الباربى الاصليه هى احد لعب الاطفال الواسعة الانتشار عالميا التى تمثل طفلة جميله جدا ذو شعر ذهبى وعينان زرقاوتان,. اما عن تقاطيع الوجه فهى متناسقه ورقيقه, كما ان مكونات الجسم فى مقاساتها المثاليه تفرز قواما واعدا لعارضه ازياء عالميه مثيره. هذه الباربى هى احد ابداعات مصانع لعب الاطفال الغربيه التى تحاول دائما تقديم النموذج الغربى, الامريكى الاوربى, شكلا وقواما متفوقا على بقية الاجناس الاخرى, وهذا الهدف ينضم الى الاهداف الستراتيجيه لعمليات الغزو الثقافى لسكان العالم الثالث وهى فى هذه الحاله موجهه الى الاطفال من اجل ان تترسخ لديهم فكرةالتفوق والدونيه مبكرا.
ان محاولات عديده من قبل مبدعين من العالم الثالث قد جرت لتقديم النموذج الذى يعبر عن النموذج الوطنى القومى من حيث لون الشعر والبشره وتركيبة القوام لم توفق لترتقى الى مستوى الباربى الشقراء, وهذه الحقيقه بقدر ما هى مؤلمه تعبر فى نفس الوقت فى صورة حيه عن المتاهات واللاوعى واللامبالات التى تعتبر احد معضلات العالم الثالث والتى كما يبدو انها سوف تكون حاضرة لعقود عديده قادمه, خاصه وان الطبقات والنخب الحاكمه لم تبلغ لحد الان الوعى الضرورى الفاعل, او انها غير مكترثه بما تعانى شعوبها, طالما انفى احسن حال.
فى عراقنا العزيز لم نوفق لحد الان فى تقديم باربى عراقيه لها المواصفات شكلا وبناءا مكونات الاطفال العراقيين, الا ان التطورات التى حصلت بعد” التحرير الكبير” الذى حصل فى عام 2003 قد افرزت قضايا رهيبه فى حياة العراقيين, خاصه ظهور فئات متنفذه فى الدوله, ما يسمى ب”الرئاسات الثلاثه” والسائرين معهم من التجار والانتهازيين ومزورى الشهادات, يتمتعون بامتيازات لا حصر لها ويتقاضون مرتبات ومخصصات ليس لها مثيل فى العالم القديم والجديد على حد سواء.كما ان هؤلاء لم يقدموا للشعب العراقى, بعد قرابة العشر سنوات, اى انجاز يستحق الذكر, فقضية الكهرباء قد نظمت فى ملفات ووضعت كالعاده على الرفوف والى اجل غير مسمى والحاله الامنيه مازالت خطيره, فالانفجارات والسيارات المفخخه يمكن ان تحصل فى اى وقت وفى مساحات العراق الشاسعه.
