تابع المشاهدون على القنوات الاخبارية في العالم أحداث الجمعة السادس عشر من هذا الشهر بما سمي بمحاولة الانقلاب ضد حكومة أردوغان التي انتهت بالصورة التي أريد لها أن تنتهي بها. ومن راقب تسلسل أحداث عملية الانقلاب المزعوم لاشك لاحظ غياب أي ذكر لهوية القائمين به أو الأهداف التي يرومون تحقيقها من وراء محاولتهم الانقلابية والأسباب التي دعتهم لذلك. لقد اعلن عن فشل محاولة الانقلاب والتنديد بالقائمين بها حتى قبل أن نعلم أو يعلم الشعب التركي من يكونون ولماذا قاموا بانقلابهم حتى بعد مرور 24 ساعة على الاعلان عنه. ومما يثير الشكوك أكثر حول حقيقة الانقلاب لم يصدر عن قادته أو ممثلين عنهم أي بيانات صحفية مسموعة أو مرئية. واذا لم يكن الانقلاب مسرحية من اخراج أردوغان فانه قد استخدم المحاولة للاجهاز على خصومه في الجيش والشرطة والقضاء خاصة وهي الأجهزة التي طالما قيدت اندفاعه للانفراد بالسلطة وتتويج شخصه بكونه حاكما مطلق الصلاحية وهو ما ستأتي به الأيام والاسابيع القليلة القادمة.
فالحملة الواسعة الجارية منذ صباح السبت الماضي والمستمرة ليلا ونهارا لاعتقال القادة العسكريين والجنود من مختلف الرتب تجري وكأنها كانت معدة مسبقا. ونقلا عما تردد في الصحافة والقنوات الاخبارية الاجنبية ان حوالي 6000 آلاف عسكري بين ضابط وجندي وحوالي 3000 آلاف قاض قد تم اعتقالهم. والمعروف ان الجيش التركي اعتبر منذ عهد كمال أتاتورك باني تركيا الجديدة والحارس الأمين لنظامها السياسي العلماني وهي الصفة التي حرص القادة السياسيون السابقون لحكم أردوغان الالتزام بها. لكن الرئيس أردوغان وحزبه حزب العدالة والتنمية يحاول منذ تاسيس حزبه تجاوز تلك السياسة والخروج عن مبادئ أتاتورك والعودة بتركيا الى الوراء والباسها عنوة ثياب آل عثمان البالية. وقد كانت احدى علائم السير على طريق آل عثمان قصره الامبراطوري الفخم الذي كلف بناءه الف مليارد دولار ويضم ألف غرفة وقاعة وصالة تم تأثيثها بأنفس المواد لتكون لائقة بمقام الامبراطور الجديد.
وليس ذلك فحسب بل قام باعادة الحياة لحزب الاخوان المسلمين فتبنى حركتهم في مصر والسودان وقطر وسوريا وليبيا والعراق ولم يكتف بذلك بل ذهب الى التحالف مع الحركات الاكثر تطرفا وتخلفا كالقاعدة وجيش الاسلام واحرار الشام وجبهة النصرة وداعش. فمنذ عام 2011 يحاول تحويل تركيا الى قاعدة وجسر لاستقبال وتصدير ارهابيي تلك المنظمات الى العراق وسوريا والى دول اسيا الوسطى والصين ولم يشعر بخطورة الطريق الذي تقوده اليه عصبيته العثمانية العمياء. فقام بعلم ودعم من حلفائه الغربيين بتصدير ارهابيي داعش الى العراق وتعاقد معهم على سرقة نفط العراق وسوريا وتصديره بواسطة آلاف ناقلات النفط عبر الاراضي التركية وتقاسم ريعه معهم وهو “الاسلامي الورع .” ولم نعلم بذلك الا بعد أن قامت الطائرات الروسية بالكشف عن تلك السرقة وقطع دابرها التي شكلت مصدرا ماليا هائلا لدعم الارهاب الداعشي في كل من العراق والعالم. ومع أن حلفائنا الأمريكيين على علم بذلك عبر أقمارهم الصناعية واستخباراتهم لكنهم لم يمنعوها بل تركوها احتراما على مايبدو ” لمبادئ التجارة الحرة وحقوق الانسان “.