أثبت الشعب السوري البطل بأنه أشرس شعب عربي, أحفاد ابطال معركة ميسلون الخالدة التي فر منها ملك سوريا المنصب فيصل بن الحسين. وربما لولا معونة الناتو الغادر لسجل الشعب الليبي شراسة تحاكي شراسة عرب سوريا, وهاهم الليبيون اليوم يؤدبون الامبريالية الامريكية شر تأديب, ويقتلون السفير الامريكي وثلاثة من موظفيه على طريقة الغدر بالزعيم معمر القذافي.
تمتاز ثورة شعبنا العروبي السوري بأنها ستكون أطول ثورة شعبية في التأريخ , واعرض ثورة واقصد بالعرض بأنها تمتد من الشرق السوري الى غربه ومن شماله الى جنوبه . وهذا ما افتقرت اليه انتفاضتي تونس ومصر من عاملي الطول والعرض. فثورة 25 يناير المصرية كانت في دائرة ضيقة , ومحصورة من القاهرة الى الاسكندرية أي في منطقة الدلتا. بينما لم يعلم بها لا الصعيد المصري ولا غرب البلاد ولا جنوبه. وتم سرقتها بسهولة من قبل الاخوانجية والسلفيين, ولما تستمرطويلا.
همسة في أذن الشعب السوري المقدام , أياكم أن تمنحوا الاخوانجية ولا السلفيين ماحصدتموه في هذه الثورة وابعدوا اصحاب العمائم كل العمائم وبكل الوانهاعنكم والا أصبحتم صورة من عراق اليوم.
نعود الى سجلات الانتفاضات والثورات العراقية الزائفة. حتى ثورة العشرين فهي ضيقة المساحة تبناها عرب الفرات الاوسط وشيوخهم الابطال, وساندهم عرب دير الزورالاشاوس. أملا منهم بالانضمام الى العراق .ولولا مؤامرات الكولونياليتين البريطانية والفرنسية لكانت دير الزوراليوم جزءا من العراق.
وفي زمن النظام الملكي لم يسجل الشعب العراقي من بطولات اللهم الا أنتفاضة واحدة ووثبة واحدة بائستين. وغير ذلك فتأريخ العراق ” البطولي” باهر في أنتفاضات الفرهود. أبتداءا من فرهود عام 1948 الذي استهدف العوائل اليهودية في العراق, بتدبير مسبق من قبل الوكالة اليهودية العالمية. الى فرهود ما سمي بأكثر من تسمية فرهود صفحة الغدر والخيانة او ما أصطلح على تسميته من قبل الاخرين بالأنتفاضة الشعبانية. الى فرهود 2003 يوم غزت الامبريالية الامريكية والبريطانية الوطن, بتعاون لوجستي من قبل الجارتين الغادرتين مشيخة الكويت وايران. فما غنمه المحتل الامريكي او البريطاني والجارتين الحاقدتين ايران والمشيخة , يفوق ماغنمه الشعب العراقي في هذا الفرهود .
فرهود التسعينات من القرن المنصرم , حمل أكثر من اسم مرد ذلك عدم معرفة دواخل هذا الفرهود . في البدايات سمي بأنتفاضة الغوغاء . الا أن النظام السابق غير التسمية الى تسمية صفحة الغدر والخيانة ,مرد ذلك أن أكثر من عشرين ألف من عرب الاحواز يحاكون عرب ميسان والبصرة في السحنة واللهجة, دفع بهم النظام الايراني الى جنوب العراق وفراته الاوسط , عاثوا بالمحافظات العشر العراقية العربية تدميرا وشجعوا أبناء هذه المحافظات على نهب كل ماتملكه الدولة العراقية وقتذاك , مدفوعين بفتوى انها دولة ظالمة وكافرة , فكان فرهودا أكثر منه أنتفاضة خدم دولة الفرس بأمتياز. فسقط المئات من عرب العراق بينما هرب فلول النظام الايراني تاركين العراقين النجباء جرحى وقتلى. فكانت الشرارة الايرانية الاولى لتأديب شيعة العراق العروبيين, “عقابا” على ماقدموه من تضحيات في الحرب التي أججتها ايران على العراق مطلع عقد الثمانينات المنصرم.
