يعيب بعض المتابعين على كتاب المقالات، بأن يبدوؤها بقصة من التراث قديماً أو حديثاً، رغم أن قسماً كبيراً من الناس يحبذون هكذا قصص، تشوقهم لمقدار الربط بين الحكاية والحدث الذي يتناوله الكاتب، حيث يشعر بأن المتلقي يتفاعل مع ما يكتبه بشغف أكثر، خاصة وأن أغلب العراقيون باتوا هذه الأيام، محللين سياسيين وخبراء أستراتيجيين أكفاء وبالجملة، فلا تكاد تخلو قناة فضائية، من شخصيات، وكراسي، ومقدم برنامج جريء، لتكون أحداث القضية الكردية، محور الحلقات في هذه القنوات.
القضية الكردية ليست وليدة اليوم، والإستفتاء مجرد مسرحية هزيلة، يراد منها تشيتت أنظار العراقيين، لما يحدث في الساحة العراقية، وتحديداً فيما يخص الحرب على داعش وقرب نهايته التامة على الأرض، فلم يجد البارازني سوى هذه الفلتة الكردية، ليكمل مسلسل تسلطه وحلقات فشله السياسي، ونهبه لخيرات أرض كردستان، خاصة إذا ما علمنا أن الإستفتاء على الإنفصال، مشروع فاشل منذ إنطلاقه، لأنه مرفوض وطنياً، وعربياً، وإقليمياً، ودولياً، وإن كنت تنوي الزواج بإسرائيلية بائسة، فعليك النظر في الأمر.
لو سأل الشعب الكردي رئيسه المنتهية ولايته وصلاحيته: ماذا قدمت لنا؟ وهل ستكون بمستوى مشروعك الإنفصالي؟ إن كنت لم تستطع أن توفر لنا راتباً من البصل، فكيف سنعيش وفي بيوتنا أكياس من الذهب، ثم أننا أصلا لا نعرف كيف تتصرف بعائدات نفطنا منذ عقود، وملياراتك الخضراء تزداد يوما بعد آخر، ولولا هبة الباريء عز وجل لجمال الطبيعة بمناطقنا، ما حالفنا الحظ في جمع دينار واحد، فأين هي مشاريعك العملاقة في الأقليم؟ وهل تهتم حقاً لأمرنا؟
لقد عاملناك بأصلنا وأعطيناك حصة من الموازنة الإتحادية، وبنسبة 17% ولم تكن تحلم بهذا، فإستقرت أمور الإقليم لكنك نكثت بعهودك، ولم تأبه لما يقدم من خيرات الجنوب لأفواه شعبك، ولم تفكر محافظات الوسط والجنوب، بأنكم تأكلون معها نفط البصرة، فقابلتم الإحسان بالإساءة، وهرّبتم نفطكم وبعتم بأبخس الأثمان، وهاهو اليوم إقليمكم يعاني من تردٍ في الأوضاع السياسية، لأنكم خائفون من داعش، والإقتصادية حيث لم توزعوا الرواتب التي كان المركز يرسلها إليكم، فهلا إكتفيتم من الذهب الأسود؟
هل من الحكمة أن يقدم مشروع الإستفتاء على الإنفصال في هذه المرحلة الحرجة؟ ونحن نخوض حرباً ضروس ضد الإرهاب، كما أن كردستان جزء من العراق، حتى وإن تمتعت بحكم ذاتي، فمَنْ يعتقد أن الإستقلال عن الوطن حل مثالي، فهو واهم لأن قدرنا العيش معاً، وليس لنا إلا بعضنا، وعلينا إيجاد القواعد المشتركة للتعايش فيما بيننا وبما يخدم وطننا، فالعراق أرض واحدة ومصيرنا واحد، فأي أنانية قومية تفكر بها الآن أيها البارزاني، لذا إستمع للقصة التالية.
يحكى أن رجلا أراد الزواج من إبنة رجل تقي، فوافق الأب وبارك الزواج، مقابل مهر لإبنته عبارة عن كيس من البصل، مر عام على زواجهما وإشتاقت الفتاة لأهلها، وطلبت من زوجها أن يرافقها لزيارتهم، خاصة أنه قد أصبح لديها طفل رضيع، وكان لابد أن يعبرا نهراً يقطع بين بيتهم وبيت أهلها، فحمل الرجل طفله وتركها وراءه، تقطع النهر وحدها فزلت قدمها وسقطت، وعندما إستنجدت به ردَّ عليها: أنقذي نفسك فما ثمنك إلا كيس من البصل!
أرسل الباريء عز وجل إليها مَنْ ينقذها، لتعود إلى أهلها تحكي لأبيها ما حصل معها، عندها قال الأب لزوج إبنته: خذ طفلك ولا تعد إلينا إلا ومعك كيس من الذهب، مرت الأيام والطفل بحاجة لأمه، وكلما حاول الزواج بثانية كان الرفض يسبقه، فزوجته الأولى وأهلها ذوي سمعة طيبة، وماحصل من سوء تفاهم سيكون حتما هو سببه، فلابد لجمع كيس من الذهب ليستطيع إسترجاعها، وفعلاً مرت السنون وإشتغل ليل نهار، حتى إستطاع أن يملأ الكيس ذهباً.
عندما قدم الرجل كيس الذهب لزوجته وأهلها، وافق الأب بعودة إبنته لبيت زوجها، وفي طريق العودة، أرادت وضع رجلها في الماء لتعبر النهر، قفز سريعاً ليحملها على ظهره ويعبر بها قائلا:حبيبتي أنتِ غالية، ومهركِ يقصم الظهر، فقد دفعتُ فيكِ ذهباً، عندما سمع الأب بذلك ضحك وقال:عندما عاملناه بأصلنا خان، وعندما عاملناه بأصله صان! والحقيقة مضمون هذه القصة، يتحدث عن مشكلة قومية بدأت بالظهور، وتخص رجلاً كردياً واحداً فوق خارطة العراق بعد 2003 فأي التعاملين يبتغي؟!