يستحوذ العاشر من محرم عادة، على أهتمام الناس والباحثين والدارسين لتأريخ الدولة الاسلامية، اذ يُخيل للقارئ ان بؤرة الزخم للتأريخ العربي والاسلامي، تلخصت في يوم عاشوراء، وماعدأها من حروب وفتوح وأحداث على هامش الأهمية مقارنة بهذه الواقعة، لسبب واحد وبسيط لخلود القضية، ومقاومتها عوامل التعرية الفكري الذي مارسه، اعداء آل البيت، لسنا بصدد الوقوف على الاعجاز التأريخي لتلك الحادثة، بقدر التنوير على مواضع النكسة التي حدثت في مسيرة التأريخ الاسلامي في ذلك العصر، وكيفية التعاطي المجتمعي، والارتدادات التي ظهرت فيما بعد، لأنها شكلت نقطة تحول لما قبلها وما بعدها.
تُخلف ثورة البركان وراءها تربة خصبة وصالحة للزراعة، كذلك فأن الانعطافة التأريخية تغير من مجرى التدفق الزمني الرتيب، و تكون أشبه بصعقة كهربائية منشطة.
لهذا كان لعاشوراء وقع عنيف وصدمة قوية لذهنية المجتمع الاسلامي أنذاك، لأنها تمثل انقلاب عسكري تقوده السلطة الحاكمة على الدين والعقيدة المحمدية الحنيفة، اكثر ما كان يُفزع في الامر، ان الاسلام مازال فتي، طري العود لم يبلغ السبعين عاماً، مازال بطور النمو، اذا ما قيس بعمر الامم والاديان الاخرى.
ان الماكنة الأعلامية أنذاك قادت عملية تجريف فكري للعقول والاذهان وحرف الانظار عن مفهوم (قدسية الرسول محمد صل الله عليه وآله وسلم) وتقليص مساحة الاحترام حتى انتهى الأمر الى التطاول على آل البيت بالضرب والشتم!
ان في صمود الركب الحسيني بعد العاشر من محرم وهو في طريقه من العراق الى الشام، دروس وعبر بل هي مدرسة لها خطة اولية قريبة، تمثلت بسقوط الدولة الاموية ومنهج ستراتيجي بعيد المدى، يتمثل بخلود القضية الحسينية الى يومنا هذا، فهي تطبيق عملي لمسيرة الانبياء، بعيداً عن التنظير والتسطير، هي قارورة التفاعل للأفكار الثورية، جعلت من كل الاحداث الاخرى تبدو باهتة لا لون لها امام حمرة كربلاء.
بعد الواقعة العاشورائية الحزينة، كان لدخول السيدة زينب على مجلس يزيد في الاول من صفر ، وهي مقيدة اثر اخر على النفوس، بعيداً عن الجانب السياسي القائم أنذاك، يجب دراسة هذا المشهد من اربع زوايا، الاولى انها أمراة والطبيعة تحتم ان تكون خجلة لا تقوى على الحديث في مجلس الرجال، الزاوية الثانية؛ انها مسبية وجاءت تسير مشياً من العراق الى الشام، لا نستطيع تقدير حجم التعب والألم اليوم ونحن نتجول بين مدينة وأخرى بوسائل نقل حديثة، الزاوية الرابعة لم يكن شعور التعب من أجهد قواها بل الاحساس بالحزن والكرب، هو ما زاد من معاناتها فهي من شهدت مقتل اولادها واخوانها، وكل من تتقوى وتحتمي بظله فلم تُعطى فرصة للحزن، ولم تسمح للحزن ان يغزوها، لأنها كانت على دراية تامة انها قائدة المعركة بعد الحسين عليه السلام، وليس أمامها الأ القتال والأنتصار وهي تقود ركب من النساء والاطفال!
قد يُخيل للبعض ان شخصية السيدة زينب عليها السلام، كانت شخصية منغلقة، لا تستطيع مجابهة العالم الخارجي، كونها لم تتعامل مع الناس بصورة مباشرة في عهد الصبا والشباب، المتوقع منها ان تكون منكسرة، غير متزنة، لا تستطيع ان تتمالك نفسها، في حين كانت هي الأشد رباطة للجأش، والأجدر بأدارة وقيادة العيال، فقد صورت الآباء والمنعة والشموخ، ورفض الانكسار والضعف بدخولهم لمجلس يزيد.
أما السيدة زينب عليها السلام فقد احترفت في تطوير قدرات النساء في عصرها، اذ جسدت مثال حي للمراة القوية، وصارت أنموذج مثالي وقيمة عليا، لصمود النساء، معيار لقدرتهن على التحمل!
كأن لسان حالها يقول، ان المصائب على فداحتها وعظم وقعها، الا انها ليست مبرر للجزع، او الاعتراض على حكم الله سبحانه، او الاستهانه بالحجاب او الستر.
بل العكس جعلت من الحزن سبب ليكثف الانسان قوته، ويلملم شتاته، ويرمم صدع روحه، فهو يرفع سقف التحدي، وبالمقابل ترتفع معه قابلية الانسان على مواجهة تلك الصعاب، ونقصد به الانسان المؤمن القوي، لأنه خير وأحب الى الله من المؤمن الضعيف.
انها ثقافة حماسية تنبذ الضعف والاستضعاف، بكل صوره واشكاله وتزرع القوة في النفوس