ولعل فرهود 2003 أقسى فرهود في تأريخ العراق ,فهو فرهود أشترك به العراقيون أنفسهم , ولا أستثني منهم أحدا , تحت رايات أمراء الحرب السنة والشيعة والكرد. أحلوا كل شيئ محرم فكان أصحاب العمائم الخضراء والسوداء والبيضاء والكلكلي شركاء في هذا النهب الذي لم يتوقف حتى الساعة من كتابة مقالتي هذه.
العراقيون تجرؤا وعلى أستحياء ووجل من تقليد ثورات تونس ومصر يوم أحتشدوا في ساحة التحرير بتاريخ 25 شباط من عام 2011 . وقد كتبت سلسلة مقالات نشرت جميعها على موقع “كتابات” ساندت فيها تظاهرات 25 شبط , كأي عراقي كان يطمح على الاطاحة بنظام طائفي اقامه المحتلون على ارض الوطن. الا ان الايام كشفت ليّ ولكثير من المتوجعين من العراقيين , أستحالة أن ينتفض شعبنا كما أنتفض أهلينا عرب تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا. ما حدا بي أن أكفر بهذا الشعب وأكتب مقالتي التوديعية لتظاهراته الوجلة الخجولة حبيسة ساحة التحرير لاغيرها. تحت عنوان ” أعلن توقفي عن مساندة “جمع ” شباب العراق ” مشربة بالحزن والوجع قائلا فيها ” منذ الان ومن موقع “كتابات” التي نشرت فيها مقالات التأييد لجمع شباب العراق , اعلن توقفي عن كتابة كلمة واحدة بحق هذه التظاهرات لاحقا . بعد الموقف الذي أستفزني , وانا اشاهد نوري المالكي يوجه الاتهامات تلو الاتهامات الى طلبة جامعة بابل , ومن داخل الحرم الجامعي وامام حشد كبير من طلبتها , كان هذا المنظر المهين بحق طلبتنا واتهامهم بأنهم عناصر مخربة يحركهم البعث السابق . ولم ألحظ او اسمع طالبا انتفض من مكانه ليرد ولو بأستحياء على كرزاي العراق . فما كان منى الا واستذكرت موقف طالب مصري في عنفوان شبابه , يواجه الرئيس المصري انور السادات , عقب الانتفاضة الشعبية ضد غلاء الاسعار و الغاء الدعم عام 1977 والتي سماها السادات وقتذاك بأنتفاضة الحرامية . ما دعا السادات بهدف امتصاص حالة الغضب الشعبي بعقد مجموعة من اللقاءات المباشرة مع فئات مختلفة من المجتمع، وفي هذا الإطار جاء لقائه الشهير مع اتحاد طلاب مصر والذي قاد فيه هذا الطالب المواجهة مع السادات، فقد تحدث فيه بوضوح عن انتقاداته لسياسات السادات الاقتصادية والفساد الحكومي المستشري بالإضافة لموقف السادات من قضية العلاقات مع العدو الصهيوني في أعقاب حرب أكتوبر. كان هذا الشاب في تلك المواجهة صلبا شجاعا جريئا أمام رئيس الجمهورية وقتها. فما كان من السادات الا وصرخ معربدا ” انت بتكلم رئيس الجمهورية ياولد”.
