20 مايو، 2024 8:17 ص
Search
Close this search box.

الانكفاء الفظيع

Facebook
Twitter
LinkedIn

في كتابه الصادر عام 1956 قال الراحل الدكتور علي الوردي :
” دخلتُ ذات مرة في دائرة من دوائر الحكومة فرأيتُ أعرابيا حافيا رثَّ الثياب يهدّد الموظف ويتوعده ويفرضُ عليه أمره كما يفرض ايّ سيّد من سادة القرون الماضية أمراً على عبيده .
فشعرتُ أني أعيش في عصر جديد .
وقد قارنتُ هذا بما مر عليّ في مطلع شبابي حيث كنتُ أدخل الدوائر الحكومية وانا أتعثر بأذيالي خشية ان يأمر الموظف بحبسي وهو السيد المطاع ”       مهزلة العقل البشري /349
لقد مضى على هذه القصة أكثر من نصف قرن من الزمن ، وقد تبدّلت الانظمة والحكّام …
ودخلنا الألفية الثالثة التي أصبح (العالَمَ) فيها قريةً صغيرة – كما يقولون- بفعل التواصل الاجتماعي الالكتروني بين البلدان …، ولكنّ السؤال الآن :
هل ثمة من تطوّر طرأ على طريقة تعامل الموظفين في اجهزة الدولة ومؤسساتها مع المواطنين الذين يراجعونهم ؟
والجواب :
انها للأسف ، تراجعت نحو الأسوأ لا الأحسن
ان المواطنين يشكون من الوقوف في طوابير الانتظار وهو يراجعون الدوائر الرسمية لانجاز معاملاتهم ،ويعانون ما يعانون من الحرّ والبرد ، دون ان تُعالج معاناتهم ..!!
وحين يصلُ الدّوْر للمراجِع ، يُفاجَئُ – في غالب الأحوال – من قبل الموظف المختص بما يمكن ان نسميه (الشروط التعجيزية) والغرض واضح معلوم..!!
انه الترويض النفسي الذي ، يدفع بالمراجِع في نهاية المطاف ، الى القبول بما يُفرَضُ عليه من مبالغ نقدية ، فيها من القسوة والتجني ما فيها ، على الفقراء والضعفاء فضلاً عن غيرهم من ميسوري الحال .
والويل ثم الويل ، لمن يتململ من هذا (الروتين) المذّل ..!!
ان ” العراق الجديد ” تفشت فيه ظاهرة الفساد المالي والادراي الى الحدّ الذي أصبح فيه مضرب الأمثال ..!!
انه من أكبر الدول في العالم فساداً وبُعداً عن الأداء الوظيفي السليم ..!!
ان الدكتور الوردي أدّى شهادته بأمانة وصدق حين راى (المواطن) يتعامل مع (الموظف) معاملة الخادم ، والمسؤول – أيّاً كان ومهما علت رتبتهُ – انما هو خادِم للمواطن وليس المواطنون بخدّام للمسؤولين .
ومن هنا لم تكن ردود الفعل ، عند (الموظف) الذي تلّقى من (الأعرابي) ما تلّقى من التهديد والوعيد ، بملفتة للنظر على الاطلاق ، ذلك ان الموظف المذكور لابُدَّ ان يكون قد حاد عن النهج المرسوم له في التعامل مع الأعرابي الأمر الذي أغضبه وأخرجه عن طوره ..!!
والمشكلة اليوم أنَّ الموظف المسيء لن تتركه الجهة السياسية التي عيّنَتْه وسلطته على الرقاب ، لينال ما يستحق من العقوبات الانضباطية نتيجة إهماله وتهاونه بالعمل أو استخفافه بالمواطنين ، أو ابتزازه إيّاهم (بالأتاوات) التي يفرضها عليهم ..!!
ان الموظف في غالب الأحوال ، يشعر بان وراءه مَنْ يحميه ، وقديما قيل :
” مَنْ أمِنَ العقوبة أساء الأدب ”
ليس من حق أحدّ أن يدافع عن المسيء للمواطنين ، وان يكون سببا لإبعادهم عن العقوبات الانضباطية .
وستدرك الجهات السياسية التي دافعت عن الفاسدين خطأ مسلكها قريباً ، حيث سينتقم منها (المواطن) بصوته لا بسوطه ، وهو انتقام عادل وعندها ستعض أصابع الندم ، ولكن بعد فوات الأوان …!!!
[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب