17 نوفمبر، 2024 9:56 م
Search
Close this search box.

البادىء بالظلم أظلم

البادىء بالظلم أظلم

ضربني وبكى وسبقني واشتكى
هذه الكلمات للأغنية الشهيرة تبين ان بعض الناس يرتكبون الخطأ ثم يتباكون ويسارعون للشكوى من ظلم المظلوم قبل أن يستطيع المظلوم توضيح شكواه. هذه الكلمات تنطبق على حال السيد نوري المالكي في تعامله مع مطالب المتظاهرين هذه الأيام. عندما يأس الناس من اصلاح الأوضاع وتبين ان وعود رئيس الوزراء بالمائة يوم لوضع القطار على السكة انما هو مطر صيف وكذب وخداع، خرجوا الى الشوارع لا يحملون الا الكلمة. لقد كان على المالكي منذ أول يوم استوزر به سنة 2010 ان يضع خطته للأربع سنوات ثم يجلب وزراءه واحداً تلو الآخر وفي التلفزيون وعلى رؤوس الأشهاد ويسأل نفسه أولاً باعتباره وزيرا للدفاع والداخلية والأمن ويسأل وزير النفط  ووزير الكهرباء ووزير المالية ووزير البلديات ووزير التجارة ووزير النقل ووزير المصالحة ووزير حقوق الأنسان ووزير الموارد المائية ووزير كذا وكذا متى سوف تتم وزاراتكم تلك الخطة الموضوعة؟ ثم يعطيهم كل التسهيلات والصلاحيات التي يستطيعون بموجبها ان ينفذوا ما وعدوا به. ولكنه خرج بنفسه قبل سنتين وقطع وعداً بتوفير الكهرباء بل وعد بتصديره الى دول الجوار وتوفير الماء الصالح والقضاء على الفساد والبطالة والفقر خلال خمسة عشر شهرا التي انقضت دون ان نرى شيئاً، وبذلك وعد بما لا يملك فجعل نفسه مسؤولاً على برنامج الحكومة كاملأ  وعليه تحمل المسؤولية التي وضعها على عاتقه. ولما لم ينفذ من هذه الوعود شيئاً بدأ يرمي الكرة على الوزراء والشركاء من الأحزاب الأخرى وتغاضى عن فساد ذوي القربى من حزبه وجيشه وائتلافه واقاربه.

