عندما قال انشتاين عبارته الشهيرة، ان العبقرية 1%موهبة و 99% الباقية هو عمل واجتهاد، فلا يوجد عباقرة بالفطرة، كما ان الخيال هو الذي يحفزنا، لنطور انفسنا بالابتكار والتجديد، انما هي خلاصة مسيرة طويلة من الدراسة والبحث، فلم يقول عبارته الا بعد تجربة واقعية، وتعد اولى دروس البحث العلمي، اذ يشير الى ان الخيال عالم واسع رحب، لا يوجد للمستحيل مكان فيه، وهو اولى الخطوات نحو النجاح، لكن تتبعها خطوة الاهم، وهو العمل الجاد لتحويل الفكرة الخيالية الى منجز حقيقي على ارض الواقع، والا سيبقى الخيال مجرد خيال!
ان عملية البناء العلمي، من بحث وتطوير، انما هي قائمة على التجربة والخطأ، وتكرار التجربة، مع الاخذ بنظر الاعتبار تغيير اﻵلية وانتظار نتائج مختلفة في كل مرة، ودراسة مستمرة للنتائج والاسباب وللبيئة المحيطة بها، فالعلم لا يتقدم الا بالبحث والتطوير، والتجربة وتكرارها، بل ان العلم الحديث تعدى هذه المعادلة البسيطة، وصار ينتقل من الصائب الى الاصوب، في عملية تكاملية، ودنو من المثالية.
لم يعد هناك مستحيل امام زحف العلم، خصوصا ونحن نستقبل عام جديد، سيشهد حدثآ علميا ضخم، وهو في اختبار صعب، اما ان يصبح احد انجازات البشرية، او احد شطحات العقل الانساني، وتبقى فكرة عالقة بعالم الخيال صعبة التحقيق، وهي العملية الجراحية المزمع اجرائها، لنقل رأس بشري الى جسد اخر، فكرة قد تملك من جنون العلم القدر الكافي، اعتقد منها، هي الشجاعة بالتفكير بها اولا، والاقدام على تنفيذها ثانيا، والاعلان عن هذا الحدث ثالثا.
ربما ذات الامر ينطبق على عالم السياسة، لكن من زاوية مختلفة، فالتفكير بسياسي نظيف، ربما يعد ضرب من ضروب الخيال، في ظل غابة الاحباط التي تحيط بنا جراء الاخفاقات المتكررة، لرجالات السياسة اضافة الى تكرار وجوهم دورة بعد اخرى، زاد الطين بله وخلق حالة نفور جماعي، لدى الشارع العراقي من المشهد السياسي، بل وحتى من الاخبار السياسية.
لكن التذمر والسخط وندب الحظ، هي اقصى انجاز ممكن ان يحققه العاجز، ولن يغير من واقع الامور شيء، ولن يزيد الوضع الحالي الا سوء، خصوصا ونحن على ابواب انتخابات قادمة، فلا يمكن ان نشكو الفساد والمفسدين، وندعو عليهم ليﻵ ونهارآ ونحن لا نحرك ساكنا، او نرفض المشاركة بعملية التغيير، فلن يتغير حال مدرسة مهدمة، او يعبد طريق بالدعاء فقط، فلا بد ان يرافقه شعور بالمسؤولية نحو هذا الوطن والبحث عن الوجوه التي تستطيع حمل التركة بثقلها، بدون كلل او ملل.
يبدو ان عملية البحث والتطوير العلمي، قد بدأت تأخذ مساحة اوسع في عملية بناء الاحزاب السياسية،فكانت الفترة الماضية مدة كافية لتشخيص الاخطاء، والعمل على تلافيها، بل والعمل على تطوير العمل السياسي، من خلال ادخال ادوات لنجاح التجربة السياسية، مثل فسح المجال امام الدماء الجديدة، ومنح فرص اكبر للشباب النوعي وتمكينهم، واعطاء دورآ كبيرآ للمرأة من خلال تمثيل واسع ضمن المؤتمر التأسيس الذي اطلقه تيار الحكمة الوطني، ومن المثير للاهتمام ان هذا التوجه اصبح اشبه ما يكون توجه، حقيقي نحو الشباب، وربما ستكون تجربة نموذجية تقلدها بقية الاحزاب، بعد ان اثبتت نجاحها، والمضي نحو تمكين الشباب، وبنائهم من جديد من خلال، تطويرهم من جهة وتشجيع الشباب الموهوب من جهة اخرى.
ان التفكير المنهجي يقوم على الخطأ والتكرار والتجربة، لذلك لا يمكن القول ان سلسلة الاخطاء السابقة، كلها كانت مضرة، بل انها اضاءت لنا مواطن الخلل، وما علينا الا اصلاحه، والمضي نحو التطوير المستمر بجدلية علمية بحته.