قديماً قالوا (لايوجد دخان دون نار) ، أي أن كل حدث له مسبباته وتقف وراءه دوافع وإرادات، ومن هنا فإن مسعود البارزاني – من وراء زوبعة الاستفتاء – لديه أجندات خاصة (شخصية وعائلية وحزبية) كثيرة، إذ إن هذا الشخص الذي انتهت ولايته كرئيس لإقليم كردستان منذ عام ٢٠١٣ ويأبى أن يترك كرسي الحكم، يحاول أن يضرب بحجر الاستفتاء مجموعة من العصافير، وفيما يلي بعض أهدافه التي يسعى لتحقيقها بإسم الاستفتاء واللعب على الوتر القومي والوطني لمواطني إقليم كردستان المحرومين اليوم من رواتبهم بسبب نهب ثروات نفط الإقليم من قبل الأشخاص والعوائل :
أولاً : البارزاني يعاني حالياً من حرج كبير داخلياً وخارجياً بسبب عدم وجود شرعية أو غطاء قانوني لبقائه في منصبه، وبالتالي بات يحاول أن يلوذ بأية قضية من شأنها أن تُبعد الأنظار عن هذا الخرق القانوني، فحاول توظيف نفسه كراعٍ لعملية الاستفتاء لإيهام الرأي العام الداخلي والخارجي بأن التصويت للاستفتاء نوعا ما هو تجديد لثقة الناس به، أو أن هذا الاستفتاء يبدو كتفويض غير مباشر له من قبل الشعب، كونه الآن هو من يقود هذه العملية .
ثانياً : الاستفتاء أفضل وسيلة للتستر على جميع الملفات المعقدة الموجودة داخل الإقليم، وهو الطريقة المثلى لإبعاد أنظار الناس عن الفشل الذريع لحكومة الإقليم في الإدارة والحكم، وخصوصاً فيما يتعلق بعدم توفير الرواتب والخدمات، علما بأن البارزاني هو الشخص الأول على هرم السلطة التنفيذية منذ عام ٢٠٠٥ ولغاية اليوم، سواء كانت سلطته تمتلك الشرعية أم لاتمتلكها .
ثالثاً : يسعى البارزاني من خلال زوبعة الاستفتاء أيضاً الى امتصاص غضب الشارع الكردستاني تجاه فضائح تعاقداته النفطية، سواء الاتفاق لخمسين سنة بينه وبين أردوغان على تصدير نفط الإقليم، أم اتفاقه مع شركة (روس نفط) الروسية لمدة عشرين سنة، ففي السابق كان المثقفون والناشطون ووسائل الإعلام ينتقدون السلطة ويضغطون عليها بسبب هذه الفضائح، أما اليوم فقد طغى الحديث عن الاستفتاء على المواضيع الاخرى رغم أهميتها .
رابعاً : الاستفتاء والاستقلال والقضايا القومية والشعارات الوطنية هي آخر ورقة بيد البارزاني وحزبه في الوقت الراهن، لأنهم سبق لهم وأن فشلوا في تنفيذ كل وعودهم الانتخابية ولم تعد لديهم أية مصداقية، فبسبب سياسة البارزاني لم تعد مشكلة بقاء الشعب بلا رواتب هي المشكلة الوحيدة في الإقليم، بل فوق ذلك كله بات الشعب مكبلاً بديون طائلة، ناهيك عن تعطيل المؤسسات الشرعية والانقلاب على الحكومة والبرلمان في سلوك غير قانوني وغير متحضر شوّه صورة الإقليم أمام المجتمع الدولي .
والمفارقة العجيبة إن البارزاني وحزبه يكيلون بمكيالين في التعامل مع قضية الاستفتاء، فداخليا أوعزوا لمؤيديهم بأن يهتفوا بأعلى أصواتهم بأن كاك مسعود سيعلن الدولة الكردية على ضوء النتيجة التي سيفرزها الاستفتاء المرتقب، أي أن القصد من الاستفتاء هو الانفصال عن العراق، ولكن خارجيا، البارزاني و خاله هوشيار زيباري يقولون أن هذه قضية داخلية وغير ملزمة وأن الاستفتاء لايعني الانفصال ولن نعمل بنتائجه .
أخيراً، إن الشعب الكردي ناضل على امتداد تاريخه وضحى بدمه من اجل الحرية وبناء الدولة المدنية الديمقراطية وفقاً لمبدأ المواطنة، لا من أجل المشيخة لعائلة معينة، وهذا الشعب يدرك تماماً بأن المتاجرين بالقضية الكردية اليوم دمروا كل أسس ودعائم بناء الدولة الناجحة، عدا ذلك فإنه من المعيب جداً ان تسأل شعباً تاريخه مخضب بالدم وحافل بالتضحيات عما إذا كان يريد الاستقلال أم لا!