قائمة التكنوقراط التي قدمها السيد العبادي بملف مغلف الى البرلمان في الحادي والثلاثين من آذار الماضي على أمل دراستها والتمحيص فيها ومن ثم التصويت عليها لاقت قبولاً كبيراً لدى الشارع العراقي وجاءت في حقيقة الأمر نتيجة لمطالب المتظاهرين التي امتدت لثمانية شهور وكذلك الاعتصامات للتيار الصدري التي توجت باعتصام زعيمه مقتدى الصدر داخل المنطقة الخضراء، هذا القبول جاء لكون القائمة خلت من الوجوه القديمة والمتكررة والتي سأمها الشعب وَمَلّ منها كثيراً بعدما تبادلت الادوار في مناصب ومسؤوليات مختلفة لم نجن منها غير الخراب والدمار والتخلف والفساد ونهب المال العام واحتلال جزء كبير من البلد الى جانب تكريس مفهوم المحاصصة المقيت.
القبول الكبير الذي لاقته قائمة العبادي من الشارع العراقي كان كبيراً رغم عدم المعرفة الدقيقة بالمرشحين ؛ وجاء هذا القبول من خلال وجود شخصيات أكاديمية معروفة من المكون الشيعي ومن السني ومن الأكراد وحتى الصابئة فهم موجودون فيها.، لذا ننتظر التصويت على الكابينة الجديدة التي حققت جزء من المطالب بالتغيير الشامل، ونأمل أن تكون استجابة البرلمان سريعة إذا كان هدف النواب وسعيهم منسجماً من إرادة ورغبة الشعب في التغيير وكذلك مع اختيار رئيس الحكومة.
علينا أن لا نأمل كثيراً كشعب غاضب على الأداء السياسي السيئ طوال السنوات الـ 13 الماضية بسبب تكرار الوجوه المتحزبة ذاتها والخاضعة لإرادات كتلها التي أنبرت هذه المرة بموجبة من الاعتراضات والتصريحات والمطالبات وتوجيه الاتهامات لبعض أو كل الشخصيات التي قدمها السيد العبادي، وفي حقيقة الأمر أن هذه الاعتراضات تنطوي على شيء واحد هو كيفية معالجة الضرر الذي أصابها بعد أن كانت تتلاعب بالوزارات سواء من حيث العقود أو التعيينات والسطوة عليها وجعلها كانتونات لها.
الم تكن قائمة العبادي متوازنة وطنياً ؟ ألم تكن هذه القائمة عصارة لجهود مضنية في التمحيص والتدقيق بالعدد الكبير من الأسماء التي تم طرحتها لجنة الخبراء المكلفة باختيار وزراء جدد من التنكوقراط، نعم قد تكون هناك ملاحظات بسيطة يمكن حلها بالتحاور لا بالهجوم الشرس والتخوين ثم لازال هناك متسع كبير للتغيير من خلال القضاء على الوكالات في الهيئات وأيضا اختيار رؤساء لتلك الهيئات من ذوي الخبرة والاختصاص والكفاءة والنزاهة ومن غير المنتمين للاحزاب والكيانات السياسية وهذا التغيير يمتد الى وكلاء الوزارات ومنهم بدرجة مدير عام.
كان على اللاهثين وراء المكاسب والمغانم أن ينتظروا قليلاً ويدعوا نوابهم على التصويت للكابينة الجديدة دون أن ينحصر تفكيرهم بما فقدوه من وجود وزيرهم على رأس هذه الوزارة أو تلك وما تبع ذلك من مكاسب كثيرة ضاعت عليهم؛ حتى بان من خلال تصريحاتهم أن مفهوم التوازن الوطني لا يعدو أكثر من كونه البحث عن المغانم والمكاسب ليس إلاّ.
موقف الأكراد غير جيد بتوجيه الدعوة لوزير النفط نزار محمد سليم بالانسحاب من هذه التشكيلة الوزارية وكذلك زميله وزير البلديات هوشيار محمد رسول الذي يقال إنه تعرض لضغوط من التحالف الكردستاني للإنسحاب كون ترشيحه مع وزير النفط لم يمر عبر بوابة التحالف الكردستاني، أما موقف كتلة المواطن وما جاء على لسان السيد عمار الحكيم فهو أمر غاية في الغرابة وكأنه يقول في خطابة عشية تجديد انتخابه لزعامة المجلس الأعلى للسنوات الأربع المقبلة ( لو ألعب لو أخربط الملعب ) وتحدث كثيراً عن التوازن الوطني ولا أعرف أي توازن يقصد؛ لكن أجمل ماقاله وطالب به هو استقالة السيد العبادي من حزب الدعوة حتى تكون حكومة تكنوقراط فعلاً وهذا ماذكره قبله السياسي الكردي محمود عثمان وغيره ،لذا على السيد العبادي أن يكون رجل المرحلة فعلاً ويعلن إستقالته من حزبه لحين انتهاء مدة وجوده على هرم السلطة التنفيذية وبذلك يكون قد وجه الضربة القاضية للمعترضين وكسب رضا الشارع والمرجعية معاً الى جانب رضا المتحاملين عليه من السياسيين وأصحاب الزعامات إن كان ذلك يرضيهم ويسكتهم .
مواقف الكتل السياسية الأخرى كاتحاد القوى ومتحدون والفضيلة والدعوة وحتى التحالف المدني الديمقراطي وغيرها كلها جاءت على وفق الوتيرة مع الاختلاف في نوع الطرح من الهجوم العنيف والتهديد الى التنبيه أو طرح وجهة نظر ، كلهم يبحثون عن التوازن الوطني حسب المفهوم الخاص بهم ، توازن السطوة على الوزارات والتحكم بها وكسب المنافع المختلفة متناسين أن الشعب الذي وقف على أعتاب الخضراء له قادر بالوقوف على أعتاب بوابات مقار أحزابهم وقد يأتي اليوم الذي يركلهم فيه إذا ما استمروا في هذه السلوكيات التي يبغون من خلالها الضغط على رئيس الحكومة للعودة الى المربع الأول بأن تكون المحاصصة الحزبية سيدة المواقف وعندها تعود لهم المغانم والمكاسب .