قال السيد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري: ( لن نسمح بأن بدار العراق خلف الحدود شمالاً أم جنوباً شرقا أم غرباً العراق سيدار بسواعد عراقية وطنية خالصة وبتحالفات نزيهة عابرة للمحاصصة)!! وقبله، وأثناء لقاء له بالسفير الامريكي لدى بغداد دوغلاس سيليمان، قال السيد عمار الحكيم زعيم تيار الحكمة الوطني : ( ان العراقيين قادرون على ادارة خلافاتهم بحكمة وعقلانية)!! أما المرجع الديني الشيخ محمد جواد الحالصي فقد دعا الى الغاء العملية السياسية الحالية واحلال عملية سياسية وطنية اخرى محلها !!
واستميح القراء عذراً ان خالفت الثلاثة الرأي والتوجه واقول ان العراقيين طوال تأريخهم لم يديروا الحكم بأنفسهم في العراق، لا في التاريخ القديم ولا الحديث، بل كان الحكم يدار من قبل المحتلين على اختلاف جنسياتهم، وتعرض العراق منذ الاحتلل الاسلامي له عام 630 م الى نحو (13) احتلالاً و (5) احتلالات اخرى اتخذت شكل الانقلابات العسكرية التي سماها الباحث القدير الدكتور رشيد الخيون في مقال له قبل سنوات بالغزوات الداخلية. وعندي ان بعضاً من تلك الغزوات كانت اشد هولاً وجوراً وفظاعة من معظم الاحتلالات الاجنبية. ان لم اقل جميعها مثل انقلاب 8 شباط عام 1963 وفيما بعد انقلاب 17 – تموز عام 1968 ولو قمنا بتقسيم الاعوام من الاحتلال الاسلامي للعراق عام 630 الى الاحتلال الامريكي له في عام 2003 لوجدنا ان العراق كان ينتقل كل 57 سنة مرة من محتل الى اخر، الامر الذي أمات الروح الوطنية لدى العراقيين والتي لم تكن موجودة اصلاً، لذا فأن العراقيين غالباً ما كانوا يسارعون الى كسب ود ورضى المحتل الجديد الذي كان يغدق عليهم بالالقاب مثل: الاغا والبيك والخان.. الخ وسخر هم لتثبيت الاحتلال. والمحتلون للعراق غالباً ماكانوا وبدرجة رئيسة 3 أنواع الاول: الدول والامبراطوريات الاسلامية: دولة الخلفاء الراشدين والدولتان الامويه والعباسية ثم الدولة العثمانية. أما النوع الثاني فهم المحتلون الغربيون: الانكليز 1914-1918 الذين حكموا العراق حكما مباشراً ثم حكموه حكماً غير مباشراً 1921 – 1958، والامريكان عام 2003. والنوع الثالث من المحتلين هم الحكام العسكريون الانقلابيون: عبدالكريم قاسم 1958-1963 وانقلابيي 8 شباط البعثيون ثم الاخوين عارف وانقلاب البعث في 17-30 تموز 1968. ولقد كان الاحتلال الاسلامي من أشد الاحتلالات وطأة على العراقيين الذي قضى على ( العراق المسيحي) واقام مجازر بحق الكرد الايزيديين تلك المجازر التي جعلتهم اقلية بمرور الاعوام والتي لم تكن تختلف في شيء عن مجازر تنظيم الدولة – داعش – وما زال الازيديون يعانون من تلك المجازر الامرين وبمرارة. في وقت كان الاحتلال من النوع الثاني: الانكليزي 1914- 1918 والذي سمي بالاحتلال المباشر للعراق وفيما بعد احتلالهم غير المباشر له والذي بدأ عام 1921 وانتهى عام 1958. ولم يحصل في كلا الاحتلالين ما حصل للعراقيين من ظلم على يد المحتلين الوطنيين وعلى وجه الخصوص قادة النظم الجمهورية الذين فرضوا النظام الدكتاتوري العسكري الفاشي على الشعوب العراقية كافة وبالاخص الكرد واقولها بصراحة دون اي تحفظ ان المحتلين الانكليز والامريكان كانوا ارحم بحال العراقيين من جميع المحتلين الذين سبقوهم من مسلمين وفيما بعد الوطنيين الجمهورين، ليس هذا فقط بل انهم كانوا منقذين للشعب العراقي وليسوا محتلين بالمعنى الصحيح للاحتلال، وليس هناك وجه للمقارنة بينهم وبين المحتلين الاخرين من الذين اتينا على زكرهم. فالانكليز مثلاً انقذوا العراقيين من ابشع نظام اسلامي الا وهو النظام العثماني وجلبوا الى العراق بالتكنولوجيا الغربية وبالقطارات والطائرات والسيارات وزودوه بطرق الملاحة البحرية والجوية وبالراديو والتلفزيون، والادوية، والنظام البرلماني..