يومها ازدادت شعبية هذا الطالب البطل واحترامه في أعقاب ذلك اللقاء الذي دفع ثمن موقفه فيه لاحقا. لمن لايعرف من هو هذا الطالب الشاب أقول لهم , انه “حمدين صباحي” .. يومها لم يكن سقوط بغداد في نيسان / أبريل 2003 مجرد يوما حزينا ومريرا علي الشعب المصري فحسب, بل كان ناقوس خطر يؤكد بأن حرية الوطن مرهونة بحرية المواطن . وأن دعم المقاومة ضد الاحتلال يبدأ بتحرير مصر من نظام حكم مستبد وسياساته المستمرة في نهب وافقار وقمع وتهميش الشعب المصري منذ مايزيد علي 30 عاما. كانت تلك القناعات تتأكد يوما بعد يوم وعلي مر الأعوام حتي ازدادت رسوخا لدي قطاعات واسعة من نخبة الحركة الوطنية المصرية وأصبح من الضروري صياغة ” حركة وطنية شعبية” تناضل من أجل التغيير، ومن هنا كان ميلاد “حركة كفاية” التي تأسست مع غروب عام 2004 وكان حمدين صباحي واحدا من مؤسسيها وقادتها. لعبت “حركة كفاية” دورا هاما ومحوريا في كسر حاجز الخوف وتجاوز الخطوط الحمراء في الكثير من قضايا الوطن، وجاء ذلك متسقا تماما مع أفكار حمدين صباحي ورفاقه وطموحاتهم فلعبوا دورا قياديا ومؤثرا في حركة كفاية. وما ان هل عام 2005 حتى اصبح هذا العام, عام الحراك السياسي في مصر من أجل التغيير، ومع ازدياد الضغوط الداخلية والخارجية علي النظام المصري كانت مفاجأة تعديل الدستور بالشكل الذي بدا وكأنه قد فصل خصيصا ليتناسب مع سطوة النظام واستمراره، فكان حمدين صباحي واحدا من القيادات الوطنية التي هبت رافضة تلك التعديلات، وتصاعدت موجة المعارضة للنظام وسياسات التمديد والتوريث، كما تصاعدت موجات معارضة من قطاعات جديدة في العمل السياسي كأساتذة الجامعات والقضاة والمهندسين والصيادلة وغيرهم.. وكان حمدين دائما في قلب كل ذلك الحراك متفاعلا مع انتفاضة القضاة وداعما لمطالبهم بالاستقلال خاصة بعد دورهم في فضح التزوير الذي حدث في لجان الانتخابات البرلمانية عام 2005 التي خاضها حمدين صباحي في إطار القائمة الوطنية لمرشحي التغيير، وجاءت تلك الانتخابات واحدة من أهم معارك حمدين صباحي الباسلة التي ضرب فيها أهالي دائرته نموذجا للمقاومة المدنية السلمية ضد ممارسات النظام القمعية لإسقاط صباحي فابتكر الأهالي أساليب بسيطة لتجاوز حصار الشرطة للجان الانتخاب، وسهروا علي حراسة صناديق الانتخابات، وكانت مأساة تلك الانتخابات سقوط الشهيد جمعة الزفتاوي برصاص الشرطة المصرية بالإضافة إلي عشرات الجرحي الذين أصيبوا دفاعا عن حقهم في الحفاظ علي مقعد برلماني ينحاز لمصالحهم ويعبر عنهم.
بفضل أستشهاد جمعة الزفتاوي واستبسال أهالي بلطيم والبرلس والحامول انتصر حمدين صباحي في تلك المعركة بل انتصر أهالي بلطيم والبرلس والحامول في فرض إرادتهم للمرة الثانية فكان نائبهم في مجلس الشعب للدورة من 2005 – 2010 هو حمدين صباحي.
هذا هو الطالب الشجاع الذي كان تحديه للحاكم انور السادات البداية , لخلق مناضل عنيد . هو اليوم من اشهر المرشحين لمقعد رئاسة الجمهورية في مصر, بعد ان لعب ايضا دورا بارزا في ثورة 25 يناير البطلة التي خلعت الطاغية محمد حسني مبارك.
أذ استذكر وقفة طلبة جامعة بابل , أنما مرده ان كاتبة عراقية في الغربة , كتبت لي رسالة ترد على مقالاتي التي ساندت بها وقفات “الجمع ” قائلة لي بأن شعبنا ليس مهيأ بعد لتظاهرات شبيهة بتظاهرات باقي الشعوب العربية . وانه بحاجة لفترة قد تمتد عشر سنوات حتى ينضج . اقسم بأني أنزعجت ايما انزعاج فأرسلت لها مقالتين من مقالاتي المنشورة على موقع ” كتابات” لعلها تقتنع وهما :
الاولى : متظاهرو تونس ومصر واجهوا طاغية ومتظاهرونا بمواجهة طغاة لاحصر لهم الثانية : أنتفاضة الشعب التونسي هل بمقدورنا محاكاتها ؟
أما الان وبعد وقفة طلبة جامعة بابل الوجلة والخجولة, أؤيد الكاتبة العراقية الصادقة في كل ماقالته في رسالتها. الا ان هذا لايعني ان اتوقف عن محاربة النظام العراقي الفاسد في كل مفاصل حياته . ولكن توقفي فقط سيشمل وقفات الجمع لاحقا”. .
القاهرة
[email protected]