23 ديسمبر، 2024 8:34 ص

الانفجار العظيم وشعيرة الحج الابراهيمي

الانفجار العظيم وشعيرة الحج الابراهيمي

مشهد طواف الحجاج حول الكعبة في موسم الحج، يشكل صورة مماثلة لطواف ودوران الالكترونات حول نواة الذرة المشكلة للتركيبة الاساسية لكل العناصر في الارض وفي الكون، وكأنه رسالة فيزيائية أرضية سماوية كونية مطروحة للانسان على كوكب الارض منذ قديم الزمان قبل دعوات الانبياء ابراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام بعشرات ومئات الالاف من السنين.
ايضا نفس مشهد طواف الحجاج المسلمين حول الكعبة، ينطبق على طواف ودوران الكواكب والاقمار والكويكبات حول النجم المركزي في نظام مجموعتنا الشمسية المركزية التي تقدر سنوات بداية نشوئها بثمانية مليارات سنة بعد الانفجار العظيم الذي تسبب بنشوء الكون.
كذلك نفس مشهد طواف الحجاج على الكعبة المشرفة، ينطبق على طواف ودوران المجرات حول نفسها، وخاصة الحلزونية منها، مثل مجرتنا درب االتبانة التي تقدر نشوئها بمئة مليون سنة بعد حصول الانفجار العظيم الذي اولد الكون الحالي بـ 13.8 مليار سنة.
تماثل هذه المشاهد الذرية والنجمية والمجرية مع مشهد طواف الحلقات الدائرية البشرية حول الكعبة كنقطة مركزية في شعائر وطقوس عبادة تعود بجذورها الى الاف السنين قبل ظهور النبي محمد (ص) وانتشار دين الاسلام الحنيف في الجزبرة، هل هي محض صدفة، ام محض تنظيم وترتيب وتنسيق واعي خارق، نظم ورتب لها على الارض وفي السماء وفي الكون، من قبل خالق اسمه الله ورب العالمين وهللولا، ام اسمه جسيم الرب واوتار الرب وجسيم بويز هيكنز الذي يمنح الشيء لكل لاشيء، ويمنح للجسيمات كتلتها ووجودها وحضو رها !؟.
ورغم ان فكرة الحج تعود الى زمن ابو الانبياء ابراهيم (ع) باتفاق الاديان السماوية، الاسلام والمسيحية واليهودية، والتي تشكل اتباعها وانصارها اكثر من نصف سكان العالم، وذلك من خلال تكليف النبي ابو اسماعيل بامر من الله (حسب الاعتقاد الاسلامي) لبناء بيت مشرف لعبادة رب العالمين، الاله الواحد للمؤمنين الموحدين، الا ان فكرة الطواف حول نقطة مركزية كشعيرة من شعائر الحج، لا تحمل فقط معنى وهدف ديني محدد، وانما تحمل فكرة ورسالة عقلية عالية المستوى (فوق عقل الانسان) منذ قدم البشرية، لتوضيح مسألة فكرية جوهرية حياتية وكونية، وهي ان اصل الانسان والحياة والكون هو الذرة ومحتواها الكمومي، اجل المادة الكمية دون الذرية التي نشأ منها كل شي في الكون الذي ظهر الى الوجود بعد الانفجار العظيم.
والمثير حقا ان فكرة بناء بيت الكعبة بشكل مجسم مكعب، مربع متساوي الاضلاع، تعتبر من ارقى الافكار الهندسية الفيزيائية الكونية للتعبير والتمثيل عن الشكل الدائري الذي يهيمن على كل الموجودات الذرية والنجمية واالكونية، ولا شك فان التعبير عن النواة المركزية للذرات والمجموعات الشمسية النجمية والمجرات، وطواف ودوران الالكترونات والشموس والنجوم والمجرات حول نواتها، والتعبير عن هذه الخلاصة الكونية ببيت مكعب، ودوران وطواف المجموعات البشرية حولها بحلقات دائرية واهليليجة، تمثل ابلغ رسالة كونية الى البشرية على كوكب الارض، والى الحضارات الفضائية الاخرى في هذا الكون الواسع، ان وجدت، والرسالة مفادها:
((يا مخلوقات الكون كلكم، يا ايتها الكائنات البشرية والفضائية، انتم والجسيمات دون الذرية الكمومية، والمكونات الذرية والجزيئية، والكواكب والنجوم والمجرات العملاقة الرهيبة، وعناقيد المجرات الفائقة، واكوانكم المتعددة والموازية، واكوانكم التي تتشكل اغلبيتها من المادة المرئية والمادة المظلمة، كلها يعود الاصل والنبع الى الذرة ونواتها التي تحتضن الجسيمات دون النوية من كواركات ومن جسيمات بويز وغيرها من جسيمات وترية حاملة للقوى الكهرومغناطيسية والنووية القوية والنووية الضعيفة، وللجاذبية، والجسيمات الحاملة لقوى الجاذبية)).
