22 ديسمبر، 2024 7:39 م

الانقطاعات الكهربائية تهدد المستهلكين بمخاطر نفسية

الانقطاعات الكهربائية تهدد المستهلكين بمخاطر نفسية

يؤكد العديد من أساتذة الطب النفسي، في الكثير من أبحاثهم أن انقطاع التيار الكهربائي يؤدي إلى الإصابة بأمراض نفسية خطيرة، كالتوتر والضيق والاكتئاب، لأنها تسبب اضطراباً في النوم وعدم الراحة النفسية والجسدية وعدم الشعور بالاستقرار في الحياة والعمل، حيث تعدّ الانقطاعات الكهربائية من العوامل الرئيسة المهددة للاستقرار على أصعدة الحياة المختلفة ولا يقتصر تأثيرها في الجانب المادي فقط فالخسائر المادية الناتجة عن سوء خدمة الكهرباء عادة ما تكون واضحة النتائج وخاضعة لإمكانية احتسابها.
أما الخسائر في الصحة النفسية للمواطن متلقي الخدمة المتعثرة للكهرباء فهي غير واضحة الملامح وغالباً ما تكون خارج الحسابات على الرغم من تأثيرها الكبير وتسببها في إلحاق الخسائر المادية وتفاقمها إلا أنه يمكن ملاحظة تبعاتها في الكثير من مفردات السلوك الذاتي للأفراد وطرق تعاملهم مع تفاصيل الحياة اليومية، وعلى وجه التحديد في فصل الصيف عند ارتفاع درجات الحرارة الذي يرافقه غياب الطاقة الكهربائية اللازمة لتشغيل وسائل التبريد ولأوقات طويلة ويأتي هذا نتيجة للكثير من مؤثرات تكوّنها مواقف حرجة وظروف استثنائية صعبة كان المواطن ضحية لها ابتداءً من مشاهد ما يعانيه الأطفال والشيوخ والمرضى في أوقات انقطاع التيار الكهربائي الطويلة، كذلك ما يتعرض له الأطفال عندما يفاجئهم الظلام بعد انطفاء الأنوار ليلًا وانتهاءً بما يطارد هذا المواطن من أفكار محبطة تخص قدرته على مواصلة الإنتاج في ورشة عمله التي يعتمد تشغيلها على توفر التيار الكهربائي المستمر فهي مصدر ما يؤمن له الإنفاق على الضرورات الحياتية للأسرة، هذه الحالات والكثير مما يشابهها من أحداث مزعجة لها القدرة على خلق فرص لعدم الاستقرار النفسي الذي سوف يتعرض له الفرد، على وفق شدة تأثيرها عليه، وما يزيد هذه الشدة ما يرافق الأحداث الناتجة عن الانقطاعات الكهربائية ما يتلقاه المواطن من سيل المسوغات المكررة، منذ سنوات مضت، والتي يتبناها المعنيون في الدوائر المسؤولة عن تزويد الكهرباء في تصريحاتهم السمجة إذ يسهم ذلك في زيادة الشعور بعدم الثقة ويجسد عوامل الإحباط تجاه معالجة الأزمة العالقة مما يضيف إلى معاناة المواطنين ضغوطاً نفسية أخرى.
تقدر خسائر العراق المالية، على وفق إحصاءات معتمدة، قرابة ٤٠ مليار دولار سنوياً تسببها الانقطاعات المتكررة والطويلة للتيار الكهربائي حيث تشمل هذه الخسائر جوانب النشاط الاقتصادي للمجتمع كافة: الصناعي.. الزراعي.. الخدمي.. التجاري… الخ).
إن ذلك يعني أن تبعات تعثر خدمة الكهرباء تتعدى إحداث الخسائر في جانب محدد واحد، بل يتعدى ذلك إلى تكوين خسائر مركبة بنوعيها المعنوية والمادية، والثانية هذه لها تأثيرها الحاد في شعور المواطن تجاه المحافظة على الموارد الوطنية التي تتعرض للهدر الكبير بسبب غياب التعامل السليم مع الأزمة وانتقاء الحلول الحاسمة لها… لا يتوقف تأثير جانب الخسائر المادية على حالة ما يعانيه المواطن من أزمة نفسية تجاه تردي واقع الكهرباء عند هذه الحدود، بل يتعداه الى مديات أخرى، فعندما يعرض مقدار التخصيصات المالية الكبيرة لقطاع الكهرباء بهدف تحسين عمل المنظومة الوطنية وتحقيق الاستقرار لها (تم الاعلان عن صرف مبلغ ٨١ مليار دولار في السنوات السابقة، على وفق ما صرحت به لجنة تحقيق برلمانية خاصة)، يتعرض المواطن إلى صدمة نفسية مؤكدة ومضافة نتيجة لتأكيد ما كان يعتقده وهماً بفعل معارضي النظام السياسي القائم ولتتأكد لديه قناعة تفشي أمواج الفساد والهدر في الاموال العامة وامتدادها الى القطاعات التي تخص حياته، بنحو مباشر، وهذا ما قد يوقعه في خانة الاستسلام لواقع مرفوض ليضيف، في تأثيره ثقلاً كبيراً على حالته النفسية المضطربة أصلاً، وكان الاعلان، مؤخراً، عن التقييم الدولي الذي يضع العراق في المرتبة الأخيرة من ناحية جودة الحياة مؤثراً في تجسيد الشعور باليأس الذي يعدّ من مؤشرات المخاطر النفسية.
إن السلطة الحريصة على توفير متطلبات الحياة الكريمة للمواطن عليها الاعتناء بالجوانب الصحية المختلفة له ليس الجسدية منها فقط، بل النفسية أيضاً حيث أن سلامة هذه الناحية تتيح للمواطن الإسهام الفاعل في بناء مجتمع قادر على التطور بعيداً عن حالات الإحباط واليأس والاضطراب التي يتعرض لها نتيجة لغياب إحدى الخدمات الأساس التي تؤمن له ظروفًا مناسبة ليقدم ما في وسعه من عطاء فغياب التوازن المطلوب في قاعدة الحقوق والواجبات سوف تعطل دوره، وتالياً فقدان السلوك السليم في المجتمع لينحدر إلى حافات التخلف والفوضى التي تقوض عوامل التطور والأمان، فالأجواء الصحية التي توفرها السلطات لمواطنيها تعد الشرط الحاسم لتمكينهم من أداء دور المواطنة، كما ينبغي.