ـ يشكل التصدي لإشكالية الاستقرار السياسي لبلد مضطرب مثل العراق.. تحديا لكل باحث في مستقبل العراق.. خاصة للمختصين بتاريخ العراق المعاصر.
ـ الأهم من ذلك أن يمتلك المرء حساً استراتيجيا مؤسساً على نظرة تكاملية للإشكالية.. وفي الكتابة بشكل مهني وواقعي وعلمي.
ـ تميزت البيئة العراقية.. وما زالت بعنصر القسر والعنف لم تعرفه المدنيات القديمة ولا الجديدة.. فدجلة والفرات يفيضان على غير انتظار أو انتظام فيحطمان سدود الإنسان ويغرقان مزارعه عمود الحياة.
ـ لا تتوقف الحالة على الطبيعة فحسب.. رياح لاهبة تخنق المرء بغبارها وأمطارها عاتية تحول الصلب من الأرض إلى بحر من الطين.. وتسلب الإنسان حرية الحركة.. بل على مجمل الحياة في العراق وعلى طول الحقب التاريخية.
ـ كما أن ألا وعي الجمعي للعراقيين.. وحتى حالة الوعي الجمعي قد أعدهم للتعامل مع عدم الاستقرار طوال تاريخهم المشحون بالعنف.. وجعلهم يتعاملون مع الدولة والحاكم.. بوصفه جزء من الآلهة.. أو مجرمين يحكمونهم.. في كل العهود.
ـ ومنذ العهد العثماني فقدً العراقيون كل شيء حسن.. وأصبح الخوف والتوجس من كل حاكم مرتبطا شرطياً في أذهانهم بعدم الاستقرار.. كما إن التخلف لازم العراق حتى في أوج عصره الذهبي.
ـ إن تاريخنا السياسي المعاصر خيمً عليه شبح الدكتاتوريات العسكرية حتى نيسان 2003.. فالعراق أول بلد في الشرق الاوسط يحدث فيه انقلاب عسكري.. ويقود السلطة الفعلية في البلاد.. انقلاب بكر صدقي ـ (1936).
ـ وجاءت سلسلة من الدساتير المؤقتة سرعان ما كانت تُركنُ على الرف لتمثل وضعاً مؤقتاً مشؤوماً.
ـ وحتى قانون إدارة الدولة بعد الغزو الأمريكي (2003).. لم يحمل الصفة المشؤومة (مؤقت).. بل أطلقت عليه صفة (انتقالي).. وليس (مؤقت) لتحاشي الانطباع القائم للمؤقت.
ـ حتى إن أحد المتحدثين باسم أحد أعضاء مجلس الحكم يتشنج بانفعال عندما تمت الإشارة إلى مجلس الحكم بصفة المؤقت.. وطالب بإسباغ صفة الانتقالي على المجلس بدلاً من المؤقت.
ـ كأن هذه الكلمة شتيمة وعار ينبغي أن لا تقترن بأي مؤسسة أو وثيقة رسمية.. ومنذ 2004 حتى اليوم والى ما شاء الله لن نعرف الاستقرار يوماً واحداً!!
لكن السؤال الملح:
ـ هل حقا نحن بحاجة لدولة مؤهلة لضبط حدود الحريات والحقوق.. وتوازن المصالح في مناخ يتسم بالأمن الجماعي.. والاستقرار السياسي والاجتماعي.
ـ وهل حقاً نحن بحاجة.. ونرنو.. لأمن حقيقي.. وتنمية مستدامة.. وإنهاء حالة العنف.. والحاكم المستبد.. أو الحاكم المقدس ؟.
ـ وهل حقا نحن بحاجة لدولة مدنية قائمة على المواطنة.. بلا عشائرية.. وبلا “أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً”.. وبلا تقبيل يد (السيد.. والحاكم الظالم.. أو حتى الحاكم الديمقراطي).. أو الانحناء له ؟.
ـ وهل حقا نحن بحاجة لحاكم “خادم الشعب”.. يطبق القانون على نفسه.. وأسرته.. وعشيرته.. وخدمه.. وحمايته ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ..ولن نرفعه للسماء.. ونجعل منه أوحداً .. أو خط أحمر.. أو مقدس ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟.
ـ وقد يكون هو حاكم اعتيادي.. عمل بشكل جيد.. وليس بلا اخطاء.. كما هو الحال بعبد الكريم قاسم.. وضعنا صورته بالقمر.. حتى الرجل نفسه اخذ ينظر الى القمر هل حقا صورته فيه!! وصورته طلعت في بيضة الدجاجة… وأخذ البعض يأتي لوزارة الدفاع وبيده بيضة فيها مرسوم بها صورة (الزعيم) ويقسم بأغلظ الايمان ان دجاجته وضعت هذه البيضة هكذا!!!!!!
ـ تغيرت الاحول.. وأصبحت المطالب والأمنيات عسيرة.. لكن لو تحققت.. لرفضناها.. وقلنا هذا حاكم ضعيف.. أو نتهمه أي اتهام آخر.. ونعمل على استبداله أو إقالته!!.أو السكوت عند الانقلاب عليه!!..
ـ الأمثلة كثيرة أمامنا: (نوري السعيد.. عبد الرحمن البزاز.. عبد الرحمن محمد عارف.. ناجي طالب.. وأخيراً حيدر العبادي)!! بل حتى لم نذكرهم بخير.. (أرجو ان لا تنشغلوا بهذه الأسماء قد نختلف عليها).. لكن ليست هي موضوعنا.
ـ الاستقرار في المفهوم العام في العقلية العراقية ليس الدولة المدنية.. والحريات والحقوق والواجبات.. بل في غالبية تفكيرنا قائم على حاكم قوي!! يحمل بيده السوط أو الرشاشة.. ويلغي كل حقوقنا.
ـ أو نريده قوياً جداً.. يحقق مصالح الشعب.. التي نختلف جميعنا عليها.
ـ فما زلنا نعتبر الاستقرار في ظل نظام صدام الذي أخذ طابعاً بوليسياً مقيتاً.. هو الاستقرار الحقيقي.
ـ وبعد إن انهارت القشرة الرقيقة لهذا الاستقرار المؤسس على توفير الأمن الكاذب.. لم يفعل غزو الولايات المتحدة للعراق شيئاً لاستعادة الاستقرار أو لتوفيره.. بل نعيش اليوم بلا دولة.. بلا أمن.. بلا تنمية.. بلا قانون.. بلا ابسط الخدمات!!!!!!!!!!!!!!
تاريخ.. ألا استقرار في العراق:
ـ سوف لا نتعمق بسبر غور التاريخ العراقي.. ودراسة ألا استقرار في العراق.. سواء قبل الإسلام أو خلال العهد الإسلامي.. أو خلال عهديه الأموي والعباسي.. أو بعد أن أصبح اًلعراق جزءاً من إمبراطوريات عديدة.. يحكمه حتى العبيد!!
ـ ف (ألا استقرار) لازم العراق في كل تلك العهود.. بل سنقتصر على دراسة مكثفة جداً عن العراق المعاصر.. ونمهد له بدراسة: (ألا استقرار في العهد العثماني).
ـ لم يشهد العراق في العهد العثماني ألاستقرار.. فالولايات الثلاثة (بغداد.. والموصل.. والبصرة).. كانت تعيش ظروف تخلف بشكل كبير في مختلف أوجه الحياة..
ـ وغياب التعليم.. والصحة.. والسدود.. والمشاريع العمرانية.. والزراعة كانت بدائية.. والضرائب الكبيرة المفروضة على الزراعة والمواطن.
ـ والفيضانات المستمرة.. لعدم وجود سدود وخزانات لمياه الفيضانات.. والأمراض والأوبئة بلا علاج لها.. كل ذلك جعل البلد في حالة من ألا استقرار.
ـ إضافة الى ثورات العشائر.. وثورات في بغداد بشكل خاص.
ـ شكلت الحرب العالمية الأولى فترة ألا استقرار الحقيقي والواقعي.. ونفير عام.. وحرب بين القوات العثمانية والقوات البريطانية.. فشارك العراقيون في تلك الحرب سواء بإرادتهم أم بالإجبار.
ـ بعد قيام ثورة العشرين: (1920)على المحتل البريطاني.. عمً ألا استقرار كل العراق.. ليتوقف مؤقتاً.. عند اختيار فيصل بن الشريف حسين ملكاً على العراق.
ـ وجاءت الاتفاقية البريطانية ـ العراقية منذ العام 1925 لتخلق حالة من عدم الاستقرار لرفض العراقيين القبول بها.. وفرضت عليهم بالقوة.
ـ استمرت المعارضة وثورات العشائر في العراق.. بل واستثمرت بشكل سيء أو طائفي أو قومي.. من قبل بعض رؤساء الوزارات لتصفية معارضيهم.. خاصة (في العهد الملكي من قبل رؤساء الوزارات: عبد المحسن السعدون.. وياسين الهاشمي.. وبكر صدقي.. ورشيد عالي الكيلاني.