الا اننا نثمن الحقائق والجهود التى تبذلها هذه الفئات التى استلمت الحكم, او تسلمت الحكم, لتقويم حياتها العامه والشخصيه, خاصة فيما يتعلق بتمثيل “الدوله الفتيه” داخليا وفى الاطار الاقليمى والعالمى, فى شكلها ومظهرها وما ترتديه وكيف تبدو فى هذه الحله الجديده.ان تعاظم المد الدينى حال دون ان يظهر بين سيدات القرار السياسى, فى البرلمان او فى مؤسسات الدوله وحتى الجامعات اعدادا كبيره من السيدات بالاناقه والذوق الرفيع الذى اصبح العلامه المميزه للنخبه الحاكمه,وكيف يمكن ان ان تظهر الاناقه والذوق الرفيع والسيده محجبه واللون الطاغى هو اللون الاسود؟؟. ومع ذلك فان عددا صغيرا من السيدات رفع راية الاناقه كمفهوم للحداثه والتطور, حيث برزت سيده, ربما انسه, على درجه عاليه من التمثل بالباربى الاصليه, فهى تتحفانا بظهورها الدائم على شاشه الفضائيات العديده وفى كل مقابله تتحفنا بتصريحات معاده ومكرره قد قام بها اخرون وسوف يرددها عنها اخرون ايضا, ليس المهم فى ذلك , الاكثر اهميه هو الحال الذى صعدت اليه والثقه التى يمنحها لها موقعها الجديد, فهى قد تظهر فى احد الايام مرتين او ثلاث مرات فى الفضائيات وتراها فى كل مقابله فى حلة جديده, من الايشارب الذى يمثل “الحجاب” الى الفساتين من ارقى المناشىء العالميه وانواع المصوغات الذهبيه على الصدر واليد والاصابع التى لا نستطيع تقدير اثمانها. وقبل ذلك تتم عمليه الدوش والتى تليهاالمساج والمانكير والباديكير هذه الخطوات تمثل عمليات تهيئه وتنشيط ونصل الى العمليه الاكثر اهميه , الا وهى االمكياج الذى يغير المعالم ويخفى الاسرار ويعطى المراه والرجل الصوره الورديه التى يظهرون فيها على الشاشه, والمكياج عمليه معقده فهى اولا اختيار الالوان المناسبه لون البشره والعيون وليس اخيرا قضية تنظيم الحواجب. ان الخطوات والعمليات التى ذكرناها تقوم بها الانسات والسيدات بانفسهم فى الاحوال الاعتياديه, حينما تكون الاوضاع الماديه محسوبه سلفا, اما سيدات البرلمان والسياسه فهم فى اوضاع اخرى وعوالم اخرى ليست لبقية عباد الله المساكين. ان الاشخاص الذين يصرفون وقتا كبيرا على مظهرهم واطارهم الخارجىبصعب عيهم ان يجدوا الوقت الضروى اللازم للعمل والتعليم المستمر لرفع القدره على العمل والانتاج, ناهيك عن ان يجدو االراحه للتأمل والتفكير بالذى قاموا به والذى سيقومون به. ان السيدات اللواتى يحتلون مواقع مهمه فى الاقتصاد والسياسه والاداره فى محيط الثقافه الغربيه انيقات ايضا وبكثير من الحشمه والذوق, وهؤلاء قبل ان يذهبوا الى اماكن عملهم, وقبل الدوش والمكياج يقومون برياضة الصباح التى يمكن ان تكون فى الجرى” الركض” او السباحه او الرياضه البيتيه, وذلك لكى يكونوا على استعداد للقيام بالبرنامج اليومى المزدحم بالمواعيد والمقابلات.
اننى من متابعى القنوات التلفزيونيه وخاصه فى فترات بث نشرات الاخبار والمقابلات التلفزيونيه مع النخب العراقيه وفى كل مره يثير انتباهى الاناقه المفرطه التى يظهر بها اصحاب القرار وقيادتنا السياسيه, فان تناسق الالوان بين المفردات ,البدله الثمينه الغاليه تشير بدلاله واضحه الى الايدى الرفيعه الماهره التى قامت بالتصميم والاخرى التى قامت بالخياطه,انها مطابقه لمقاسات الجسم تماما حيث يبدو الذى فيها اصغر بكثير من عمره الحقيقى, كما ان القميص وربطة العنق فى تناسق جميل مع لون البدله بحيث تبدو كما يسميها الفنانون”العمل الفنى”, ان الامر لايقف فى حدود البدله وربطه