23 ديسمبر، 2024 11:03 ص

البارزاني من منظور أمني الحلقة الثانية / محاربة البارزاني نفسياً

البارزاني من منظور أمني الحلقة الثانية / محاربة البارزاني نفسياً

بحكم مكانة البارزاني في الحركة التحررية الكوردية ، ودفاعه المستميت عن حقوق هذا الشعب المسلوب من ابسط حقوقه المشروعة ، فأنه كان دائماً عرضة للتهديد و المؤامرة من قبل الأعداء لذا كان لزاماً اتخاذ كافة التحوطات الأمنية وان ظروف حياته كانت عاملاً وحافزاً مهماً لتنمية الحس الأمني لدى البارزاني بالأضافة الى الصفات الامنية المتوفرة في شخصية البارزاني الخالد لدوره القيادي والخبرة المكتسبة .
إن البارزاني قد واجه في حياته أشكالاً مختلفة من المؤامرات و الدسائس من قبل الأعداء , و قد حاربوه بالحرب النفسية في سبيل التاثير عليه , و على الشعب الكوردستاني برمته.
منذ ظهور البارزاني كقائد قومي , و وطني , أدرك الأعداء حقيقة أن البارزاني قد اتخذ له موضعاً بين جميع طبقات , و شرائح المجتمع الكوردستاني , فحاولوا زعزعة هذا الموقع الجماهيري , و عكسه خلال مرآتهم المظملة و تصويره من خلال هذه المرآة .
ومن أجل هذا الهدف شرعوا في بث الدعايات , و التهم المسمومة , وكانوا يسعون لإفهام الناس بأن البارزاني هو عميل الأجانب .
وكانوا دوما يناهضون البارزاني , و يغيرون السبل التي يسلكونها , فسلكوا طريقا أخر لمناهظة البارزاني , و الوقوف ضده , و كان هذا الطريق , طريق تفكيك موقعه الجماهيري .
كثيرا ما أعلنت الحكومات العراقية في العهدين الملكي , و الجمهوري كذباً بأن البارزاني قُتِلَ , أو جرح في المعارك , هذا فضلا عن المحاولات التي جرت لتسميمه , و اغتياله بشتى الأساليب , و قد نشرت السلطات العراقية خبر مقتل البارزاني , و جرحه في الصحف , و الاذاعة كثيرة منها نشر مقتله , أو جرحه في تشرين الأول ١٩٦١ , و نبأ قتله في تشرين الثاني ١٩٤٧. وفي سنة ١٩٦٢ نشرت الصحف العراقية نبأ موته ست مرات متتالية , و عندما لم تتمكن السلطات العراقية من أن تناله , و هو على قيد الحياة حاولت في ٥ حزيران ١٩٨٠ إخراج جثمانه من القبر في مدينة شنو في كوردستان إيران , لإخفاء أي أثر له , إلا أنه و بمساعدة المخلصين لم تنجح خطة تلك السلطات , و اليوم يزار ضريحه في مسقط راسه و هو محط احترام و اعتزاز كل كوردي ، ينظر إلى الملحق رقم واحد . إن نشر هذا البيان كان له وقعه السلبي على معنويات الجماهير المظلومة , لأن البارزاني كان رمزا للنضال , و الكفاح , و هذه الإشاعة قد فلعت فعلها السيئ في أذهان الناس , و خلقت جوا كئيباً , و في الحقيقة كان البارزاني في ذلك الوقت في قرية (بردانكه) بالقرب من (رانيه) , و شعر بتاثير هذه الإشاعة على الجماهير لذلك انتقل بنفسه الى منطقة خوشناو , و في تلك الأثناء كانت فرقة أعلام ثورة أيلول حاضرة هناك ….. توجه البارزاني إليهم و قال : انتم الحاضرين هنا لابد , و إنكم سمعتم بالخبر , و من أجل إزالة الهموم من نفوس الجماهير الكوردية أذيعوا في إعلامكم , و برهنوا على كذب الإشاعة لطمأنة الجماهير , و كشف ادعاء العدو الكاذب , على كل حال فإننا اليوم أو غدا سنلقي ربنا و نموت , و الشيئ المطلوب منكم أن تكتبوا إيضاحا و تنشرونه … .
