23 ديسمبر، 2024 5:46 ص

الايزيديون .. وإعادة الثقة

الايزيديون .. وإعادة الثقة

كيف يستطيع الايزيدون والمسيحيون العودة من جديد الى مناطقهم ؟ كيف يثقون بنظامهم السياسي الذي أصبح غير قادر على حماية نفسه ؟ كيف يثقون بشركائهم في الوطن الذين تلثم بعض ابناءه وآخذ يحمل السلاح ويسرق ممتلكاتهم ويقتلهم ؟ وكيف يستطيعون العودة من جديد الى المجتمع وممارسة حياتهم اليومية ؟
تنظيم داعش الارهابي وحسب ما تناقلته وسائل الاعلام أعدم 70 مواطنا ايزيديا رفضوا اعلان اسلامهم والسبب يعود الى تمسك ابناء الديانة الايزيدية بدينهم ، وهم يملكون الحق كاملا في تمسكم مثل تمسك المسلمين ، الاكراه قد يحقق نتائج مرحلية لكنه يحقق في الوقت نفسه كراهية وعجزا اجتماعيا .      
صحيح أن الازمة في المدن التي انهار فيها الامن لم تستهدف المكونات بل استهدفت الجميع “سنة الموصل والتركمان والشبك والايزيديون والمسيحيون ” لكن الازمة في العمق تهدد ابناء الديانات غير المسلمة ، لكون المواطنين المسلمين المعتدلين يعيشون اغترابا في دولة يهيمن عليها الصراخ الطائفي والتناحر كيف الامر اذن بالنسبة لابناء الديانات الآخرى .      
المشكلة الاكبر والاخطر في أزمة الارهاب التي تضرب المدن العراقية تكمن في سقوط المناطق التي يسكنها الايزيديون والمسيحيون بيد عناصر التنظيمات الارهابية ، المواطنون المسلمون المعتدلون في الدولة يشعرون بخطر كبير من التنظيمات الارهابية والعناصر المسلحة التي تتحرك في اطار من القداسة المزيفة ، ترى كيف يشعر ابناء المكونات غير الاسلامية من المكون الاكبر ؟ صحيح أن الجرائم التي ترتكبها عناصر داعش لاتعني تورط المجتمع الإسلامي كاملا بازمة العنف ، لكن ما الذي فعلته الدولة والمحكومة وقوى سياسية اسلامية من اجل مساعدة النازحين المسلمين ، وما الذي فعلته الدولة لمساعدة النازحين من غير المسلمين ؟
الايزيديون والمسيحيون اليوم في قبضة زمرة مستهترة بكل القيم الانسانية لاتنظر لهم بوصفهم مواطنين يملكون حق العيش مثلما لم تنظر القوى السياسية الى بعضها بوصفها قوى تشترك بالعيش في هذا الوطن ولها الحق في ممارسة العمل السياسي والتعبير عن الرأي والمعارضة .
القضاء على التنوع يعني القضاء على مشروع الدولة ، أزمة التهجير التي شهدها العراق في سنوات 2006 ـ2009 لاتزال اثارها حاضرة حتى اللحظة ، لم يتمكن الشعية الذين تم تهجيرهم من المناطق السنية في العودة الى منازلهم والعكس ايضا ، ليس بسبب عدم تحقيق الامن الذي لم يتحقق بشكل فعلي، بل الامر يعد نتيجة مباشرة للشرخ الاجتماعي والتمزق العرقي الطائفي ، لذا ينكل الجميع بالجميع في حرب اجتماعية سياسية لن نتخلص من اثارها اذا استمرت القوى الممسكة بالسلطة في نهجها التدميري .
الايام بعد العاشر من حزيران تكشف عن حقيقة خطرة تكمن في استفادة التنظيمات الارهابية من الصراع السياسي بين القوى لتحقيق انتصارات على الارض ، حيث لم تشهد الايام منذ العاشر من حزيران أية حوارات بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كوردستان والحكومات المحلية من اجل تنسيق الجهود لمواجهة خطر عناصر داعش الارهابي ، بل أصبحت هذه العناصر تتمد على حساب الدولة لتستهدف المناطق التركمانية ومن ثم لتنتقل نحو تهجير وقتل المسيحيين وبعد ذلك تمكنت من استباحة القرى التي يسكنها الآيزيديون ، خارطة تحرك العناصر الارهابية تكشف عن تحرك منظم أكثر من مؤسسات الدولة العسكرية والسياسية .
أزمة التهجير والنزوح التي تشهدها المدن خارج سلطة الحكومة الاتحادية قد تنتج أزمة تهجير كبرى لكن هذه المرة ليست للمسيحيين والايزيديين والتركمان بل سوف نتحول الى لاجئين في دول الجوار في أوضاع مشابهة لما يحدث في سوريا اذا استمرت السياسات الحكومية بهذا المستوى من التعاطي غير المسؤول وعجزت القوى السياسية في اقليم كوردستان والمحافظات والقوى السنية من التوصل الى اتفاق لايجاد معالجات لدولة تقسمت على أرض الواقع لكن من دون قرار سياسي .