9 أبريل، 2024 8:46 م
Search
Close this search box.

البحث العلمي العراقي … مسارات متقاطعة

Facebook
Twitter
LinkedIn

البحث العلمي كما هو معروف جهد علمي منظم يساهم في معالجة المشاكل في المجتمع من خلال عرض المشكلة وتحليلها ومعرفة اسبابها . ومن هنا كان البحث العلمي ومازال اساس تقدم البلدان والمجتمعات. ففي الدول المتقدمة أدركوا أن نجاح الامة وعظمتها وتفوقها يرجعان إلى قدرات أبنائها العلمية والفكرية والسلوكية . وقد قدر إنفاق الولايات المتحدة الامريكية واليابان والصين والماليزيا والاتحاد الاوروبي على البحث والتطوير بما يقارب (417 ) بليون دولار ، وهو ما يتجاوز ثلاثة أرباع إجمالي الانفاق العالمي بأسره على البحث العلمي.
اما اذا بقينا في العراق فأن البحث العلمي في العراق يعاني ازمة حقيقية فلا توجد ميزانية خاصة للبحث العلمي وان مايشاع مجرد حبر على ورق فلا توجد استراتيجية تشجّع الإنتاج العلمي والابتكار وتغذي البحث التطبيقي المحض. وما يهمنا في هذه السطور وجود اساليب وسلوكيات هدامة لمسيرة البحث العلمي في العراق تحدث في الجامعات العراقية معروفة للكل وبشكل يومي تقاطع مساراته. ولكن غض النظر من قبل المعنيين ادى الى تفاقم وضعية البحث العلمي وبالتالي ادى الى تراجعه . والنتيجة هنالك بحوث تنتج سنويا غير رصينة وعقيمة واغلبها مكررة ومستنسخة . وهذه الظاهرة بدأت في تسعينيات القرن الماضي وما زالت مستمرة رسخت كتقليد معروف ومعهود في الجامعات العراقية ومتفق عليه لكنه من المسكوت عنه .
ولو استعرضنا جزءا يسيرا من تلك الاساليب والسلوكيات نجد العجب العجاب . وقبل ذلك نقول ان اهمية البحث العلمي تنبع من رصانته العلمية ، وتقديم شيء جديد يساهم في تطوير حركة البحث العلمي ونتاجه ، ويعالج مشاكل المجتمع . لكن الذي يحدث ان بعض من البحوث في الجامعات العراقية تتخذ مسارات مخالفة الى منهجية البحث العلمي لاسباب معينة اولها اللجان العلمية المشكلة لمناقشة الرسائل والاطاريح . حيث لاحظنا ان هنالك لجان مناقشة تقتل الابداع البحثي للطالب وشكلت وفق قانون المحسوبية والمنسوبية ومتفق عليها مسبقا حسب مبدأ ( شيلني واشيلك ) . وهذا بالطبع سوف يخدم الطالب التي يلتجأ الى الغش والخديعة في حقيقة رسالته او اطروحته خاصة اذا كان مشرف البحث على علم بذلك ويسمح للطالب على اعتناق منهج القص والصق . واطلعني احد الباحثين على حالة لاستاذ مشرف على رسالة احد الطلبة استطاع هذا الاستاذ من تجميع ابحاثة المنشورة في مجلات علمية محلية وجعلها رسالة لطالبه . وهنالك حالات لطلبة صعب عليهم استخدام اجهزة حديثة ومواد تجارب لغلاء اسعارها . التجأ هؤلاء الى وسائل الغش بأدعائهم اجراء تجارب عملية ومن ثم الاعتماد على نتائج وهمية او منقولة .
وعلى ذكر اللجان العلمية التي تشكل من قبل مجالس الكليات والاقسام العلمية . ان بعضها وكنتيجة للمحسوبية والمنسوبية تقوم بتسقيط باحثين وافكار علمية ومقترحات لبحوث لان المعني في ذلك غير مرغوب به شخصيا . وكم من باحث سقط في بئر الاهمال لانه لايمت بصلة لهذا او ذاك في اللجان العلمية ؟ وبالمقابل .. كم من رسالة ماجستير او اطروحة دكتوراه غير رصينة ومشكوك في صحتها وحقيقيتها نوقشت ومنحت درجة واللجنة على دراية تامة بذلك .
ومن بين الاسباب التي اجهضت حركة البحث العلمي في العراقي يأتي النظام السياسي سببا آخر واتذكر حادثة وقعت في هذا المجال حدثت في تسعينيات القرن الماضي حين رفضت رسالة ماجستير بسبب عدم اصالتها ولكون الطالبة في جهة امنية قامت بمقابلة صدام الذي بدوره اتصل كادره لكي تقبل الرسالة بدرجة عالية . وماحدث ايضا في ذلك الوقت اعتماد رسالة او ااطروحة لمناقشتها شكليا اذا كان موضوعها عن القائد الضرورة .( لهذا ادعو الى تدقيق الرسائل والاطاريح التي منحت درجات الماجستير والدكتوراه في تسعينيات القرن الماضي وارغام اصحاب هذا النوع من الابحاث الى كتابة رسالة او اطروحة جديدة تؤهله للدرجة الممنوحة له مسبقا ) . والدور نفسه يتكرر اليوم ولكن بطرق مختلفة حين تشرع قوانين من قبل وزير التعليم للتلائم وطموحات بعض السياسيين للقبول في الدراسة العليا .
والامر لايخلو من غفلة تؤدي الى مشكلة وسبب آخر وهو ما يحدث مع الطلبة الممبعوثين الدارسين على نفقة الدولة .. ففي الوقت الذي تقوم به وزارة التعليم العالي والبحث العلمي جاهدة بأبتعاث الطلبة العراقيين للدراسة في الجامعات العالمية الرصينة في الدول المتقدمة والعاملة بطريقة البحث للحصول على شهادة عليا . تصرف الدولة العراقية لطالبها تكاليف الدراسة والسكن والنقل . حيث يقوم الطالب وكجزء من دراسته بعمل ابحاث في المجال العلمي والصناعي ويختار مشكلة البحث من المجتمع المبعوث له فيقدم عبر ذلك خدمة كبيرة للبلد الاجنبي من خلال نتائج البحث المتحققة في تطوير مجال من مجالاتها العلمية او الصناعية او الطبية وغيرها . في حين تستطيع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ان تلزم الطالب في اختيار مشكلة بحث من بلده ومعالجتها بحثيا للافادة منها بعد ذلك .
واخير قد يتساءل القاريء .. اين مكان برنامج الاستلال الذي طبق في الجامعات وهو حاليا في رمقه الاخير ؟ .. اقول ان هذا البرنامج ومع الاسف لايطبق على الكل وغير فاعل ويخضع ايضا للمحسوبية والمنسوبية .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب