28 أكتوبر، 2024 4:30 م
Search
Close this search box.

الانسحاب عين النصر أحيانا

﴿ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴾[الفرقان: 63]

معارك دونكيشوت:

عندما تجادل أناس لا تبحث عن الحقيقة فهي تحاول أن تقرأ ما تقوله لتخالفك أو لتسفه العالم كصيغة مناكفة مسببة لضرر كبير في المجتمع عندما تشكك من هم بحاجة إلى علم من تشكك تلك القوى العبثية بعلمه وجهده فينال الأذى الإنسان الجاد ودعوته وربما تنعكس هذه على المجتمع فليس الإنسان الدعي هذا واحد أو توجه واحد في الآليات وهم كثر في عصرنا.

الخروج من هكذا جدل عقيم هو نوع من السلام عندما تستدرج لخطاب الجهلة الذين يحرصون أن يثبتوا أن جهلهم هو الصواب؛ لأنه حفاظ على الحقيقة ومادتها من أناس لا تطلب الحقيقة بل لا يهمها حتى ما تزعمه فهي غائصة في الأنا الإبليسية، الشطط بأقوالها ولا تجد لها فعلا أو محاولة للدفاع عن الحق وإنما مسايرة المتمكن أو المتغلب أو الظاهر بقوة مؤملة أن يعطيها شيء تفيد منه.

في واقعنا كظاهرة من مفرزات منظومة تنمية التخلف، وكم يتورط الإنسان في دخول المفكر فيما يظنه حوارا ليوضح أمرا، فيكتشف انه أمام شخص رقيع يحب الجدل بلا هدف أو طائل، والرقاعة في المنجد (حماقة وضعف العقل. وتُستعمل فيما ينشأ عنها من قلَّة الحياء والصَّفاقة.)، فهذا النوع يرتجي الغلبة وصراع الديكة وليس الفهم لسبب بسيط انه يجهل أصول الحوار ويجهل الموضوع الذي يدخل فيه بجدل وليس له منه إلا انطباعات وتراه يخضع للقوة ويداهنها بينما يكيل التهم للمصلحين عندما يجد أن لا خطر منهم، وهذه الناس غالبا من محبي الدنيا والصدارة وهم ليسوا أهلا للصدارة، فالجهد مع هذا النوع من الغوغاء وان كان لديهم انطباعات المعرفة هو جهد ضائع، لأنه لا يبغي طريق الحق حتى لو طرحت المنطق كله فهو سيعود ولم يعلق في ذهنه من منطقك شيئا ليعيد نفس كلامه وحججه، فمعرفة الحق ليست غايته وإنما هو يظهر نفسه لعله يفيد منها في تنمية مصلحة ما.

بلد العميان:

بلد العميان هي قصة قصيرة بقلم هربرت جورج ويلز.نشرت 1904 في مجلة ستراند، الفكرة التي فيها تتحدث عن عدة أمور في حياة عبثية يغلفها الجهل وقناعة الجاهل بهذه الانطباعات التي نقلت له عبر الأجيال لدرجة يعتبر من يخالفها مختل عقليا وتنقسم الناس عليه ما بين من يريد عقابه ومن يتأسى لحاله فيستسلم هو تاركا لأمة الجهل أن تقرر مصيره.

هذا ما يحصل للمفكرين والعلماء في منظومة تنمية التخلف التي أمة العميان بيئتها، فالمفكر يتعب ويدرس ويحاول ويهب كل وقته ليحقق التاريخ مثلا ويربط الأحداث ويحلل ويقرأ كتبا شتى ليخرج بفكرة، وعندما يطرحها يجد من يسفهه من الذين يتعاملون بفتات الوقت ويبحثون كل شيء من خلال الأنا ليجادلوا هذا المفكر بدل أن يستمعوا إليه من خلال مشاهدتهم لأحد الأفلام حول الموضوع التي لا تأخذ الدقة لضرورة الاستثارة، فعندما يظهر فلم الرسالة مثلا آية القتال سنة بدر وليس سنة الهجرة فهذا يبدي القتال امر بينما هو حكم في حقيقته والأمر مختلف لان القرار فيه للإنسان وليس هو تعبدا فيما يشبه هذه الحالة، هذا العماء لا يرى نور الفكر فهو مكتفي بانطباعاته.

القيمة في بلد العميان:

عميان بيئتنا ليس بلا نظر ولكن بلا بصيرة ومتخلفون في فكرهم لأنهم يرون الأشياء ويفهمون الأفكار في غير ما تطرح وإنما من خلال انطباعاتهم عنها، فالغربة تتجلى في معناها في أمة العميان، فأمتنا بكل أديانها الغريبة عندها ومن يشرحها لهم سيتهمونه بالخداع والادعاء والكفر أو الزندقة لأنهم امسكوا بصنم الوهم ولا يعرفون كنه ما يمسكون فهم عميان يتلمسون انطباعات أوهامهم وليس حقيقة بيدهم، فعندما تشرح الإسلام للمسلمين بعيدا عما استقوه من انطباعات سواء في المدارس أو التقليد أو حتى الأفلام السينمائية، سينظرون إليك بأنك تريد أن تعطي هوية لغريب سيدمر ما اعتادوا عليه وكما قال فرعون أن موسى يريد أن يفسد عليكم دينكم ويضللكم، في نفس الوقت يظهر عميان ينكرون الأديان والشرائع تدعمهم دول في المال والإعلام يعتبرون عثرة أمام المصلحين لان العقل الجمعي يخلط بينهم.

تحديات أمة العميان:

أمة العميان لا ترى النور الذي يضيئه مفكروها، بل لا تعرف قيمة ما يعرض عليها فتشكل تحدي للتطور والتجديد لأنها أهملت الأمور الفكرية من خلال ترشيدها وتوسعت في محتوى التخلف وبما يخالف أساس الدين الإسلامي ومثله الأديان الأخرى التي ارتكبت تحت عنوان الرعوية والخوف من فقدانها لرعاياها فوجهتهم بطريق عزلتهم شعوريا عن مجتمعهم تحت عنوان الخصوصية، الكل لا يقبل النقد الموضوعي للمنقول لأجل تنظيف القواعد لبناء جديد فهو راسخ القناعة بكمال ما لديه رغم انه وصل إلى حضيض الفشل، وتسمع أن هنالك مراجعات تقوم بها هذ الجهة أو تلك من الأحزاب أو المنظومات حكومية وغير حكومية لكن لا ترى تغييرا لأنها أصلا لا تقوم بالمراجعة فعلا وإنما إعادة المسار لتصل إلى قناعة أنها كانت على صواب وان الخطأ من الشعب والناس أو مؤامرات وأعداء إما وهميين أو انهم أعداء طبيعيين يشكلون تحديا معلوما يواجه بالتخطيط ليقضي عليه وليس ليوضع شماعة يعلق عليها الفشل، والكل يعلم أن هذه بديهيات لمن يعمل في الإصلاح أو التغيير من أجل الارتقاء وإلا ستنحدر المسارات ويزداد التخلف والعماء تأسيسا وجذورا.

النهضة لا تقاد بالانتماءات:

عندما يضعف الفهم أو تصبح المنظومة القيمية والفكرية غير معالجة أو موجودة كتأثير حضوري في الواقع فان الانتماء بلا فهم وإيمان فرصة للدوافع الغريزية للانطلاق بلا رادع أو محدد وإنما يستعان بالنصوص أو مضمون القيمة كطاقية إخفاء لمساوئ مرتديها، فترى مظهر التدين الغريزي ولكن بلا دين وهذا يجعل الدين مسخ، وترى هجوما على الفاسدين من الفاسدين لان هنالك من غلبهم في الاستحواذ وليس لأنهم صالحين، وهكذا ترى طغيانا بشعا للغرائز.

فالانتماء هو استعانة برابطة هابطة للاستحواذ وليس للإنتاج أو العمل، فلا يقظة ولا نهضة، من اجل هذا فتفعيل مراكز للدراسات وفق قواعد علمية وتدار من كفاءات في المفاصل كلها ضرورة لاستعاد العقلية الصالحة والنفسية الصالحة فتكون (الشخصية القوية) المؤهلة للبناء، فمجرد كونه منتسب لدين أو عقيدة لا يجعل من الإنسان مجسدا فاهما لها، إن أجمل العقائد يشوهها من يرتديها بأدرانه دون اغتسال أو الغلاة المعطلون للمنظومة العقلية.

ليس سهلا البناء الفكري لأنه يجعل من الإنسان داعية بسلوكه، كذلك كان تجار الأمة حيث نشر سلوكهم الدين في مناطق لم يطأ أرضها مسلم، كذلك اليوم ينفّر من الإسلام من حمل اسمه بلا فهم واتصف بالجهالة في سلوكه وتعاملاته مواطنا أو مهاجرا غريبا.

                                                               

أحدث المقالات