وبالرغم من ان فكرة وحكاية بناء بيت الكعبة، تعود الى افكار ونصوص دينية مقدسة قديمة، الا انها بالحقيقة فان كنيتها بعيدة عن التحقق من خلال الحقائق التاريخية المادية التي تبرهن دلائلها بطرق علمية مستندة الى التحليل بالعقل والمنطق والبرهان والتجربة.
ولهذا فان للكعبة المربعة والطواف والدوران حولها بحلقات دائرية، مقصد رباني وكوني، و قد يكون مقصد موجه من حضارة كونية متقدمة، وهو ايصال مضمون فكرة شاملة برسالة حكيمة موجهة الى البشرية والى حضارات فضائية اخرى، وهذا العمل صمم من خلال زرع فكرة جامعة في عقل وذهن انسان مختار ومحدد ومعين من قبل الرب (حسب اعتقاد واتفاق الاديان السماوية) وهو النبي ابراهيم، لاسباب قد تكون معرفية وليست دينية، وذلك لتنوير البشرية.
وقد تكون فكرة البناء والطواف، فضائية اتية من خارج كوكب الارض، وصلت الى البشرية من عوالم كونية اخرى، وتبدو انها متقدمة في الحضارة والعلوم والتكنولوجيا العابرة للمسافات الكونية، وهي قد تكون فكرت بابلغ واقصر طريقة للتعبير عن رسالة كونية مفهومة لكل المخلوقات في جميع انحاء الفضاء والتي تتسم بالعقل والفكر والوعي في كوننا الواسع الرهيب.
ولكن بالرغم من طرح هذه الرؤية الخيالية لتفسير التركيب الحلقى الدائري للحج والذرة والمجموعات الشمسية والنجمية والمجرات والعناقيد المجرية، فان الارادة التي وفرت كل هذه المكونات الذرية والارضية والسماوية والفضائية والكونية، لابد ان تكون فوق الكل، ولابد ان تكون معبرة وحاضنة لكل اسباب ومقومات الوجود المادي وغير المادي لكل الجسيمات والاجسام والمكونات التي تتشكل منها الكون، ولابد ان يكون لهذا الكون الذي يحتضن اكوانا ومعالم مازالت مجهولة، رب يدير كل شيء، وهو قادر على كل شيء، وخبير بكل شيء.
والتركيب الظاهر للحج، مقارب للتصاميم الشكلية المكتشفة للذرة والنجوم والمجرات، وهو ما هو الا رسالة كونية موجهة للبشرية، بعيدا عن المخلوقات الفضائية ان وجدت، وهي تحمل معنا رمزيا واحدا، وهو ان العلم هو الباب الرئيسي من ابواب الكون، وان الاولين هذا باب من ابواب الخيرات، وان الاخير باب من ابواب العقول، وان الاخير باب من ابواب الحياة، وما الطريق الصائب الا عبر العلم والادراك بالوعي والاستناد للعقل.
وكفى البشرية عزا ان رسالة الحج الابراهيمي عن تركيب الذرة والنجوم والشموس والمجرات ودورانها حول نفسها، قد وصلتنا قبل عشرات الالاف من السنين، ومنذ ذلك الزمان قد فتح للانسان طريق البصيرة، وسلم له الاسماء والبيان بالعلم لارساء طريق الحياة، وارساء دربا منيرا لقراءة وفهم الكون.
