23 ديسمبر، 2024 10:48 ص

البارزاني وحلم الإنفصال!!

البارزاني وحلم الإنفصال!!

بعد زيارة البارزاني الأخيرة الى واشنطن كثر الحديث عن الانفصال وتحقيق الحلم الكردي بإقامة دولة كردية مستقلة في المنطقة ، فقد شد البارزاني رحاله وهو عازم هذه المرة على طرح موضوعة الانفصال بشكل علني مع الادارة الاميركية تحت ذرائع وحجج كثيرة منها ان كردستان اليوم هي واحة من الاستقرار في صحراء من الصراعات المحلية العراقية والإقليمية المجاورة، وانها تنعم بمجتمع مدني حر. وانها أصبحت مؤهلة للانخراط السياسي الناجح في الخارطة السياسية للمنطقة من قبل الولايات المتحدة والغرب ، بل أصبحت تمثل شريكًا موثوقًا به بالنسبة لواشنطن في ملفات عدة كمكافحة الإرهاب وانه بالامكان في المستقبل القريب ان تشكل مركزاً تجارياً مهماً في الشرق الاوسط على غرار التجربة الاماراتية ، فضلا عن الخصوصية التي تتمتع بها كردستان في نظرتها للصراع العربي – الاسرائيلي وانها بمعزل عن اية مواجهة محتملة مع العدو التقليدي للشعوب العربية والاسلامية، وبذلك تكون قد ارسلت انطباعا لا لبس فيه يبعث على الاطمئنان من الجانب الاسرائيلي بل يصل الى حدود لا متناهية من الدعم الاسرائيلي المتوقع لإقامة جمهورية كردستان البارزانية . ان حُلم اقامة جمهورية كردستان يعشعش في العقلية البارزانية فقط ودليلي في ذلك اننا لم نسمع يوما تصريحا او دعوة من هذا القبيل الا ومُطلقها بارزاني الإنتماء ، واسباب هذا الدعم تعود الى عمق العلاقة التاريخية الاسرائيلية – البارزانية ، فضلا عما تم ذكره من ان كردستان مأمونة الجانب وفق الحسابات الاسرائيلية . كما ان هناك سببا وجيها لهذا الاطمئنان يكمن في طبيعة العقلية الكردية بشكل عام وفي العقلية البارزانية بشكل خاص وهو الفارق القومي والطبيعة التي جبلت بها الطينة الكردية والتي تتمثل بتغليب المصلحة القومية على المصلحة الدينية باسلوب براغماتي متطرف . ان الدعوة لإقامة كيان كردي مستقل هو محاولة يائسة من قبل رأس العائلة البارزانية ومن لف لفه من المنتفعين والانتهازيين للتغطية على المشاكل الداخلية التي يعيشها الاقليم وسكانه والضغط الكبير الذي يتعرض له السيد البارزاني من قبل احزاب وحركات سياسية مناوئة حول ضررة اقصائه من السلطة وعدم السماح له بالترشح لمنصب رئاسة الاقليم ، معتمدا على مبدأ إفتعال مشكلة خارجية للتستر على مشكلة داخلية ، متناسيا عدم دقة توقيت طرح مثل هذا المشروع في ظل التحديات الخطيرة التي يتعرض لها العراق الفيدرالي والذي هو جزءاً منه ، فمثل هذه الخطوة وفي ظل التداعيات التي يمر بها العراق وشعبه من شأنها أن تدمر وحدة العراق المُمزقة أصلا والتي تحتاج الى رجالات ونخب وطنية من طراز خاص تلملم شظاياها وتطبب جراحاتها بهدف تحقيق الحلم الوطني باقامة عراق فيدرالي موحد غير قابل للانشطار. كما يحاول البارزاني من هذه الخطوة ان يحقق مكاسبا داخلية تضفي له المزيد من التاييد والدعم الشعبي وتشكيل جبهة عريضة من المؤيدين والداعمين ضد خصومه السياسين من الاكراد ، لكنها محاولات باتت مكشوفة ومفضوحة امام المهتمين بالشأن الكردي. لقد تناسى السيد البارزاني عواقب اقامة مثل هذه الدولة التي ليس لها وجود الا في مخيلته الحالمة فهناك كماً هائلا ً من التساؤلات التي تشوبها جملة من التحديات الخطيرة، هل يعلم البارزاني انه لا وجود لدولته الكارتونية بين فكي تركيا وايران ؟ هل يعلم البارزاني ان ايران هي الفزاعة الجديدة في المنطقة والتي جعلتها واشنطن يداً ضاربة تؤدب به من تشاء وانها الحليف الجديد الخفي لها ؟ هل نسي البارزاني مصير جمهورية مهاباد التي لم تدم أكثر من أحد عشر شهرا والتي انتهى برموزها الى الاعدام مثل قاضي محمد والهروب الى مغارات الجبال كما فعل ابوه الملا مصطفى؟ هل نسي ان من سعى لتحطيم تلك الدولة هي الولايات المتحدة الاميركية بالتنسيق مع

الاتحاد السوفيتي السابق؟ هل نسي ان كردستان بشعبها البسيط الذي تغلب عليه البساطة غير مؤهل لفهم وهضم مفهوم الدولة ؟ فالدولة تحتاج الى كفاءات وخبرات في شتى المجالات الحياتية ، فهل سيستورد السيد البارزاني كل خبرات العالم لتحقيق حلمه؟ انا أعتقد ان هناك الكثير من التحديات والمعوقات التي تواجه هذا المشروع وبالتالي فأن واشنطن تدرك حجم المخاطر الناجمة عنه لذا كان الرد الاميركي واضحا حيال ذالك وانها ستقف مع عراق فيدرالي موحد خوفا من اتساع نفوذ ايران والسعودية وتركيا في حال التشظي والتقسيم ، فبكل تأكيد سيكون الاقليم الشيعي او الدولة الشيعية لقمة سائغة يسيل امامها اللعاب الايراني وسيسيل اللعاب التركي ايضا إزاء الموصل ، وعند ذالك تكون السعودية قد ابتلعت سُنة العراق. اقول لكل الداعمين لفكرة الانفصال ان كرامتكم مرهونة بعراق موحد وان مستقبل اجيالكم مرتبط بالعراق الواحد ولاتكونوا معاول لهدم الوحدة الجغرافية العراقية فالتاريخ سيكتب وعندما يضع سطوره سوف لن يظلم أحدا .