سئم الناس الوعود فخرجوا مطالبين بحقوقهم بطريقة سلمية فاوحى الى جيشه بضرب المتظاهرين بالنار سنة 2011 واستشهد من استشهد وكان ذلك بسند من مرجعية النجف التي افتت كالمعتاد بان تلك المظاهرات من تنفيذ البعثيين والتكفيريين. ومما يؤسف له انه بعد سنتين من تلك المظاهرات لم يتظاهر اهلنا في الجنوب للمطالبة بحقوقهم وتنفيذ الوعود التي قطعها رئيس الوزراء على نفسه بسبب ضغط من المرجعيات الدينية. ولكن هذه المرة انتفض العراقيون في المحافظات الغربية بعد ان ذاقوا الأمرين من تصرفات جيش وشرطة المالكي وتأخير تخصيصات محافظاتهم ما يكفي للنهوض بواقع حال تلك المحافظات بل وتهميش اهالي تلك المناطق من الدخول في الجيش والشرطة والأمن أوالقبول في البعثات الدراسية والأختصاصات العالية في الجامعات بل والأستغناء عن خدمات الموجود منهم أصلاً في دوائر الدولة أن لم يبصموا بالعشرة بالطاعة له، وفي أحسن الأحوال اعتبر هؤلاء موظفون من الدرجة الثانية واجبروا في المحافظات المختلطة على لبس السواد واسمعوهم يومياً كلاما طائفيا مشينا في المدارس ودوائر الدولة وياويل لمن يعترض. والأدهى والأمَر هو عند حصول اي تفجير فأهالي تلك المناطق كلهم متهمون والتهم وأوامر القضاء جاهزة ويزج برجالهم ونسائهم في السجون دون اعطائهم الحق بتوكيل محامين للدفاع عنهم وفي كل الأحيان يعرّضون للتعذيب النفسي والجسدي وأحياناً لا يعرضون على القضاء. ومن يحالفه الحظ ويبرئه القضاء يساوموا أهله على دفع فدية عالية قبل تنفيذ قرار القاضي. المنظمات العالمية أدانت فساد الحكومة وأدانت قضاء الحكومة وأدانت والفقر والأمية كل هذا يحدث فكيف لا يطالب هؤلاء الناس بحقوقهم كمواطنين؟ اليس الظلم وقع عليهم، وعلى رئيس الوزراء تحمل المسؤولية لأنه رئيس السلطة التنفيذية. ولكن العجيب ان المالكي خرج في مقابلة تلفزيونية بعد أيام من المظاهرات ليوصم هؤلاء الناس بالبعث والقاعدة ووصفهم بالفقاعة التي ستختفي بعد حين وهددهم اما ان يذهبوا الى بيوتهم أو ينهيهم. ثم توالت ببغاواته على التلفزيون من أمثال حسن السنيد وكمال الساعدي وغيرهم فقالوا ان مطالب المتظاهرين كلها غير مشروعة جملة وتفصيلاً. ثم تراجعوا فقالوا ان بعض تلك المطالب مشروعة ولكن مسؤولية رئيس الوزراء فقط مطلبين اما الأحد عشر مطلب الأخرى فهي من أختصاص البرلمان والقضاء ومجالس المحافظات. أي ان مسؤولية السلطة التنفيذية من هذه المطالب هي فقط 15% كما ادعوا. وخرج ببغاوات السلطة مرة أخرى فقالوا ان المظاهرات مسيسة ومدفوعة من قبل شركاء العملية السياسية والأجندات الخارجية للضغط على رئيس الوزراء، ولكنهم عادوا فيما بعد وقالوا أن المتظاهرين لديهم ممثلين في البرلمان فلماذا لا يقدموا طلباتهم عن طريق اعضاء البرلمان. وهكذا تخبط رئيس الوزراء وزمرته وحيرونا والزمن يمشي والمتظاهرون في العراء تحت المطر والبرد. وبعد أعتراف حكومة المالكي بالخروقات والتهميش وقطع الرواتب وبعد أخراج قسم قليل من المسجونين وأحالة بعض المغدورين على التقاعد شنت الحكومة حملة أعلامية في التلفزيون بأن أكثر من 80% من مطالب المتظاهرين قد نفذها رئيس الوزراء ولجنته، فأين الثمانين من الخمسة عشر بالمائة ام انكم نسيتم مبادىء الحساب. وهذه بحد ذاتها إدانة للحكومة ببخس حقوق المواطنين ويجب أن يحاسبوا عليها في قضاء عادل. وبعد أكثر من شهرين والمتظاهرون يقولون أن النزر اليسير فقط قد نفذ.

في مقال سابق قلت ان رئيس الوزراء يستطيع تنفيذ كل مطالب المتظاهرين أما مباشرة أو عن طريق أعضاء تحالفه في البرلمان أن كان صادقاً.  ولكن الصدق ذهب في خبر كان في عراق اليوم والكذب أصبح سيد الموقف وسلاح السياسيين الأنتهازيين. وكلنا رأينا المظاهرات التي حشد لها رئيس الوزراء بالضد من مظاهرات المحافظات الغربية وشاهدنا كيف رفع أولئك المدفوعين لافتات تقول ” المالكي مختار العصر” في خطوة طائفية يراها حتى الطفل ولم يستنكرها المالكي نفسه بل أوعز لأحد المتطرفين بتأسيس جيش المختار ليكون له عوناً عند الشدة وفعلاً بدأوا بتهديد السنة في بغداد بمغادرة منازلهم والا فالقصاص قريب. ورداً على شعارات المالكي الطائفية ظهرت على الجهة الأخرى بعض الأصوات رفعت مطالب طائفية بعد أن رأت بأن المالكي أراد اللعبة أن تكون طائفية. لم يجتمع المالكي مع محافظي تلك المحافظات للنظر بمطالب مواطنيهم ولكنه ذهب الى البصرة للأجتماع مع محافظي بغداد والجنوب بدعوى مناقشة مطالب الجماهير هناك. يا سلام على الفهلوة أين كنت يا ريس وجماهير الجنوب طالبتك قبل سنتين في مظاهرات عمت كل المحافظات؟  ولكن ” اللي اختشوا ماتوا “.

إن الصفة الطائفية التي وصم بها المالكي المتظاهرين وباستخدام ماكنتة الأعلاميه المدفوعة من قوت الشعب قد بانت في المالكي وحزبه قبل غيره. المالكي يرمي الآخرين بالطائفية وهو مارس الطائفية قبلهم، المالكي يرمي الآخرين بالأرهاب وقد أرهب الناس من قبل. تكفي طائفية المالكي أنه رئيس حزب رفع شعار الطائفة أم أنه لا يدرك ذلك. اليس حزبه حزب ديني يخص طائفة واحدة ويدعوا الى تطبيق مبادىء تلك الطائفة على عموم البلاد والعباد؟ والا ماهو حزب الدعوة؟ تمنينا أن يغادر المالكي صفوف حزب الدعوة بعد ان أصبح رئيساً للوزراء ويشكل حزباً وطنياً حقيقياً لا أئتلافاً سماه بدولة القانون ودولته التي يحكمها هي بدون قانون. لقد كان حزب الدعوة وبقية الأحزاب الشيعية والمنضوين معهم أول من دعوا الى الطائفية قبل سنتين من تغيير النظام السابق عندما شكلوا أئتلافاً سموه البيت الشيعي. وتعكزوا على ظلم نظام البعث للشيعة، والكل يعرف ان ذلك النظام ضرب الأكراد وهم سنة وضرب أهل الأنبار وهم سنة وتوعدهم بقطع الماء عن مدنهم بعد مؤامرة محمد مظلوم الدليمي. فحزب البعث كان واضحاً يقطع كل يد تمس سلطته ووصل الحال الى قتل زوج إبنة الرئيس السابق بعد أن تمرد عليه، وهو لم يخص الشيعة بالمحاربة فاسطوانة مظلومية الشيعة كانت ولا زالت مشروخة وكل القتل الذي جرى كان بسبب التمرد على سلطة البعث ليس الا، فلم يقتل النظام السابق أحداً على الهوية الشيعية أو السنية ولم يقتل أحداً على الأسم وهذا ليس دفاعاً نظام عانينا منه وآذانا بل حقيقة يعرفها الجميع. سياسيوا الأحزاب الشيعية هم أول من رفعوا شعار الطائفية والآن يأتوا فيقولوا ان من يطالب بحقوقه هم طائفيون. قلنا أن أجهزة المالكي تعتبر جميع أهالي المناطق الغربية والسنة في بغداد والمحافظات الأخرى متهمون بالأرهاب والسبب معروف، طائفي بحت. ضربهم جيشه بالنار على هذا الأساس ولكنه بكى وقال هم ضربوني فدافعت عن نفسي. ثم سبق الناس الى التلفزيون واشتكى بأن السنة هم حاضنة الأرهاب والبعث يرسلون المفخخات الى المدن الشيعية فيجب القضاء عليهم ثم يأتينا هو ووكيل داخليته بكلام ناعم عن الأخوة وشركاء الوطن.  ماذا تركتم للأخوة والوطن من بعد الذي حصل؟ عملياً المالكي وضع اهل السنة بموضع المتهم حتى تثبت براءته بدلاً من أن المتهم بريء حتى تثبت ادانته. فحال المالكي وحزبه كحال الأغنية ” ضربني وبكى وسبقني واشتكى “، أو كحال قول الشاعر ” ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له … اياك اياك أن تبتل بالماء “. لسان حال المالكي يقول يا أهل السنة نبهذلكم ونقطع عنكم أرزاقكم ونسجنكم ونضربكم ونعذبكم ونغتصبكم ونقتلكم لأنكم متهمون، فان قلتم آآآآه من الألم فويل لكم أنكم طائفيون. الم يقولوا البادىء بالظلم أظلم.

أحدث المقالات