أعلنَ في العراق ‘ أن موعد إنسحاب أخر جندي أمريكي من العراق سيكون في أخر يوم من أيام العام الحالي ‘ واطلقوا علية إسم (يوم الوفاء) ‘ شيء جيد ‘ ولكن استغربت من القول : أن هذه التسمية تأتى تقديراَ لوفاء حكومتي بغداد و واشنطن لموعد تنفيذ اتفاق الإنسحاب ‘ في حين :أولآً أن أمريكا لاتسحب القوات وفاءً للوعد وإنما تسحبها مجبرة وتستغل إدارة أوباما هذ الإجبار لغايات سياسية ‘ وثانياَ ‘أن كافة المعلومات المسربة من مصادر المعلوماتية تؤكد أن الأمريكان سيبقون فترة طويلة في العراق حيث يبقى مستشارون ومدربون و شبكة واسعة لعملاء الاستخبارات الامريكية ‘ وسيقوم الكثير من الامريكيين الآن بتغيير ازيائهم العسكرية بازياء منتسبي وزارة الخارجية وغيرها من الهيئات الحكومية الامريكية ‘ ومن المحتمل ان تبدأ جولة جديدة للنقاش حول السماح بوجود الجيش الامريكي في العراق بشكل مرتزقة وليس عسكريين. لكن حصل الشئ الرئيسي وقام أوباما بالضغط على جرح الفشل وفي أصعب مرحلة بالنسبة للقوات الامريكية و أسعد حدث بالنسبة للعراقيين وإرادتهم الوطنية بإتجاه المستقبل ‘ حيث يتم انسحاب القوات والحرب قد انتهت… ورأينا أنه و في خضم إنشغال الرأي العام العالمي بأكثر من أزمة وفى المقدمة إنتفاضات شعوب المنطقة التى أطلق عليها الربيع العربي ، تم الاعلان من قبل الرئيس الأمريكي عن قرار الانسحاب لكل القوات الامريكية من العراق قبل انتهاء عام 2011 ‘ حيث أمر الرئيس أوباما “كما وعد” بسحب جميع القوات الامريكية من العراق قائلا “ان الحرب العراقية اصبحت من طيات الماضي بعد مرور 9 سنوات من خوضها ! ‘ ويرى بعض المراقبين أنه تم إختيار هذا الضرف لأن الاحداث أتاحت الفرصة لهذا الاعلان بهدوء . أن وجود تخبط واضح في الموقف الأمريكي في ضوء هذا القرار واضح لكل ذي بصيرة ‘ وأن أول دلالة على هذا هو إنهزام مشين لسياسة المحتل في العراق بعد أن تباها كثيراَ قبل بدء العملية وبعد ذلك في السنوات الاولى من الاحتلال بأنها ستحول العراق إلى نموذج مشع للمنطقة وضمان الإستقرار فيها ‘ وبحسب الخبير والمحلل الروسي ميخائيل دورفمان كتب فى لوكالة نوفستي يقول : ينتظرالمرء من المحلل والمراقب السياسي ان يجيب عن السؤال حول ماهي حصيلة كل ذلك؟ ويستحسن توجيه هذا السؤال بعد مرور 30 سنة تقريبا. ولا اتذكر اين سمعت لاول مرة حكمة عربية مفادها:” كان هنا الروم والبيزنطيون والصليبيون والاتراك والبريطانيون. ولم يعد لهم وجود ، اما نحن فباقون”. وقد اثبتت الحياة حقيقة تلك الحكمة. لكن الامريكيين انتهوا في العراق قبل انسحابهم فعليا من هناك بوقت طويل ،حيث لم يتم تشغيل مبدأ” تأثير الدومينو” كما وعد بذلك المحافظون الجدد، ولم يسقط الطغاة العرب الواحد بعد الآخر، واتضح ان سقوط الطغيان يجري في ساحات المدن وليس في ميادين المعارك. ولآن الإدارة الأمريكية على توالي ‘المحافظون الجدد وبعدهم الديمقراطيون ‘ فشلوا فشلاَ ذريعاَ فى توجهاتهم بعد إحتلال أفغانستان بحجة محاربة الإرهاب والعراق بحجة أسلحة الدمار الشامل وطويت بالتدريج حملات ضخمة مثل “الدمقرطة” و”بناء الدولة” وغيرهما