أذكر جيدا كيف سعى قادة الكتل في الانتخابات السابقة الى الدعوة وباصرار الى تطبيق ديمقراطية ذات توافقية سياسية وهي نوع من الديمقراطية التمثيلية الا انها تتميز عنها بتراجع اسلوب الصراع السياسي بين الأقلية والاغلبية وتعويضه بالتوافق والحكم الجماعي والأخذ بأكبر عدد ممكن من الآراء واشراك الأقلية المنتخبة في الحكم أو في السياسات الكبرى ، وماان تحقق لهم ماارادوا حتى برز صراع من نوع جديد دفع ثمنه المواطن فوجود الجميع في السلطة أفرز حالة شاذة اذ تواطأ بعض المسؤولين الذين فرضتهم ظاهرة المحاصصة الطائفية على الدولة مع الارهاب وقادوا البلد الى مصير مظلم بينما اختارت بعض الأحزاب دور المعارضة على الرغم من كونها من الاحزاب الحاكمة ، ووسط هذا الصراع الغريب ومحاولات اسقاط الحكومة من قبل مسؤولين في الحكومة ذاتها ، تدهور وضع العراق الأمني والاقتصادي والاجتماعي وتلبدت سماء الصورة السياسية بغيوم الانتقام والثأر والحقد الطائفي وظل المواطن يدفع الثمن حتى في انحيازه لجهة ما دون أخرى بهدف البحث عن مسؤول ينقذ العراق من ازماته ويلبي حاجات المواطن الخدمية ويحفظ له حياته وكرامته ..
وبعد مرور سنوات من التناحربين السياسيين وغموض الرؤية لدى الشعب ، يعود نفس قادة الكتل ليطالبوا هذه المرة بنظام ديمقراطية ذات اغلبية سياسية ليضمنوا تصدر كتلهم المشهد السياسي محاولين تزويق صورة النظام الجديد الذين يدعون له وتجميلها بوعود التغيير الحقيقي الشامل الذي يحلم به الفرد العراقي ..
ربما سيحدث تغيير شامل اذا ماتغلبت احدى الكتل السياسية على بقية الكتل الأخرى وتولت الحكم ، ولكن من سيضمن عدم محاولتها تذويب ادوار الأحزاب والكتل الاخرى وابتلاعها تدريجيا لينشأ لدينا عصر جديد من الديكتاتورية تنفرد فيه الكتلة ذات الأغلبية السياسية بالتحكم بمصير البلد والشعب الذي سيتطلع عندها الى نشوء معارضة قد يشترك فيها الشعب والمسؤولون السياسيون الذين سيغيب دورهم أو يتم تغييبه ..الغريب في الأمر ان هناك من يرى ان مثل هذا الوضع سيكون صحيا لأنه سيفرز معارضة حقيقية وستعلو أصوات تشخص الخلل في ادارة الحزب الحاكم للدولة وستعمل على ازاحته جديا في الانتخابات المقبلة لأنه لم يحقق للبلد مارسمه من أهداف ووعود ، ولكن ، ماالذنب الذي اقترفه المواطن العراقي ليظل متفرجا على تجربة ديمقراطية جديدة يخوضها نفس المسؤولين الذين أذاقوا العراق الأمرين منذ أن تقاسموا السلطة ، وهل نرضى بأغلبية سياسية قد تمتص ماتبقى من رحيق حياتنا مقابل أن نحظى بمعارضة حقيقية .
ونحن نقترب من الانتخابات ، علينا ألا نقع في فخ وعود قادة الكتل الكبار الطامعين في الاستحواذ على مقاعد السلطة فلن ينجحوا في انقاذ العراق من أزماته بل سيخلقون له أزمات جديدة لأنهم لم يفكروا في مصلحة المواطن منذ أن فكروا بتقاسم السلطة وفق أسس طائفية فهل ستصحو ضمائرهم فجأة ليهبطوا الى واقع الفرد العراقي ويشعروا بمعاناته ..انهم يقاتلون حاليا من أجل انفسهم ومصالحهم الشخصية وسيقاتلون بضراوة أشد اذا مااعتلوا مقاعد السلطة من جديد ..اما المواطن العراقي فهو الذي سيدفع الثمن أولا واخيرا مالم تتغير كل تلك الاسماء الممسوخة ..