عاش الأكراد في شمال العراق، منذ مئة عام تقريبا، و استوطنوا هذه المناطق الجبلية، وتناسلوا فيها، بعد ترسيم الحدود ضمن اتفاقية سايكس-بيكو التي وزعت الأكراد، على أربع دول هي ايران وتركيا وسوريا والعراق، أصبح الأكراد يحلمون بإنشاء دولة لهم، تضم جميع الأكراد من تلك الدول الأربعة، لكنه بقي مجرد حلم يصعب تحقيقه.
خاض أكراد العراق خلافات حادة، بين جبهتين داخل المكون الكردي، أدى إلى حروب قبلية، بين البارزاني والطالباني، للسيطرة على حكم كردستان، خصوصا بعدما أصبحت إقليم تابع للحكومة الاتحادية، في زمن النظام السابق، بعد حرب الأنفال، التي كانت بدفع من حزب بارزاني، ضد الكرد الفيلية وأنصار طالباني، انتهى بقصف مدينة حلبجة بالكيمياوي.
حصل الإقليم بعدها على استقلال شبه تام، ضمن حدود الدولة العراقية، 2003 سقوط نظام صدام، ثم كتابة دستور للعراق بمشاركة؛ جميع المكونات العراقية بما فيهم الاكراد، وصوت العراقيون من الشمال الى جنوب؛ بنعم على الدستور بنسبة مشاركة فاقت 60%، وحصول الإقليم على ميزات كان يحلم بها، مع 17% من الموازنة الاتحادية، التي انعشت الإقليم، رغم المخالفات التي سجلها المركز على حكومة كردستان، من خلال تصدير النفط خارج السلطة الاتحادية، وعدم وفائه بالبنود الموقعة، والاتفاقيات المبرمة مع المركز، إلا أن أي محاسبة لم تحصل للإقليم؛ بسبب الفساد المستشري داخل الحكومة الاتحادية، وتشظي البوصلة الكتلة الاكبر، رافقها انشقاقات ومهاترات سياسية، ألقت بظلالها على العلاقات مع الإقليم، وجعلته يتمدد على الأراضي خارج الإقليم مستغلا دخول داعش الى الموصل وانهيار الجيش، اسفر عن سقوط ثلاث محافظات عراقية سنة 2014
ليسيل لعاب ال بارزاني؛ على آبار النفط كركوك، مستغلا ضعف الحكومة الاتحادية، وانشغالها بحماية بغداد من السقوط، أتاح فرصة ليتمدد مسعود ومن معه من الاسايش على منابع النفط، ويصدر عبر تركيا إلى إسرائيل، وتمادى اكثر؛ بعقد اتفاقيات مع شركات نفط خارج علم الحكومة الاتحادية، بواردات كبيرة؛ تذهب إلى حسابات خاصة لعائلة البارزاني، في حين كان يطالب الحكومة العراقية المركزية، بتسديد رواتب موظفي الاقليم والبيشمركة الكردي.
اليوم وبعد اندحار داعش الى مزبلة التاريخ، بفتوى المرجعية العليا و دماء أهل الجنوب الابطال، التي امتزجت مع ابناء المناطق المحررة، يخوض العراق اخر صفحات النصر والاباء وهو يطوي صفحة داعش السوداء في الحويجة ليعلن النصر الكامل وتحرير جميع أراضي الوطن، يظهر علينا البارزاني مدعوما من اسرائيل، بورقة الاستفتاء، والدعوة إلى الانفصال، وانشاء دولة خاصة بالأكراد، متناسيا مخاطر هذا الاستفتاء، وارتداداتها على المنطقة، وتهديد الأمن القومي لكل من إيران وتركيا، اللتان تربطهما بكردستان حدود إدارية، وتداخل قومي كردي، قد يؤدي هذا الاستفتاء إلى تحفيز كرد إيران وتركيا، للسير في نفس الطريق الذي سلكه البارزاني.
رغم ان اكراد هذه الدول لم يحصلوا على ١٪ من ما حصل عليه أكراد العراق، في العشرين سنة الماضية، من استقلال وحكم ذاتي وإقليم؛ يتمتع بكافة المقومات ،الا ان حلم الدولة التي تعشعش في جمجمة ال برزاني، قد جره إلى مد قدميه ابعد بكثير من غطاه، وهذا سيكون ذا مردود عكسي، يفقد الإقليم كل تلك الميزات؛ مع رفض دولي وإقليمي وداخلي لممارسة الاستفتاء؛ التي ظل يصر عليها ال بارزاني، متحدياً جميع القرارات الدولية والإقليمية مع تشديد اللهجة من الجانب الإيراني والتركي، إلا أنه بدأ يفكر بعقلية البطل القومي، وهذا يفقد الإقليم كل تلك المميزات، اول خسارة حظي بها؛ هي غلق المجال الجوي التركي والإيراني، أعقبه قرار صادر من مجلس الامن الوطني العراقي بوضع مطاري اربيل والسليمانية تحت الادارة المركزية، اضافة الى تسليم المنافذ الحدودية.
خطوات الحكومة، نجدها ذاهبة باتجاه اعلان المحافظات الثلاثة في اقليم كردستان الى محافظات رسمية ضمن الحكومة الاتحادية؛ وتسمية مجالس محافظات ومحافظ لكل محافظة من أربيل ودهوك والسليمانية، وبذلك انتهى شيء اسمه اقليم كردستان، ليصبح من الماضي وستمر عليه الأجيال في كتب التاريخ، هذا ما تفعله الدكتاتورية الفكرية داخل جمجمة ال بارزاني، وتضيع حلم جميل لانه حلم، فقد الإقليم عندما اراد ان يحوله الى حقيقة.