23 ديسمبر، 2024 5:19 ص

البحثُ عن قبر الزعيم

البحثُ عن قبر الزعيم

بعد التغيير في عام 2003. أدعى الشاعر العراقي ناجح ناجي أنه عثر على قبر الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم، وقد نشرت واحدة من الصحف مقالة أو حوارا مع الشاعر وثقهُ بصور لقبر دون شاهدةٍ في واحدٍ من مقابر بغداد مدعيا انه قبر الزعيم عبد الكريم قاسم ضمن ما برره من قصة سمعها من شاهد عيان.

وحينها لم يلتفت أحد الى قصته ولفها النسيان كما مئات الادعاءات والقصص الحقيقية منها أو المؤسطرة أو الكاذبة التي خرجت من أفواه الصحافة والناس لتؤرخ أحداثا لعشرات من السنين المكبوتة منذ الحكم الوطني الأول وحتى زمن الحرية المفرطة التي انفلت عقالها الى حد نهب متحف العراق تحت أنظار الدبابة الأمريكية.

ويبدو أن ما رواه المؤرخ  عن تلك الحقبة وخاصة انقلاب شباط 63 واللحظات الأخيرة في حياة الزعيم وسيناريو ما جرى في الغرفة التي تم تصفيته فيها والتخلص من جثته   وفق رواية شهود عيان من القتلة ومنفذي الجرم يبعدنا كثيرا عن رواية السيد ناجح ناجي وتبقى قيمة مصداقية القصة مرهونة بدليل مادي وقاطع وهذا لم يتوفر حد هذه اللحظة.

وهكذا لم يفلح الشعب ولا الحكومة في الوصول الى قبر أو المكان المضبوط لرفات الزعيم، وكان الأجدى بالدولة أن تؤسس غرفة عمليات خاصة ملحقة بديوان الرئاسة أو الوزراء أو البرلمان مهمتها البحث عن لحود الرموز المفقودة وأقامت الصروح التي تليق بمجدها وإيثارها وقضيتها أيٌ كانت ميولهم وانتماءاتهم لأن الصرح هو شاهدة لتوثيق المرحلة التاريخية التي تحتاجها الأجيال لتعرف ماضيها وتكتسب منها خبرة وجودها الجديد . واعتقد ويعتقد ثلاث أرباع العراقيين ممن عاشوا زمن الزعيم أنه كان من زعماء الوطنية الحق وانه أضاف الى حكمته وشعبيته فطرة غريزية عجيبة جعلته يصدق ما يقال ويثور بسرعة ويهدأ بسرعة وهذا كان له ثمنه الباهظ إن خسر العراق قائدا وطنيا كان في ظنه أن لا يدوم لباس العسكر على جسده وان يمنح للعراقيين فضاء البحث عن مشاريع وجودهم بعد أن أسست ثورة تموز لفقراء العراق وكادحيه منجزات مثمرة وقوانين تدعم حياتهم ومنها قانون الإصلاح الزراعي وبناء مجمعات الفقراء كما مدينة الثورة وبغداد الجديدة وقانون النفط الذي حول ملكية الأراضي العراقية التي تقع فيها الآبار النفطية الى العراق وغيرها من القوانين إلا أن اضطراب المرحلة وتأجج الصراعات الحزبية والتأثير الإقليمي وعدم وضوح الرؤية والحماس الزائد أجهض أحلام الزعيم وسقطت سدارته من رأسه بعد إطلاق الرصاص عليه وهو على كرسي أعزل لا حول له ولا قوة ، بالرغم من انه كان يسمع هتافات مناصريه خارج وزارة الدفاع ينادي بحياة الزعيم واغلبهم من الفقراء والحرفيين والبسطاء مع الناس، الذين رفعوا شعار: ماكو زعيم إلا كريم.

الآن فقراء الزعيم يعيشون مع ذكرى الزعيم ليحلموا، وعليهم أن يناشدوا الدولة لتفكر جديا بإقامة صروح رموز الدولة العراقية حتى لو كانت صروحا رمزية، وهم يفرقون عن الجندي المجهول أننا لا نعرف اسمه ومدينته وعشيرته ، ولكن قادتنا ومفكرينا وعلماءنا من غيبتهم أنظمة التسلط وعلى مدى التاريخ العراقي في السجلات المنهوبة والضائعة والضبابية معروفة أسماءهم وعناوينهم ومرجعيتهم، فقط يحتاجون منا بيتا محدوباً ونصبا بسيطا يحمل قيمته الفنية من خلال مسابقة تعلنها الدولة لشاهدة أي منهم وتحمل دلالة التعريف والمنجز والتراث. واعتقد أن الزعيم لا يحتاج في صرحه سوى صورته تحت ظل نخلة على شاطئ دجلة وفي أفق قريب دموع الفرات تهطل حزنا على ضياع جسده في تعدد الروايات والافتراضات…