عراق بلا هوية
بعد سقوط النظام الدكتاتوري في العراق عام 2003، احتفل معظم ابناء الشعب العراقي بالاطاحة بذلك النظام الطاغوتي متأملين الخير بمستقبل ديمقراطي،عدا تلك الشريحة التي كانت مصالحهم و وجودهم مرتبط بوجود النظام السابق، ووفقا لكل المعطيات فإن هذه الشريحة القليلة من البعثيين و الانتهازيين كانت موجودة في كافة اطياف الشعب العراقي، ففيها من الشيعة كما فيها من السنة، و فيها كذلك من الاكراد كما من بقية الاقليات.
الحقيقة الغائبة عن الكثيرين هي أن وجود الشيعة في حكومة صدام لم يكن نادراً كما يصور لنا، بل عددا يجعل من صاحب مقال ((من قال ان نظام صدام حسين كان طائفيا )) محقا في احصائيته بأن هناك عدد ليس بالقليل من الشيعة تولوا مناصب حساسة في المؤسسة القمعية على سبيل المثال كوزراء و حكام في محكمة الثورة السيئة الصيت. رغم ذلك تم ترجمة ردود افعال الحكم البعثي تجاه الشيعة على أنه قمع للمذهب.
أما الجانب السني فإنه يفسر قمع النظام لكل الحركات السنية المعارضة أو محاولات الانقلاب على انها تصفية للمعارضة التي ارادت اسقاط نظام البعث أو تآمرت عليه.
الحقيقة أن نظام صدام لم يكن لا سنيا و لا شيعيا بل كان بعثيا صرفا، لذلك لم يهتم بخلفية رجاله لطالما كان ولائهم له.
النقطة التي أردت أن أسلط الضوء عليها هي أنه لا يجوز اتهام مذهب أو فئة بتحمل اخطاء النظام السابق الذي دام حكمة لأكثر من ثلاثة عقود، بل يجب أن يوجه تجاه النظام وازلامه العراقيين.
القيادات العراقية الحديثة
لعبت القيادات السياسية الحديثة بعد 2003 لعبة الروليت الروسي بحياة المواطنين العراقيين و ذلك بتأجيج الحقد الطائفي بين الشيعة و السنة و اللذي بنته على سياسات النظام السابق تجاه شرائح الشعب العراقي.
اشتدت الحلكة الطائفية بحيث اصبحنا نرى مرقد الامام علي كرم الله وجهه شيعيا و ليس إماما لكل المسلمين و نرى عمليات تجفيف الاهوار هي عملية سنية ضد الشيعة و ليست عمليه تطهير منطقة من كل المعارضين و الهاربين من الجيش عدا كونها كارثة بيئية و خسارة عراقية لا تعوض، و من جهة اخرى انجرف الاكراد بايقاض الحس الشوفيني تجاه العرب و اللعب على هذا الوتر لتعزيز التكاتف الكردي أمام مد مذهبي انجرف فيه معظم العراقيين.
لست بصدد توجيه نظر القاريء الى عواقب المد الطائفي و الشوفيني، لقد بات شمسا ساطعة في سمائنا لا ينكرها إلا أعمى. لكنني أريد أن أسلط الضوء على تعامل السياسيين مع كل الذي جرى على الشعب العراقي و على العراق من ويلات، وتتويجا لكل تلك النزوات و الطيش السياسي ضياع ثلث العراق بيد منظمة ارهابية تقول آخر الاحصائيات أن عدد الذين دخلوا الموصل كانوا بحدود الثلاثمئة مقاتل تفاجئوا هم من هروب الجيش من أمامهم وضاع الوطن نتيجة سياسة طائفية مقيتة، و الغريب في الأمر أنه بدلا من تكاتف العراقيين لأنقاذ الوطن، تبادل كل أطياف الشعب العراقي كيل التهم لبعضهم البعض، و من بينها أن أهل الموصل هم من أدخلوا داعش الى الموصل لتسقط بعد ذلك تكريت و بيجي. الغريب في الأمر أنه لم يناقش اي من السياسيين سبب تفشي الفكر الداعشي في المناطق السنية و لماذا كان لديه خلايا نائمة في معظم
المناطق، بدلا من ذلك انزلق السياسيين العراقيين في مهاترات عقيمة فرقت الصف السياسي و عززت من قوة داعش على الارض.
خلال لقائي بالاستشارية النرويجية سيسيليا هللستفيت التي تعمل في مؤسسة
قالت واصفة داعش:International Law and Policy Institute – ILPI
” داعش ينتعش في حالات الفوضى والسياسيين العراقيين قدموا له هذه الفوضى على طبق من ذهب”
ما بعد النكبة
سأسلط الضوء على بعض الآراء السياسية في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ العراق من خلال تصريحات السياسيين:
طارق الهاشمي: يذكرنا في كلمته الاخيرة بالمكون السني و مظلوميته، و يذكّر المكون السني بأن الجاني لا يزال حرا طليقا و سيفعل ما بوسعه و سيضحي بحياته صابرا محتسبا لأجل القضية، و كأنه لا يعي أنه قد وصلت بنا المواصيل الى هذا الحضيض نتيجة هذا الخطاب القميء.
حنان الفتلاوي: خلال الاشهر الأخيرة كان لديها عدة لقاءات كل ما قالته خلال لقائاتها يذهب بهذا المذهب: السنة هم الطائفيون و نحن نقاتل من أجلهم كما أمرتنا المرجعية.
كلامها جعلني أرى أن السياسيين العراقيين بكل اطيافهم قد اصيبوا بالعمى ولم يعودوا يعون أنهم السبب المباشر لما آل اليه العراق و هم سبب شق الصف العراقي بهذا النوع من الخطاب.
يعتبر الخطاب الطائفي من الناحية التعبوية للحصول على التأييد الجماهيري من الوسائل الجيدة. في الغرب يعتبرونه اسلوب غير أخلاقي و عندما يتجاوز الحدود يتعرض صاحب التصريح للمسائلة القانونية، هذا هو الفرق بين العراق و الغرب. وفقا للنظرة الاوربية فأن معظم سياسيين العراق بدون أخلاق و يستحقون العقاب القضائي.
اجتماع اربيل:
عزز هذا الاجتماع مفهوما واحدا، هو أن القيادات السنية كانت سببا مباشرا بمأساة المنطقة، و حتى الآن لم يستنبطوا العبر من النكبة، بل على العكس تماما في الوقت الذي كان من المفروض أن يبحثوا عن اللحمة الوطنية، كانوا على العكس تماما يبحثون عن التقسيم و البحث عن منطقة يحكمونها بحجة حماية المكون السني.
نحن نعلم أن ما حدث في العراق يخدم اجندات مختلفة تبحث عن مصالحها في العراق. قال لي أحد السياسيين الأكراد الذي حضر الكثير من الاجتماعات ما بين الجانب العراقي و الامريكي منذ زمن بريمر و كذلك اجتماعات العراق مع دول الجوار و اللذي لم يسمح لي بذكر اسمه و كان حلقة وصل بين الجهات المتصارعة في العراق على طول السنوات الاخيرة معلقا على اجتماع اربيل:
” المنطقة السنية في مأزق حقيقي لطالما قياداتها متفرقة الى هذا الحد و لا تزال تفكر بهذا المستوى الضحل”.
القيادات الشيعية:
ردت القيادات الشيعية من جهتها على اجتماع اربيل بنفس النبرة الطائفية التي أدت الى ضياع العراق، بتعليقات نارية لا تخدم نهائيا في لم شمل العراقيين. كوصف دولة القانون للذين حضروا الاجتماع وصفهم ب ” بمثيري الفتن الطائفية”. قد يكون بينهم من يثير الفتن لكن ( ليس المهم ما تقوله و لكن كيف تقوله).
وبدأ من جانب آخر يهدد بكشف اوراق تثبت أن سقوط الموصل كان بسبب مسعود البارزاني و ممانعته لمشاركة البيشمركة في القتال في الموصل.
حيدر العبادي: بالرغم من أن هذا الاجتماع لم يأت مؤيدا للحكومة، و لو كان المالكي في الحكم لسمعنا الكثير من جمله المحرضة المثيرة للضغائن، لكن العبادي تصرف بحكمة و بالرغم من حضوره الاجتماع الذي دعى اليه حزب دولة القانون، إلا أننا لم نسمع منه اي خطاب ناري يدعو الى فرقة الصف العراقي.
مسعود البرزاني: في خضم الحرب الدائرة في المنطقة الوسطى شمال تكريت و الموصل بين البيشمركة و داعش واستشهاد عدد ليس بالقليل من قوات البيشمركة، مما زاد من حدة الشعور الشوفيني و العنصري بين الكرد تجاه العرب. بات الكرد يقولون: ” أولادنا يقتلون دفاعا عن اراضي العرب، والعرب يعتبروننا في النهاية غزاة و لسنا محررين”.
وبعد عدة عمليات ثأرية قام بها الاكراد تجاه العرب حدثت في خضم الفوضى تابعتها القيادات الكردية و كذلك السيد مسعود البارزاني عن كثب ليرى أن المد الشوفيني اللذي دعى اليه حزبه لسنوات لا يصب في مصلحة المنطقة و لا في مصلحة الشعب، فبادر معلناً” العرب ضيوفي و أي اعتداء عليهم يعتبر اعتداء على مسعود البارزاني” وذكر شعبه باستقبال عشيرة شمر للأكراد في العهد السابق. ليخمد بذلك نار العنصرية البغيضة قبل أن تستعر.
و أخص بالذكر كذلك حزب التغيير الكردي و الاتحاد اللذين لا زالوا يعملون على توحيد الصف الكردي و مآخاته مع العرب.
في المحصلة النهائية هذه حالات استثنائية لا تستطيع الصمود أمام تيار فكري طائفي. اذكر مقولة للسيد برهم صالح قالها في ايام الحرب الاهلية 2006 : ” لو استمر العنف الطائفي فسنضطر للنزول في خنادق الطائفية”.
الشعب بشيعته وسنته عموما بات يرفض قياداته الطائفية و يبحث عن اسباب التوحيد، أما السياسيين و بكل امكانياتهم يوجهون الشعب نحو طائفية مقيته لتعزيز وجودهم، ويبحثون عن لقب ” صلاح الدين ” منقذ العراق من داعش ومن سيتقلد هذا النيشان بحروب كلامية بعيدة كل البعد عن ساحات القتال، بين فقيه لا يفقه شيئا، و متنمقا لا يعلم معنى كلماته و متكبر لا يوجد سبب لكبريائه و لا يقبض الشعب من حروبهم إلا الهراء.
العنصر المفقود
صلاح الدين منقذ العراق ليس شخصا، بل وهو العمل المؤسساتي التوعوي و هو المنظمات التي تديرها تلك الشريحة القادرة على خلق عصف ذهني جديد، على سبيل المثال المفكرين و الفلاسفة، المحللين في كافة المجالات، الكتاب و الفنانين القادرين على خلق حركة فكرية جديدة قادرة على تحريك الشعب باتجاه جديد بعيد عن الشوفينية و العنصرية و الطائفية، و هم أملنا الوحيد بعودة العراق عراقيا رشيدا.