركة، لأنك في هذه الحالة ستكون مجرد  Volunteerأو trainee  وستمنح الحد الأقل من الأجور، وتدعى في هذه الحالة مكافأة، والحقيقة أنّ هذا النوع من العروض يمثل الفرصة الأكثر ضمانة للتعلم وللدخول إلى عالم العمل الرقمي عموماً.

*إذا كانت لديك وظيفة رقمية أون لاين تدر عليك مورداً ثابتا، وكنت بحاجة إلى المحافظة على هذا المورد، فلا بأس أن تبدأ بقبول صفقات باعتبارك freelancer، على أن تقبل ذلك في أوقات فراغك وليس في وقت العمل. معظم الصحفيين ومحاسبي الضرائب يعملون في أوقات فراغهم freelancer لمؤسسات أخرى غير التي تشغلهم. وفي حال كان عملك الحالي الثابت يتطلب منك أكثر من 20 ساعة في الأسبوع فاختر عملاً لا يتطلب أكثر من 20 ساعة في الأسبوع كي يتاح لك السيطرة على العملين. تذكر أن العمل الجديد يتطلب أن تتعرف عليه، وهذا يحتاج وقتاً وتركيزاً.

*هناك مواقع متخصصة تعينك على القيام بوظائف سريعة أون لاين، ومنها :

Upwork

Remote.co

Freelancer.com

هنا تعرض مئات الوظائف لمدد قصيرة أو ما يعرف ب Mini Jobs، وعلى المرء أن يكون جاهزاً دائماً بسيرة حياة عملية CV بأكثر من لغة، وبرسالة تأهيل تبيّن قدراته على العمل في المجال المعروض وأين سبق له العمل.

إذا وجدت مواقع التوظيف فيك مواصفات قابلة للتطابق مع طلبات المشغل، سيروجون طلبك لهم، وحين التوظيف سيتقاضون منك نسبة محدودة بسيطة عليك أن تدفعها، لاسيما أنك ستعود لهم غالباً، فأنت بدوي مسافر!

*التعليم الجامعي أون لاين، ويتطلب أن ينخرط المرء في جامعة حرة، ويبدأ التعلم بالمراسلة، وهذا سينمّي قدراتك في العمل أونلاين من بعيد، وستكون الكلفة أقل بكثير من الدراسة الحضورية في إحدى الجامعات الأوروبية أو الأمريكية. هذه الطريقة تؤهلك للحصول على درجة علمية، تكون لك عوناً اثناء العمل في المستقبل. أغلبالوظائف المرموقة ذات الدخل الجيد، تشترط أن يملك المتقدم شهادة جامعية.

*اشتر عملاً قائماً أون لاين. إنّه طريق مختصر كبداية، لكنّ عنصر المجازفة فيه يبقى عالياً، هناك أعمال قائمة فعلاً اون لاين، وتجني أرباحاً منذ سنوات، وقد فكّر صاحبها أو أصحابها في بيعها لأسباب تخصهم، وهذا يعطيك فرصة للدخول إلى المشروع. هناك اذاعات ستريم، ومواقع صحفية، ومواقع تصنع فيديوهات، ومواقع تطلق محتوى Trend. وبوسع المرء أن يتعرف على مستوى مداخيل الأعمال المعروضة للبيع من موقع Flippa.com على سبيل المثال، فهي تكشف لك مستوى الأرباح التي تولّدها علاوة على استراتيجيتها الربحية المنتظرة. يمكن أن يكون هذا بداية، لكن على المشتري أن يملك الخبرة الكافية التي تؤهله لإدارة تلك الأعمال. فشراء مشروع جاهز، أسهل بكثير من بناء مشروع بداية من الصفر، ولكن قبل الشراء يجب أن يتأكد المرء من قدرته على إدارة المشروع، ومن عدم وجود أسباب قانونية توقف المشروع، وقد تكون أحياناً اسباب أمنية، فالمواقع الخبرية والرقمية والإذاعات في مواقع الصراع تواجه مشكلات من هذا النوع غالباً. مشاور مختص يمكن أن يقدر، لمن يرغب الشراء، القيمة الفعلية للمشروع المعروض.

*تذكر دائماً أنّ بحثك عن وظيفة أو مشروع أونلاين يجب أن يجري في مناطق مستوى دخلها وواقعها الضريبي يقل كثيراً عن مستوى الدخل والضرائب في منطقتك. مصر من بين البلدان العربية الآمنة نسبياً والتي تملك قدرات سايبرية متقدمة بمداخيل منخفضة جداً بالنسبة للمداخيل الأوربية والأمريكية. نحن نتكلم هنا عن العالم العربي وفي مصر بوسع المرء أن يشتغل على المحتوى الرقمي. إقليم كردستان العراق مستقر نسبياً، وفيه خبرات سايبرية، لكنّ مستوى المداخيل ارتفع منذ عام 2015 بنسبة 500 %، وبات مقارباً لمستويات الدخل الأوروبية، لكنه معفى من ضرائب الدخل. لبنان يملك خبرات سايبرية ورقمية متطورة، لكن مستوى الدخل فيه مرتفع أكثر من أوروبا، كما أن الأمن فيه معدوم وهذا يجعله مكان لا يصلح قط للبدو الرقميين.

*هناك الطريقة الكلاسيكية، وهي أن تحصل على عمل في الخارج، فتسافر وتبدأ هناك حياة جديدة، وهذا يحصل غالباً دون أن يكون ضمن تصنيف البداوة الرقمية، لكنه يمكن أن يؤهل المرء لها إذا كان مستوى الدخل عالياً. الوظائف من هذا النوع يحصل عليها غالباً حاملو جوازات السفر الدولية المعتمدة، ألمانيا، الولايات المتحدة، سويسرا، بريطانيا وما شابه.

*بعض الأعمال الواقعية على الأرض يمكن إدارتها من بعيد، ومن ذلك المواقع الإلكترونية، الإذاعات، محطات التلفزة الترفيهية أو التعليمية. لكنّ الادارة البعيدة تتطلب مهارات معينة، كما تتطلب وجود إدارة محلية موثوق بها، يمكنها أن تُبقي صاحب العمل في تماس مباشر حقيقي مع ما يجري على الأرض. وهذا يتطلب بالطبع، حضوراً حقيقاً متقطعاً بين آونة وأخرى إلى مكان العمل.

*في بعض الأحيان، تكون عاملاً لدى مؤسسة أو شركة معينة، ويتطلب تطوير العمل، أن تكون أنت في مكان بعيد وتعمل أون لاين، هذا عرض جيد يمكن أن تقدمه لرئيسكوتحاول أن تقنعه بجدوى هذا العمل والأفاق التي يفتحها. وقد أظهرت جائحة كورونا، أنّ مئات ألوف الوظائف بات بالإمكان ممارستها من بعيد ضمن نظام Home Officeوستشهد المرحلة اللاحقة للجائحة انتقالاً كبيراً وهجرة كبرى إلى عالم العمل البعيد والعمل من المنزل، ففيه توفير كبير للمؤسسات، وثبت أن انتاجيته أعلى بكثير من العمل في المكاتب.

*آخر الحلول وأخطرها وأضعفها هو أن تطلق أنتَ مشروعاً من الصفر، تعتمده للعمل من بعيد، على أن تحسب سلبياته ومستويات نجاحه الممكنة. وعنصر المجازفة هنا كبير جداً، ولكن المبادرات الفردية صنعت أكبر مشاريع العصر الرقمي، وهي الأربعة الكبار، فيسبوك، آبل، أمازون وغوغل.

بون- ربيع 2020 عام كورونا