أبدأ مقالي هذا بطرح هذا التساؤل الذي شغل الكثير من الناس طيلة الأيام الماضية خاصة بعد الانتهاك التركي للأراضي الليبية وهو: هل تنسحب تركيا من الأراضي الليبية ؟ سؤال مهم… لكن لا يبدو أن أنقرة تملك بدائل أخرى لإنقاذ نفسها وإطالة حياة مشروعها المتعثر والفاقد لقدرة الإستمرار، ومن هنا فإن حرب أردوغان الجديدة لن تخرج عن حروب تركيا التي تبدأ ولا تعرف نهاياتها أو يتحقق فيها نصر.
اليوم لا يدخر الرئيس التركي أردوغان جهداً من أجل تحقيق أحلامه التوسعية وإيجاد موطئ قدم ثابت له في ليبيا مستغلاً الوضع المتأزم هناك، حيث خرج أردوغان بتصريحات ليؤكد مراوغته وإعلان نيته حول البقاء في ليبيا، إذ أعلن أن أنقرة ستبحث سحب قواتها من ليبيا، في مقابل سحب الدول الأخرى قواتها أولاً، مدعياً أن القوات المسلحة التركية نُشروا في ليبيا فقط من أجل تدريب الوحدات الموالية لحكومة الوفاق وتحقيق الأمن والاستقرار، وأن هناك اتفاق تعاون أمني وعسكري ليبي تركي منذ عام 2019.
ولا يخفى على أحد تشير كل هذه التصريحات صراحة إلى عزم أنقرة الاستمرار في سياستها العدائية نحو ليبيا عبر تجاهل الدعوات الليبية والدولية لإنهاء الوجود الأجنبي في البلاد، وفسح المجال أمام التوافقات الليبية التي ساهمت خلال الأشهر القليلة الماضية في إسكات صوت الرصاص والقصف ومشاهد الدمار ونزف الدماء المتواصل، وفتح الباب أمام لغة الحوار التي كانت نتائجها إيجابية لكافة الشعب الليبي.
في ذات السياق تسعى أنقرة من خلال بوابة ليبيا الحصول على دور إقليمي ودولي في الشرق الأوسط، بالإضافة الى تكريس نفوذها هناك، سياسياً وعسكرياً للإستيلاء على ثروات الشعب الليبي الطبيعية من غاز ونفط، وترغب تركيا بشدة في إنشاء قاعدة عسكرية سواء في طرابلس أو مصراته، حيث تنتشر قواتها، ما يضمن لها تواجدها كطرف هام في الصراع الليبي، ويتضح من استمرار إرسال المرتزقة السوريين إلى ليبيا، إلى جانب المعدات العسكرية التركية، مدى الرغبة التركية في البقاء في الأراضي الليبية.
بذلك حرقت أنقرة سفنها مع طرابلس تماماً، ولقد سبق وأن أكدّت أكثر من مرة، بأن الدبلوماسية التركية أطلقت النار على أقدامها، لذا لا بد لتركيا بدلاً من اللعب بكرة النار التي قد تحرق أصابعها قبل غيرها، أن تبتعد عن لغة التهديد والوعيد وشن الهجمات، وأن تجنح إلى لغة العقل والمنطق والسلام التي تدعوا إليها الحكومة الليبية باستمرار.
ولا يخفى على احد الفشل الذي حل بحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا الذي وصل لنهاية دوره وجعلته في مهب الريح، بعد الهزائم المتلاحقة نتيجة الفشل السياسي الداخلي، والأزمة الاقتصادية، والسياسات المتهورة خارجياً، كما أن التدخل التركي في ليبيا محفوف ومليء بالمخاطر الإقليمية لأن المجتمع الدولي لن يوافق على التدخل المباشر في ليبيا ويجب أن تضع في حساباتها أنها تخوض حرباً مع جبهة المقاومة الرافضة لهذا التدخل.
وباختصار شديد، أن تركيا على أبواب سيناريوهات مرعبة ومخيفة لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في المنطقة، ومن هذا المنطلق يجب على تركيا أن تتأهب لمرحلة جديدة، فتركيا تتجه بسرعة كبيرة إلى فخ المستنقع الليبي إذا استمرت حكومة أردوغان بالدور السلبي في ليبيا، والسؤال المطروح هنا هو عما إذا كانت دول الجوار الليبي مثل الجزائر وتونس ومصر ستقبل بسياسة الأمر الواقع هذه التي فرضها الوجود التركي، أم تتصدى لها سياسيا و عسكرياً في المستقبل القريب؟ وفي تقديري أن عام 2021 سيشهد تدويراً للكثير من الزوايا في مجمل العلاقات الدولية، والأيام المقبلة وحدها ستجيب عن ذلك.
كما أنني على ثقة تامة أن الشعب الليبي قادر على تجاوز وتخطي أزمته ومحنته الراهنة بفضل تماسكه ووحدته الوطنية، لأنه يدرك جيداً دوره في مواجهة كل المشاريع التركية والغربية في المنطقة الرامية الى تجزئة وتقسيم ليبيا وتفتيت وحدة الإنسان الليبي.