يوما بعد يوم احبس أنفاسي واقبض على قلمي .. والألم يعتصر قلبي , وأعيش بين نارين , كيف اكتب عن الانهيار التام الذي وصلت أليه قواتنا المسلحة المتمثلة بوزارة الدفاع والأجهزة الأمنية , الواجب الشرعي والإنساني يستدعي أن نتكلم بصراحة .حتى لو أدى ذلك بنا إلى الموت .لم يعد يجدي السكوت نفعا عن الأوضاع العسكرية في جبهات القتال مع داعش ..لا بد من توضيح الحقيقة المرة التي يعرفها اغلب أبناء الشعب العراقي ولكن لا يجرؤ احد أن يقول الحقيقة …
نحن ورثنا قادة جيش ممزقين مثقلين بعدد كبير من الهزائم , لنا خبرة ميدانية حين نكتب , لأننا عايشنا موقعيا عددا من المصائب التي حلت بالجيش في الحرب العراقية الإيرانية , لم تنفع الأنواط التي علقها صدام على صدور الضباط والجنود يومذاك ولم ينفع الدعم الخليجي والدولي لحكومة صدام , يقابله الحصار العالمي لإيران , غير إننا شاهدنا بأعيننا وعايشنا ضباط ركن برتب عاليه يتركون مواقعهم ويهربون مع الهاربين في تلك الحرب الملعونة ,مع أول طلقة في الهجوم ..هذه ليست من الأسرار العسكرية وأنا اكشفها , ولا جلد للذات العراقية أو حربا أو إشاعةً ضد الجيش . فنحن مع جيشنا نحبه ونسانده وندعمه , ولكن الحقيقة لا بد أن نعترف بها ..أن نصرخ بوجه المنافقين الإعلاميين الذين ينفخون بجراب مثقوب .نقول للناطقين الإعلاميين كفى كذبا وضحكا على الشعب المسكين اللذين قتلتم أبناءه في سبايكر والصقلاوية والضلوعية … الآن تقرئون مقالي وتتذكرون . جميع من كان في الجيش يتذكر قول يبرر الانهزام في حرب ثماني سنوات بعنوان { زوج اللي يموت } وهو تبرير الهرب كي لا نموت ..
أما في حرب الخليج مع أمريكا وتحرير الكويت , كلنا نتذكر إن الجيش العراقي بقادته وضباطه وجنوده , انهزموا وتركوا مواقعهم بمجرد سمحت الولايات المتحدة له بنسبة ضئيلة من وقف القصف الجوي , رافقه بيان صدام بالانسحاب . ذلك الانسحاب المخزي لتاريخ الجيش حين ترك الجنود والضباط والأمراء والأركان أسلحتهم ومعداتهم التي انتشرت من حفر الباطن إلى سفوان ..
وقبل ثلاثة أشهر ظهر القادة العسكريون في قيادة الجيش والشرطة في ثلاث محافظات هي الموصل وكركوك وصلاح الدين , ظهروا على حقيقتهم حين هرب عبود كمبر وعلي ضيدان ومهدي الغراوي ومئات الضباط والأمراء .. معهم المحافظ اثيل النجيفي , وتركوا الشعب والجنود والآليات هدية لداعش , باعوا العراق .. باعوا وطنيتهم وشعبهم وانتماءهم وتاريخهم , باعوا الجيش بما فيه وما يمتلك .. , ولا زالت تداعيات تلك الهزيمة المرة التي هي أسوء من هزيمة حزيران 67 مع إسرائيل , هزيمة أهدت لنا موقفا عسكريا مكللا بالنصر .. نصر عسكري لحكومة وجيش أهدى للشعب الذي دعمه مذابح جماعية لا مثيل لها بتاريخ الشرف العسكري , ولم نسمع بمثلها في جيوش التخاذل بالعالم قديما وحديثا …
بعد كل الذي حدث ببركة ضباط الجيش الانهزاميين , ظهرت في الوسط العراقي فتوى من سماحة المرجع الأعلى آية الله السيد علي السيستاني , فتوى قلبت موازين القوى لصالح الجيش والأجهزة الأمنية , حين هب الشعب للتطوع والقتال في جبهات القتال التي حققها قادة الموصل وكركوك وصلاح الدين ..لولا تلك الفتوى لوصل الانهيار إلى الفاو .. !!
غير إن الذي حدث مؤخرا في الجيش.. ظهرت نزعة العناد وعدم التعاون مع الحشد الشعبي , رغم إن المتطوعين يتصدون الآن في مقدمة الجبهات , ويقف الجيش بضباطه وقادته وأركانه في الخطوط الخلفية , نعم الجيش في الخطوط الخلفية . إلا إن تعاملهم مع الحشد الشعبي كغريم وليس كشريك للدفاع عن العراق وأمنه وشعبه … وعندنا قصص يندى لها الجبين ولا يمكن أن نكتبها لما فيها مواقف مؤلمة لبعض الضباط , ولا ادري كيف ستؤول النتيجة لو بقي هذا الجيش المنهزم من الداخل , إنها مؤسسة لا يمكنها أن تحمي نفسها , فلا أمل في أن تحمي الوطن والشعب … فلا خير بمن يترك موضعه بمجرد أن يسمع طلقة واحدة .. من يترك الموقع الدفاعي, يترك العراق برجاله ونساءه وأطفاله للعدو المشترك …هذا هو الانهيار التام .. وعلى الشرفاء معالجة الموضوع وإيجاد بديل , لان المرض النفسي والخوف من العدو لا يصلحه تدريب ولا شراء سلاح ..