18 ديسمبر، 2024 10:45 م

(البالة ) و ( اللنكة ) و ( الستوك ) لم تفارق العراقيين منذ سنوات !!

(البالة ) و ( اللنكة ) و ( الستوك ) لم تفارق العراقيين منذ سنوات !!

الكلمات التي اشرنا إليها في العنوان متداولة ومعروفة منذ زمان بعيد وتعرفها الأجيال الحالية كما عرفها من قبلهمالآباء والأجداد ، وكلمة بالة في الإنجليزية (Bale) تعني حزمةكبيرة وهي تشير إلى مجموعة كبيرة من الملابس المستوردة المستعملة المتنوعة في الأشكال والأحجام ، أما ( الاستوك )فإنها تكون من تصفيات المحلات الأجنبية والأوروبية وغيرالمستعملة ، وكلمة ( اللنكة ) تشير لأسواقها من الملابسالمستعملة ، والأنواع الثلاث تجتمع في موضوع واحد وهو شراء فضلات او ( زبالة ) العالم لأنها غير مرغوبة لديهم وتستورد من الخارج و تتم تجارتها داخل البلاد وتخضع للبيعوالشراء ، والغريب إن مكوناتها (منبوذة ) وتشير لحالة متدنية نوعا عند البعض بسبب مصادرها وما تعنيه من تدوير الفضلات في البلاد ، ولكنها تجارة موجودة ولم تنقطع منذ سنوات وتتمتع برواج مزدهر خلال هذه السنوات رغم ما جناه البلد من ثروات حيث يحسبون شعبه من اكبر الأغنياء ، وبحسب موقع مرصد التعقيد الاقتصادي (OEC) فان العراقيحتل المرتبة ٤٦ عالمياً في استيراد هذه البضائع ويستوردسنوياً ما قيمته ٣٤٣ مليون دولار من الملابس المستعملة وموادالنسيج و تأتي من منافذ مختلفة ، وتهيمن الصين على الحصةالأكبر من الاستيرادات بمبلغ ٢٥٣ مليون دولار تليها تركيا بمبلغ٤٦٫١ مليون دولار ثمّ الإمارات بمبلغ ١٤٫٧ مليون دولار ثمّكوريا الجنوبية بمبلغ ٥٫٤٦ مليون دولار ثمّ ألمانيا بمبلغ ٥٫٣ مليون دولار ، وهناك دوافع وأسباب مختلفة لاستيراد هذه الأنواع رغم ما قد تحتويه من أخطار وفي مقدمة ذلك الفقر وعجز المنتج المحلي عن توفير ما تحتاجه أذواق المستهلكين على وفق قدراتهم المادية في الشراء ، كما تلعب الرغبة في مواكبة المودة العالمية وتقليد المشاهير دورا في الإقبال على الشراء عندما يكون المنتج الجديد صعبا المنال من حيث ارتفاع الأسعار ، كما يلجا لهذه الملابس الباحثون عن الجودة العاليةومن الماركات العالمية المعروفة بثمن معقول نسبياً .