الخ من حسنات لاتعد ولا نحصى، والتي لم تجلبها اليهم الاحتلالات السابقة التي حكمت العراقيين بالنار والحديد، وفي ظل احتلالهم فان العراق تمتع بحكم القانون والاستقرار وبالتطور التدريجي في مناحي الحياة كافة، ولم يعرف العراقيون في سنوات احتلالهم الحرب الكيمياوية ولا حرب كردستان أو حربي الخليج الاولى والثانية أو قصف السعودية والامرات.. الخ ولو كان قد قدر للانكليز البقاء في العراق لكان الاخير يتقدم بشكل مدهش مثلما تقدمت شعوب اخرى في ظل احتلالهم: جنوب افريقيا، هونك كونك استراليا.. الخ . ان جميع البلدان التي لم تلجأ الى الثورة ضد المحتلين الغربيين تقدمت بشكل مدهش ولم تقطع سلاتها بالمحتل الاوروبي انظر الى الكوموموريث البريطاني ومجموعة الدول الناطقة بالفرنسية وومجموعة الدول المستقلة التي قامت على انقاض الاتحاد السوفيتي السابق ودخلت في علاقات قوية مع وريثته روسيا الاتحادية. بالمقابل رأينا الشعوب والبلدان التي ثارت بوجههم كيف انها وما زالت تدفع ضريبة الوطنية الزائفة وتعاني من الحروب واشكال الدمار ومنها للشعوب والبلدان العربية والاسلامية بالاخص ( الربيع العربي) الحالي والانقلابات الناصرية والبعثية وثورات الجزائر وليبيا.. الخ والانكى من كل هذا – ان الشعوب العراقية ربيت وترعرعت على معاداة الانكليز والامريكان اللذان، الاول انقذها من الامبراطورية العثمانية البشعة والثاني، الامريكان انقذوها من نظام صدام حسين الفاشي. وفي مقدمة المعادين للمحررين الامريكان، حكام العراق الحاليون الذي جاؤوا الى الحكم على ظهر الدبابات الامريكية، ولو لا امريكا لما كان صدام يسقط ولما كان يصل الحكام الحاليون في العراق الى الحكم بواسطة تلك الدبابات. ان تاريخ المحتلين الاوائل للعراق زاخر باشكال القهر والظلم والاستبداد ومثله تاريخ الحكام الجمهوريين. ولم يسجل ما سجل عليهم على المحتلين الانكليز والامريكان. ومع ذلك كان جزاء الامريكان هو الموت لامريكا حسب ملصقات شوهدت في شوارع بغداد مؤخرا.
ان العراقيين الذي فرض عليهم حكامهم الجهل والتخلف ما زالوا يهتفون بسقوط الانكليز والامريكان لكنهم في الوقت ذاته يتحينون الفرص ويركبون مخاطر البحرللوصول الى بلاء الانكليز والامريكان والفرنسيين والهولنديين والبجيكيين ومستعرين اخرين علهم يقبلونهم كلاجئين. ولو فتحت امامهم ابواب الهجرة الى تلك البلدان ( المتروبول) فلن تجد احداً يبقى في العراق ويفضل العيش فيه على العيش في تلك البلدان. لقد طرد الجهلة الاوائل المستعرين من بلدانهم وفشلوا في اقامة نظام افضل من نظام المستعمر. وقام الجهلة من العسكر بانقلابات اسقطو النظم الموالية للمستعمر كالنظام الملكي في العراق وفشلوا ايضاً في اقامة نظام افضل من النظام الذي اسقطوه. وكم كان ابن تيميه مصيباً يوم قال: باسقاط الحاكم بشرطين الاول: بوحه بالكفر، والثاني ان يتعهد باقامة نظام افضل من النظام اندي اسقطه. اكرر واقول: ان الانكليز والامريكان الارحم بالعراقيين من سائر المحتلين والحكام الوطنيين بمن فيهم الحكام الحاليون للعراق ومن يخالفني الرأي فليتقدم بحسنة واحده للمحتلين الاوائل والمحتلين ( الوطنيين).