و جاء في كلمة البارزاني يوم افتتاح إذاعة صوت كوردستان العراق في ٢٠/٨/١٩٦٣ : (أيها الشعب الكوردي العزيز …. قبل كل شيئ أفتتح المحطة باسم العلي القدير داعياً أن يهبنا العون , لكي ننتصر في سبيل الحق , و العدل , و الصدق , …. لا تصدقوا أكاذيب العدو , و أراجيفه , و لا يرهبكم التهديد , و الوعيد , كونو على حذر من خداعه , و أضاليله , فمهما يكن أمر هذه العصابة , فإنهم خلفاء أقزام لسلفهم المقبور (قاسم) , و إن نضالنا الثوري الجبار الذي زعزع أركان الحكم القاسمي , كفيل بعون الله تعالى بإلحاق الهزيمة , و الاندحار الحميمي بالمعتدين الجدد أيضا .
ومن الأساليب الأخرى التي لجأت إليها السلطات العراقية في محاربة البارزاني في مسيرته النضالية نفسياً من أجل التاثير على روحه المعنوية , و زعزعة ثقة الجماهير الكوردستانية به , هو خلق قادة و كتل كارتونية من أجل زرع بذور التفرقة , و تجزئة صفوف الجماهير بصورة عامة , و المناضلين على و جه الخصوص , و دفعوا بهولاء القادة , و هذه الكتل بين الجماهير وقدموا لهم شتى صنوف التعاون , ليحلوا محل البارزاني , و يصبحوا بديلاً له , حتى يصبحوا هم و عن طريق هؤلاء اصحاب القضية الكوردية .
و حاولوا التقليل من دور البارزاني بترويض القادة المصطنعين , و توجيههم لأجل مصالحهم , و تعريفهم كقادة للشعب , و ساقوهم إلى ميدان المنافسة مع القائد الأصيل , و ذلك بغية التقليل من قواه , و بقدرته , و تفكيره و اشغاله بالمشاكل الداخلية , و التقليل من قيمة دوره التاريخي .
وفي رد البارزاني للسؤال الموجه اليه عند تصريحه لإذاعة صوت كوردستان العراق في يوم ٣/١٢/١٩٧٤ و أذيعت في برامج يوم ٥/١٢/١٩٧٤ ( سؤال : تحاول السلطة بشتى الوسائل خلق كتل كارتونية , و فرضها على الناس , بأنها تمثل الشعب , و تدعى أن الحكم الذاتي لكوردستان العراق قد تحقق بواسطة تلك الكتل الكارتونية , و بهذا تنكر السلطة للقوى و الجماهير الكوردية الرئيسة , علما بأن النظم السابقة أيضا كثيراً ما كانت تلجأ إلى مثل هذه الأعمال .
الجواب من البارزاني : إن تكوين الكتل الكارتونية , و التشدق باسم الحكم الذاتي ماهو إلا هراء , و عدائي , و لا يمكن لتلك الكتل تمثيل الشعب الكوردي بأي شكل من الأشكال , و إن هذه الكتل , و معها السلطة الحاكمة ليسوا أعداء العرب و الكورد فحسب , بل يعملون ضد مصالح الشعب العربي عامة , و الجدير بالذكر إن الأنظمة السابقة كثيرا ما حاولت خلق مثل هذه الفئات و لكن دون جدوى .
يبدو جليا للقاصي و الداني بأن البئية , و الظروف التي يعيشها الإنسان يؤثر في سلوكياته , و تصرفاته , و كثيراً ما يلعب الحاجة دوراً كبيراً في بناء شخصية الانسان , و درجة التهديدات الموجه إليه , و إن العوامل الموضوعية المذكورة كأسباب لتنمية الحس الأمني عند البارزاني , هي نتاج لتحليلنا للواقع الذي عاشه البارزاني , و درجة إدراك أعداء الكورد لخطورته على مصالحهم عند المطالبة و الدفاع عن حقوق شعبه , و إنها عوامل شاملة , و إذا و جدت عوامل أخرى فإنها تدخل ضمن نطاق المذكور منها , و جعل البارزاني قائداً أمنياً ذا بعد أمني في تعامله مع رجاله , و ضيوفه , و أعداءه .

المقال مقتبس من مؤلفنا غير المنشور ( البارزاني من منظور أمني ) ….