ـ في العهد الجمهوري.. في عهد عبد الكريم قاسم عمت الفوضى وألا استقرار.. برغم ما قدمه هذا الحكم من منجزات كبيرة وتحقيق اقتصاد قوي.. لكن حالة عدم الاستقرار كانت تتناسب طرديا مع ازدياد الانجازات للعراق وللشعب!!
ـ في حكم البعث الأول 1963.. والثاني للبعث 1968.. كانت التصفية الجماعية للشيعة والكورد الفيليين.. والأكراد في كردستان في عهد البكر وصدام.. وخلال الحرب العراقية ـ الإيرانية.. التي استمرت ثمان سنوات لم يبقى رجالا حتى المريض القلب عسكريا.. وفي جبها القتال!! بل حتى الفتوة لبست العسكري!!
ـ ليتبعها احتلال الكويت (آب 1990).. وما آلت عليه من حرب عالمية على العراق وجيشه في الكويت.. وسحق وتدمير هذا الجيش.. ومن ثم تدمير الجنوب العراقي وسحق شعبه.. الجنوب.. وحصار اقتصادي شامل وظالم على العراق مدة 13 سنة!!
ـ استمرت ظروف ألا استقرار بعد 2003 حتى اليوم وسوف تستمر.. من قبل كل الحكام والمسؤولين الشيعة والسنة والأكراد.. لترتكب اكبر جريمة بحق العراق (الحرب الطائفية.. وما تبعها من احتلال داعش للمحافظات العراقية الغربية.
ـ وما زال ألا استقرار قائم.. ولم تخفت حتى بأحسن الاحوال حتى ألان).
ـ على المدى القريب ليس هناك حلولاً حقيقية لحالة ألا استقرار في العراق.. يمكن القول على مدى 15ـ 20 سنة المقبلة.. تبدأ تتحقق مرحلة الهدوء السياسي في العراق.. وتبدأ بعد إعادة النظر في الدستور والقوانين بما يلبي حالة الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.. وقيام نظام سياسي حقيقي.. وإنهاء لمراحل التخلف.. والفساد.. وفرض إرادات الآخرين على المجتمع.
ـ فالتهيئة والإعداد لمرحلة الهدوء كمرحلة للاستقرار.. لابد من إعادة كتابة دستور ديمقراطي ومدني حقيقي.. قائم على المواطنة.. يساوي حقا بين العراقيين.. وبين الرجل والمرأة.. وينهي تعدد القوانين.. وتطبق على العراقيين.. القوانين المدنية بلا استثناء.. وليس غيرها.
ـ إنهاء عسكرة المجتمع والعشائرية.. ولا قوة غير جيش واحد.. وشرطة وطنية واحدة.. بمسمى واحد وليس أكثر من مسمى!!
ـ السؤال الاهم: هل من معالجات لوضع ألا استقرار؟؟؟؟؟؟؟؟؟..
ـ الجواب لن يكون هناك استقرار حتى لو جرت الانتخابات النيابية المرتقبة!! .. فسوف تزداد المعارك والا استقرارا بين الجيل القديم من المسؤولين الذين نهبوا العراق.. وبين المسؤولين الجدد الذين لن يكون غالبيتهم سوى حكام دكتاتوريين باسم الوطنية والمدنية!!
ـ لا يكن القول إن هناك معالجات حقيقية لحالة ألا استقرار في كل الحقب التاريخية التي مرً بها العراق.. فكانت السلطة نفسها أو جزءاً من قيادتها طائفية أصلاً.. أو عنصرية مقيتة.. وهي: تحاول فرض عنصريتها وطائفيتها على كل الشعب.. فهي أصلا تريد فرض الاستقرار بأدوات ألا استقرار.. وهذا مستحيل.
ـ الحاكم.. خادم الشعب.. ويأتي عبر صناديق الاقتراح.. بانتخابات نزيهة.. ولدورة واحدة فقط.. لا حمايات لممثلي الشعب.. ولا للوزراء.. ولا للوكلاء.. ولا للكتل سياسية.. الكل تخضع للقانون.. لا صور.. ولا جداريات لأي كان.. ومهما كان.. لا غطاء ديني لأية فعالية سياسية أبداً.. لا رواتب لممثلي الشعب ولا تقاعد ولا سيارات ولا حمايات.. سوى مخصصات اعتيادية للأربع سنوات فقط.
ـ لا حصانة برلمانية لممثل الشعب امام القضاء بأية تهمة كانت!!!!