23 ديسمبر، 2024 3:15 م

البداهة وتكييف المواقف

البداهة وتكييف المواقف

يقال ان السياسة هي فن الممكن  والسياسي الجديد من يتميز بحضور ذهني رائع  ولباقة في الكلام ويقال ان نائبة في البرلمان البريطاني سليطة اللسان  قالت لتشرشل وهو في حالة سكر : لو كنت زوجتك لوضعت لك السم في الكأس فرد عليها لو كنت زوجك لشربت كل ما في الكاس.

وفي حياتنا اليومية قد تلتقي شخصا ما وتقيم علاقة صداقة  معه وتتبادلان ارقام الهواتف النقالة وكارتات الزيارة وتبقى على اتصال معه لفترة  تحددها المصالح الانية التي  تقتضيها الظروف. وتكون الاتصالات عبر الهواتف النقالة عادة شبه يومية تتبادلان خلالها احاديث مختلفة تخص العمل وكل ما  تطرأ  على البال من اموراخرى. واحيانا تستخدمان اللاب توب وما فيه من طرق اتصال حديثة لتبادل المعلومات بانواعها. لكن مشاغل الحياة وظروف العمل قد تجبركما على الانقطاع  والتباعد وقلما يكون بينكما أي اتصال وتبقى الاسماء في ذاكرات الهواتف النقالة وتتشابه الاسماء وتزول الصور من الذاكرة.

ومع تقدم العمر وضعف البصر وغياب الصور من الذاكرة البشرية   وتشابه وتعدد  الاسماء  في ذاكرات الهواتف   وظهور انواع جديدة منها  وزحمة العمل  قد يكبس المرء على اسم مشابه في ذاكرة الموبيال ولكن ليس الشخص المقصود الذي  تعززت روابطك معه ما يجعلك فورا تخرج عن الرسميات وتذكر اشياء تبدو غريبة جدا على المتلقي الفعلي( الصديق القديم)  ويقع الاحراج  وهنا تحتاج الى سرعة البديهية للتحلص من الموقف ومن عتاب الصديق القديم على الجفاء والانقطاع.

هذا ما حدث لي فعلا حيث اثناء عملي التقيت بصديق ملتزم وجدي  من خارج مكان العمل واقمنا صداقة حميمة وبقينا على اتصال عبر الهاتف لفترة طويلة بعد ان تبادلنا ارقام الهواتف ولكن انقطعت الاتصال بيننا  نتيجة ظروف العمل ومشاغل الحياة ودخول الجغرافيا على الخط.

وفي مكان العمل كان لي زميل اريحي يحب النكتة بنفس الاسم  مرض فجاءة وكان   ينوي التداوي في الخارج وصادف عدم وجودي في مكان العمل عند اعلن نيته الذهاب للتداوي في الخارج. اسمه  نفس اسم الصديق البراني بالضبط. وعلى ذاكرة الموبيال كان الفرق بين الاسمين غير واضح تماما    وعندما جئت للعمل ابلغني الزملاء بالخبر  وتمنيت للزميل  الشفاء امام الزملاء  وفي غيابه وقلت لهم ساتصل به اليوم واستفسر عن حالته  واتمنى له الشفاء العاجل.

وفي المساء وقعت الواقعة  كبست على اسم الصديق البراني وسمعت  صوته ولم اميز بينهما  و بدأت بالمزاح المعتاد والتنكيت  ظننا مني انه الشخص المقصود كي  اخفف من محنة زميلي في العمل بعد ذكر نفس الاسم. المتلقي عرفني وبسعة صدر تركني اتكلم وبعدها قال لي انا ليس فلان المقصود  انا فلان  وبدأ العتاب وانا وسط  الاحراج التام ولكن خرجت منها بسرعة بديهية.

الخروج كان كالاتي قلت له لقد اخرجتني من طوري وجعلتني انكت وامزح بشكل غير معهود لابرر لك جفاءك وكأنه على لسانك وقلت له وجدت في هذه البدعة وسيلة لمواصلة الاتصال بعد الجفاء الذي انت سببه يا فلان. تعشيت به قبل ان يتغدى بي كما يقولون.

زحام العمل وسير الحياة والتكنولوجيا الحديثة وتقدم العمر كلها  امور  تعرض المرء في عصرنا هذا الى ما ليس في الحسبان وتدعوه الى ابتكار وابتداع آليات لتدارك المواقف الصعبة والمحرجة-افرازات عصرنا الحالي.