من خلال استطلاع “استقصائي ” محلي اجراه اتحاد الصحفيين الاستقصائيين في حي البتاويين ببغداد وكنت انا مشرفاً على ذلك الفريق بعد أن جازفوا بمغامرة خطرة نحو الأزقة الضيقة لـ ” البتاويين” , وكان أمراً لا يخلو من المخاطرة إذا كان الزائر غريباً , لبس الفريق الاستطلاعي المكون من شخصين “الدشداشة ” والسروال وغيروا في ملبسهم وملامحهم واشكالهم المعتادة خوفاً من تلك العصابات والمافيات ..وبعد تأجير غرفة قديمة في بيت قديم بذلك الحي الذي يقع في وسط العاصمة العراقية بغداد لاخفاء صفتهم الصحفية الانسانية “الاستقصائية ” التي جاءوا من اجلها لتوصيل حالات شاذة الى الحكومة العراقية والجهات الامنية المعنية بذلك لخطورة الامر.
“البتاويين ” حي سكني قديم كانت تقطنه الاقليات المسيحية واليهودية وقسم قليل من المسلمين (العرب والاكراد ) منذ قدم الزمان ,أما الآن والعياذ بالله فحدث ولا حرج…تحول هذا الحي الى سكن للشباب وتجار المخدرات وبيع الاعضاء والتجار بالبشر والفتيات الهاربات من اهلهن وذويهن من المحافظات العراقية بسبب الفقر أو”غسل العار” الذي يؤدي إلى خوفهن وفق العرف الاجتماعي للعادات والتقاليد العشائرية لتلك المحافظات. فالهروب والوصول إلى دولة “البتاويين ” تلك “الدولة ” المخيفة في متخيّل من لم يطأها من قبل يجعل الهاربة فريسة سائغة لسماسرة النساء المنتشرين في “أزقة الموت ” لاستدراجهن إلى أماكن البغاء والتعرف على اوراقهن الثبوتية, فيقعن تحت التهديد خوفاً من الاتصال بذويهن.
“البتاويين ” بنايات شبه مهجورة تملأها الاوساخ والنفايات وتزكم الانوف بروائحها المقززة والكريهة, ورغم المداهمات الامنية الكثيرة الا ان سكانها قد حولوا هذا الحي الى “دولة مصغرة ” يتخللها “أزقة الموت ” يحكمها تجار بيع الفتيات وتهريبهن الى شمال العراق ثم اخراج مستمسكات وجوازات أصولية تسهل حركة تلك الفتيات وسفرهن الى دول كالخليج العربي وتركيا. وهناك عناصر للامن والاستخبارات لهؤلاء العصابات والمافيات يمثل الأطفال قاعدته لاستخدامهم كعيون تنقل كل شاردة وواردة في نظام هرمي لإدارة كل الممنوعات في “أزقة اموت ” بدءاً من “مقاولين ” تأجير الاطفال والنساء لمهنة التسول في مناطق بغداد ونقلهم بعربات “التكتك ” الحاضرة , والاشراف عليهم وتغزوا موجات كبيرة من الأطفال منطلقة من “البتاويين الاولى ” تغزو تقاطعات وشوارع العاصمة بغداد للتسول بشتى الطرق، بين بيع العلكة وتنظيف زجاج السيارات وصبغ الأحذية كمجاميع , كل مجموعة من ثلاثة إلى أربعة أطفال تتأرجح أعمارهم بين أربع وست سنوات مع امرأة “ملثمة ” تقودهم .
يعودون إلى تلك البيوت المهجورة نهاراً والساهرة ليلاً ، فيما تتنوع أعمال الأمهات بين الدعارة والتسول والعمل في المقاهي والنوادي الليلية, الكثير من الأطفال مجهولو الأب , فبيع المخدرات والحشيش وحبوب الهلوسة “الكريستال ” المصنعة محلياً في احدى المحافظات الجنوبية حسب علمنا , يضاف الى المحلات الغير مرخصة لبيع المشروبات الكحولية المصنعة محلياً وتسمى “عرق الفلة ” او المشروب البلدي وقسم من هذه المشروبات خارجة عن السيطرة والتقييس المركزي وتؤدي الى حالات التسمم والموت احياناً , يضاف الى تلك الحالات الشاذة “مضافات ” الهاربين من اهلهم وذويهم وتكثر في فروع هذا الحي القريب لساحة التحرير والذي يطلق عليه تسمية ” البتاويين الاولى ” أما “البتاوين الثانية ” فتمتد من ساحة النصر والمشجر الى حدود مركز شرطة السعدون .
“البتاويين الاولى ” وأزقة الموت تشتهر بمنازل الدعارة , حيث لاحظ فريق الاستطلاع الاستقصائي المكلف بالمهمة احدى لافتات البيوت التي كتب عليها بخط اليد “تفضل الجقة بـ 25 الف ” إضافة الى وجود بعض “التكاتك ” المغلفة بـ “الجادر” تقف على ارصفة تلك الازقة وتعتبر مكان آمن لممارسة الدعارة ,فعند المداهمة والشعور بالخطر تستطيع تلك العجلات بالافلات والهروب داخل تلك الاحياء التي لا تستطيع سيارات المفارز الامنية من الدخول والخروج اليها .
عصابات المتاجرة بالاعضاء البشرية تتجول بحرية تامة مابين شارع المشجر ونهاية “البتاويين الاولى “وهي رأس للمضاربة في بورصة البتاويين الخطيرة, دخل زميلنا الصحفي “ع” بـ ” دشداشته” ولفة الرأس المعروفة بـ ” الجراوية ” ويعني دخولك هناك ان تبحث عن شيء، فيبدأ الجميع بعرض خدماته، بين من لا يجد حرجاً في أن يعرض عليك الدخول لبيوت البغاء مقدماً إغراءاته بعمر ومواصفات الفتيات اللواتي بمعيته او تأجير تكتك داخل الحي للممارسة ، وبين من ينتظر للتأكد من هويتك، فالحذر قائم بحسب خطورة وضعك وشخصيتك وهندامك البسيط المألوف للحصول على كمية كبيرة من المخدرات أو طلب أعضاء بشرية يتطلب الثقة والأمان بشخصك معرفاً بهوية ,ولا سلطة تعلو سلطة تجارها، فلكل شيء ثمن وفق قانون هؤلاء، حتى القانون يصبح مطاطياً بوجود المال والسلاح, على الرغم من مداهمات الشرطة المستمرة، لكنها لا تسيطر على الوضع، وتُعد تلك المنطقة الأخطر ضمن تصنيف قيادة عمليات بغداد، التي تعتمد على الجهد ألاستخباري الضئيل مقارنةً بمستوى الجريمة فيها.