من الحملات الكثيرة. وفي العراق ‘ قام الامريكيون بإنشاء بضع محطات كهربائية غالية الثمن هناك. لكنهم لم يهتموا بوصلها بالشبكات الكهربائية. وتم إنشاء المحطات الغالية الخاصة بتنقية المياه دون ان تمد انابيب توصلها بمرافق الماء. ولا يمكن الحفاظ على العمل الفعال لتلك المنشآت في ظروف البنية التحتية الموجودة في العراق ‘ ولكن كما فشلت أمريكا في داخل العراق من تحقيق اي شيء للعراقيين ‘ فشلت أيضاَ في ضمان وعدها للناخب الأمريكي بمن فيهم الشركات التى كانت تنتظر الكثير مقابل ما قدموه في هذه الحرب ‘ وقد تم ضخ مليارات الدولارات في جيوب مجمع الصناعات الحربية، الامر الذي لم يؤد الى نمو الاقتصاد الامريكي كما تعهد بذلك العلماء الاقتصاديون وأنصارعقيدة السوق الحرة ‘ وسرعان ما اتضح بعد قليل ان الحرب لن تعوض عن النفقات كما قدم من وعود للشعب الامريكي ‘ وأسفر الفشل في العراق عن هزيمة الحزب الجمهوري في انتخابات عامي 2006 و2008. ورغم حقيقة أن أهم هدف من اهداف احتلال العراق هو ‘ السيطرة على منابع البترول ‘ ولكن حتى من هذه الناحية بالنسبة للمواطن الآمريكي لم يشعر في محطة البنزين بورود غنائم عسكرية. وقد كان مخطط الإدارة الأمريكية بعد إحتلال بغداد وتنفيذا لرغبة الشركات الاحتكارية القيام بالخصخصة الفورية لصناعة النفط العراقية.لكن لم يتمكن الامريكيون من تحقيق حتى هذا الهدف بعد أن وجدو أنفسهم غارقين في وحل بلد لم يدرسوا واقعها بذكاء كما فعل البريطانيون عندما خططوا لاحتلال العراق ‘ من هنا تؤكد تقارير لخبراء محايدين حول هذا الجانب ان اسطورة موارد الطاقة بصفتها محركا للسياسة العالمية تصلح للدعاية، لكنها عاجزة عن تفسير ما يحدث من الاحداث والعمليات الواقعية ‘ وشيء الواضح أمام العالم أيضاً‘ أن الادارة الامريكية الحالية التي تعاني من ازمات مالية متلاحقة، وتنسحب معترفة بفشل حروبها من كل من العراق وفي مرحلة لاحقة من افغانستان، لا تستطيع تسويق اي مشاريع حرب جديدة للرأي العام الامريكي،في هذه المرحلة على أقل التقدير .
وقد أعلن عن رد فعل الجمهوريين كما جاء في التقارير الصحفية حول القرار ‘ من خلال تصريح أدلى به جون ماكين قائلاَ ان هذا القرار هو قرار سياسي اتخذ خلافا لرأي القادة العسكريين ذوي النفوذ. فى حين كانت ميشيل باكمان المرشحة للرئاسة عن الجمهوريين أكثر تشدداَ حيث أتهمت البيت الابيض بانه يجعل السياسة تسود على أفكار العقلانية العسكرية. وشددت على ضرورة مطالبة العراقيين بان يدفعوا ثمن الحرب وقالت:” كل مرة نقوم باسقاط طاغية نبقي القوات لفترة طويلة”. الا ان الاهتمام بالامر بات محدودا الى درجة ان موضوع الانسحاب من العراق اختفى من أنباء وسائل الاعلام في اليوم التالي ‘ في كل الاحوال أن الصورة التي ظهر فيها أوباما والضرف الذي أختارته إدارته لهذ الاعلان أدى إلى حقيقة أن محاولة أمريكا في بقاء صورتها على أنها دولة مؤيدة للديمقراطية وصخب دعاية دفاعها عن حقوق الإنسان في المنطقة بعد فشلها الذريع فى العراق تواجه صعوبة التصديق ‘ حيث إهتزاز الصورة وإنقلاب الميزان أصبح واضحاً …