والانفجار العظيم الذي يبدأ من نقطة متناهية الصغر، لتمتد بتقاعلاتها الكونية خلال اجزاء بمليارات مليارات الجزء من الطول بالمتر ومن الزمن بالثانية، لتزحف نحو تشكيل البدايات الاولية لجسيمات اولية دون الذرية، الى ان يجتاز الثانية الاولى مكونة تفاعلات من كواركات رهيبة فنت بعضها البعض في البدايات الاولى، لتمهد الى تشكيل وتجمع البروتونات والنيوترونات، وبالتالي مشكلة النويات الاولى للذرات الاولية، وبالتالي مشكلة العناصر الاولية المكونة لغازي الهيدروجين والهيليوم، وثم لتزحف مشكلة العناصر الاولية لتكوين البدايات الاولى للنجوم والمجرات والكواكب وغيرها من الاجسام الكونية التي تزدهر بها الكون.
والكون الذي وضع لتفسيره نظريات فيزيائية عديدة، وخاصة نظرية الانفجار الكبير، يخضع لدراسات وابحاث علمية مستمرة للكشف عن الاسباب الموجبة لوجوده ومعرفة اسراره والغازه والكشف عن مكامن عوالمه وتمدده السريع المتواصل منذ نشأته والى يومنا هذا.
ولاجل هذا، وضع معادلات فيزيائية وكيميائية متنوعة وثوابت كونية عديدة لبيان تفسير الكتلة والزمن والطول في البيئة المحيطة بنشأة الكون في لحظة انطلاق وجوده، ومازالت نظرية الانفجار الكبير تطرح تفسيرات فيزيائية معقولة ضمن منظورات تلك اللحظة الكونية الرهيبة، وذلك من خلال ثوابت فيزيائية كونية عديدة وكثيرة منها ثابت بلانك وقيمته (6.6*10 اس-34)، وكتلة بلانك وقيمته (2.17*10 اس-8)، وزمن بلانك وقيمته (5.39*10 اس-44)، وطول بلانك وقيمته (1.61*10 اس-35)، وغيرها من الثوايت العلمية الكونية التي تقوم عليها علوم الفلك والفيزياء، ومن جملة الخواص التي تستند اليها تلك الثوايت وتسبح فيها هي التواجد او السباحة في عالم الصغر المتناهي الرهيب الذي تصل مقاساته الى جزء من مليارات مليارات مليارات مليارات الثانية بالنسبة الى زمن بلانك، وجزء من مليارات مليارات مليارات المتر بالنسببة الى طول بلانك، وبنفس الاعداد والقيم بخصوص الكتلة والحرارة والحجم وغيرها.
هذه الحسابات والمعادلات والثوابت الكونية تكشف لنا وكأن الكون الحالي الذي نعيش فيه، انفجر وتولد من نقطة لم يصل حجمها الى جزء واحد من برتقالة مقسومة الى تريليون تريليون تريليون جزء من المتر المكعب، والحقيقة ليس لقدرة اي كائن ان كان وعيا كونيا او مخلوقا تصور هذا الجزء الوجودي بحجمه وطوله ووزنه في اي كون، ولا في اي معلم وجودي ان كان في الماضي او الحاضر او المستقبل.
لهذا يبقى التقارب الحاصل بين المجموعات والمجرات الكونية وشعيرة الحج الابراهيمي، مقاربة قابلة للتفكير واستنتاج الرؤى منها، خاصة وانها تعود الى مرحلة قديمة قد تقدر بخمسين الفية قبل الميلاد، اي في مرحلة مبكرة من فترة بدء التماس بالطبيعة والتعامل مع ظواهرها وظهور اولى افكار الحياة الدينية لدى الانسان القديم، ولا شك ان هذه المقاربة تحمل وتولد اسئلة كبيرة، حيث يحتم على الفكر الانساني ان يجد لها جوابا، وجوابنا بهذا الشأن في هذا المقال امر وارد يمكن وضعه في خانة الاحتمالات الفكرية الواردة للتصورات العلمية الراهنة للانسان المعاصر المستندة الى الاكتشافات الحديثة العظيمة.
والله من وراء القصد..