العنق وانما الوجه الذى يلمع والحواجب المحفوفه والاهداب المعقوده توحى بان هذه السياسى والمسؤل ليس فى مقابله تلفزيزنيه يقوم بالتعليق والتوضيح حول القضايا والمشاكل التى تهم المواطنين وينتظرون منه فسحة امل وانما الى يقصد حفله لاستعراض الازياء والاناقه, اوحفله خاصه وربما حفلة ليلة الدخله لزواجه الثالث او…الخ. اذا كنا قد فقدنا الامل فى اصلاح اوضاعنا الامنيه والاقتصاديه وقد اخذنا ننافس الصومال والدوله المنهاره فى استشراء الفساد المالى والادارى الا اننا نحتل, على الاقل وهذا اضعف الايمان, المرتبه الاولى فى الاناقه التى يلتزم بها قادتنا الاشاوس,انهم لايمكن ان يظهروا فى التلفزيون مرتين فى نفس البدله ومرادفاتها وهم فى حضور دائم مع التلفزيون, انهم يأبوا على انفسهم ان يخسروا هذذ اللقب الرفيع والتفوق على النخب الاوربيه فى الذوق والاناقه, ولذلك فان دار بيير كاردن الفرنسيه للازياء, ودور الازياء الايطاليه الرجاليه بالاضافه الى الانكليزيه المعروفه باسلوبها المحافظ المتين, اصبحت لا تشكوا من ضعف الطلبات على منتجاتها. ولا بد من الاشاره فى هذا الاطار بان نخبتناالحاليه قد تفوقت ايضا على طموحات القائد الضروره فى طموحه اللامحدود ان يكون سيد الاناقه كما هو العبقرى فى كل الميادين, فقد كان احيانا يظهر فى مفردات لاتتلائم مع بعضها الاخر وتبدو فى كثير من الاحيان نشازا,ان ارتداء بدله لايتوافق مع ارتداء قبعة الصيادين”القبعه التيروليه”, كان المكلفين بتجهزه بالملابس اشباه الاميين, وقد خسر هذا اللقب بعد ان بدا بأرتداء الزيتونى, ربما ليعوض عن النقص الذاتى الدفين, انه لم يكن ولو ليوم واحد جنديا, ناهيك ان يكون جنديا شجاعا.
اننى ليس ضد الاناقه والمنظر المحترم والذوق الرفيع كما يظهر به القاده الاوربيين, وهؤلاء عندما تراهم على ساسة التلفزيون يبدو المشهد متوافقا بين الشخص واناقته ومنظره, انها حاله طبيعيه ولم يحشروا فيها عنوة او اكبر منه وليست اطارهم او من اجل ارضاء الذات او اطراف معينه, وقد اصبحت كذلك لعمق عمرها الزمنى, لاتثير الغرابه والتسائل وهى معقوله وعقلانيه فى كل المقاييس. السؤال الذى يفرض نفسه بقوه هو هذا الاقراط فى الاناقه التى تبدو كانها عمل مقصود ومخطط له مسبقا, كوسيله للتعويض عن ايام سابقه كان العوز والحرمان من طيبات الحياة ووقفا على الاخرين, وكان اقتناء الملابس الجيده الجميله نوعا من الحلم والتمنيات والرغبات المكبوته المقهوره والتى استمرت زمنا طويلا وتركت اثارها وقد حان الوقت للتخلص منها ونسيانها, بل طردها وذلك من اجل ان تجد الذات توازنها واستقرارها. الا ان هذه الطريقه من المعالجه لاتجدى نفعا على الامد الطويل, اللهم الا اذا استمرت الاوضاع على ما هى عليه ويستمروا يشكللوا النخبه المتنفذه والطبقه الحاكمه.
ان الحضور اليومى المتعدد للنخب السياسيه فى مختلف القنوات الفضائيه بهذه الاناقه المفرطه تعتبر نوع من انواع الافعال الساديه المتحديه لجماهير الشعب الواسعه, وخاصة بالنسبه للشباب والعاطلين عن العمل والذين يعيشون على المساعدات الاجتماعيه او المتقاعدين الذين قدموا خدماتهم للمجتمع والدوله ويعيشون حاليا على الكفاف, فى الوقت الذى يفوق سعر ربط العنق البدلات الشهريه للمساعدات الاجتماعيه او الرواتب الشهريه لالاف المتقاعدين.
اذاكانت النخبه الحاكمه لاتعى ابعادالسلوك الشخصى واثاره على المواطنيتن فهذه مشكلة كبيره وهى مشكلة اكبر اذا لم يعوا لما يقومون به.
[email protected]