ومن الناحية الشرعية فان استخدام الملابس المستوردة فيالبالات فيه محاذير إذا كانت تباع من غير فرز ومعرفة لمحتواها ،فلا يجوز شراؤها لما في ذلك من الغرر المنهي عنه ، كما روىمسلم (1513) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : “نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُعَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ ( والغرر هو  عدم اليقين او المجهول العاقبة ) ، ومن الناحية الصحية ربما يؤثر استخدام الملابسعلى الصحة خاصة عندما يخصص بعض منها للأطفال فقد يتسبب استخدامها إلحاق الضرر بهم ، فالأطفال ربما تكونلديهم حساسية سريعة من المواد الضارة التي تتسبب فيأمراض جلدية ، كما أن بيع الملابس المستعملة واستخدامها للأغراض الشخصية للكل دون تعقيم وتطهير له عواقب صحيةكبيرة فهي تنقل العدوى والأمراض بصورة كبيرة ، لكونالمشترى لا يعرف من ارتدى هذه القطع قبله وما هي حالتهالصحية ، والجميع يعلم ذلك إلا أن السعر المنخفض المغرى الذيتباع به تلك السلع يجعل مستهلكيها يغضون الطرف عن تلكالأخطار ، وبعض الأمراض تنتقل عن طريق الملابس المستعملةمثل الأمراض الطفيلية والفيروسية ، فالطفيلية ناتجة عنفطريات مثل السعفة وسعفة الفخذين والفيروسية الطفيليةتنتقل بالعدوى مثل التنيا الجلدية ، كما إن الملابس غير القطنيةقد تسبب الإكزيما الجلدية أو الحساسية دون تعقيم كافي وصحيح ، ومن الناحية الاقتصادية فان خروج ملايين الدولارات لاستيراد هذا النوع من الملابس يعد خسارة في العملات الصعبة ويحدث منافسة غير عادلة مع المنتج المحلي لان أسعارها في الأسواق لا تعادل 10% من تكلفة إنتاجها محليا ، وهو رأي يخالفه البعض عندما يقول إن توفير تلك الأنواع ينقذ البلاد من استيراد الأنواع الأصلية والجديدة التي تكلف مبالغ ضخمة في الاستيراد .

ويعكس التزايد باستيراد هذا النوع من الملابس إلى التناقض الذي يعيشه المجتمع العراقي ، ففي الوقت الذي يشهد شرائها إقبالا شديدا في المواسم والمناسبات بسبب الفقر ومحدودية الإمكانيات كسبب رئيسي ، نجد إن بلدنا هو الأعلى باستيرادهللسيارات خلال 2023  فمن أمريكا استوردنا بقيمة 229 مليوندولار، وأعلن الخبير الاقتصادي منار العبيدي ، إن العام الحاليهو الأعلى مقارنة بالسنوات الست الماضية  من حيث استيراد السيارات وأضاف إن الارتفاع شهد أيضا زيادة في معدل قيمةالسيارات والتي بلغ معدل سعر الواحدة بحدود 15 ألف دولار ،كما يشهد البلد  ارتفاعا ملحوظا في حجم استيراد المجوهراتالذهبية والفضية فخلال عشرة أعوام تم الاستيراد بأكثر من9.4 مليار دولار ، وفي سنة 2022 لوحدها بلغ حجم استيرادالعراق من المجوهرات من تركيا 1.7 مليار دولار وتمثل نسبة15% من مجمل استيراد العراق من تركيا والتي تبلغ 11.7 ملياردولار،  مما يستدعي السؤال هل فعلا نحتاج إلى هذا الكمالهائل من المجوهرات وهل إن شراء الذهب بهذا الحجم يعتبراستثمار أم نوع من الحماية أم هنالك أسباب أخرى تدفعللاستعانة بهذا القدر من الذهب ؟ ، وليس هذا هو السؤالالوحيد المطروح بخصوص الاستيراد ، فهل من المعقول إن يتم تبديد ما يحصل عليه البلد من ثروات في أللنكات والسيارات والذهب وغيرها من الحاجات ، ومتى نبني اقتصادا يعتمد على الانتاج المحلي ؟ ، وهي أسئلة ملحة ومهمة فمن المعقول أننستورد أي شيء إذا كان ذلك من عرق جبين الشعب وجهده من الإنتاج ، فاغلب ما نعيش فيه ومنه نستورده من إيرادات النفط التي لم نحسن استخدامها منذ عقود وسنوات ، والتنمية المستدامة وغيرها من المصطلحات في حسرات الأنفس وفي خانة الأمنيات ، ولم نشهد منها إلا النزر القليل لان غالبيتها في (السين ) و (السوف ) والوعود والتبريرات التي لم تصنع حاضرا متفائلا او مستقبلا ضامنا للأجيال ، فالسنوات تمر والإيرادات النفطية تتعاظم وقد تزول ونحن لا نزال البلد 46 في البالات واللنكات!! .