23 ديسمبر، 2024 4:34 م

الانسانية المنقرضة

الانسانية المنقرضة

منذ متى ولدت الانسانية ؟ و كم مضى عليها من الزمن حتى نقول اليوم عنها أنها انقرضت أو بدأت بالانقراض من عالمنا الحالي و ما صلة كلمة النسيان بهذا الانقراض المجحف بانسانيتنا ؟

النسيان ما هو الا عذر تافه تتقاذفه ألستنا عند أول كلمات عتاب تطرأ على المسامع بعد غياب غير مبرر طال أم قصر , و لكن لماذا يجد النسيان طريقاً في أعماقنا فننسى حبيب لنا ينتظرنا على أحر من الجمر , أو صديق يعتمد علينا لحل أمر مستعص عليه , أتكون سذاجة عمياء منا دون شعور منا ,أيكون لربما ذلك الوباء المنتشر بين البشر المسمى النسيان ؟

حين تستفيق مشاعر الانسانية عندنا مع أول اشراقة صباح نبدأ بمزاولة أعمالنا بروتينها القاتل و ساعاتها المريرة , طبيب كنت أو مهندس معماري , سياسي حاذق أو أستاذ جامعي , ربة منزل أو فنانة تشكيلية , كلها مهنٌ يقوم الانسان بها و بملأ ارادته بتقديم الغالي و النفيس من أجل شهرة يكتسبها منها أو مال تفيض جيوبه منها مع مرور الزمن حيث يتجرد الانسان مع مرور الأيام و السنين من انسانيته بشكل تدريجي و يصبح عبداً لهذه المهن و الأعمال يفعل ما تريد , متى تريد , كيفما تريد حتى يتسائل يوماً ان سنحت له الفرصة كم أحتفظ بعد من انسانيتي ؟

ما هو سبب فقد هذه الانسانية التي ميّزنا الله بها عن سائر المخلوقات التي تسمو بنا الى أعلى الدرجات في نيل رضى رب العالمين عنا , انها و بالطبع ضعف أو انقطاع العلاقات البشرية التي تربطنا ببعضنا فهي من أسمى العلاقات الانسانية التي يتصف بها البشر فهي صفة خلقها الله في عباده البشر و ميزهم بها لتتأصر علاقات المحبة و الصداقة و  الأخوة ببعضهم البعض , و لكن مع تزايد المسؤليات و غلاء المعيشة و كثرة المشاكل التي تحيط بنا أدت بنا الى تضائل هذا العلاقات الانسانية و ربما على وشك الانقراض أيضاً , و الا فما هو مبرر الأخ حين لا يعلم ما يعاني منه أخاه و هل هو بحاجة الى مساعدته أو لا , و ما يدعونا للسخرية أنه لا يعلم كم طفل لدى أخيه , فالأسف أشد الأسف حين يسمع بوفاه أحد والديه صدفة بعد عدد من الأشهر قد مضت على وفاتهما لانقطاع أو قلة التواصل بذويه .

اذا كانت علاقة الانسان بذويه و أهلة بدأت تنخفض مستوياتها بشكل محزن و مؤلم الى درجات مخيفة كهذه , أو حينما نسمع عن حالات كثيرة يتجرد بيها بعض أفراد شعبنا من انسانيته من والديه فلا يكتفي بهجره لهما بل بتلفظ أبشع الكلمات لعدم نيله ميراث له منهما قبل وفاتهما و هو ما يريده لنفسه دون أخوته , و يتجرد من انسانيته بشكل أقسى حين تبقى دموع الوالدين على خديهما ألم فرافه لهما حتى يوم وفاتهما .. أين هي الانسانية هنا ؟

كلنا يعلم أنها حقيقة لا كلمات , فكما اختفت الانسانية من علاقة الانسان بذويه اختفت من العلاقات الأخوية و الصداقة أيضاً فالثقة و الأمانة تكاد لا تعلم ملامح لها بيننا و ان وجدت بقيت سراً خوفاً عليها من الحسد , و بالطبع ستجد نفس المصير لهذه الانسانية المنقرضة بين الرجل و زوجته , فلا يعلم للانسانية وجوداً لها مع زوجته و هي كذلك تطرها كلما دخل زوجها البيت أو دار أي حديث بينهما , انسانية انسانية .. باتت من عجائب الدنيا المستفحلة

النسيان و الانسانية .. ما هو الترابط بينهما غير أحرف النون و السين و الياء ؟

الانسانية صفة اكتسبنا منها تصنيفنا بين المخلوقات تحت اسم.” انسان ” لحمل هذا المخلوق كل هذه السمات التي ارتفعت الى أعلى الدرجات حيث ميزه رب العالمين بنعمة العقل و التفيكر و اختيار المصير , و كما جعله مميزاً بحمله كل هذه المحبة و الألفة و التعاون بين أفراد البشر عامة , و خاصة بكل مشاعر الحب و الاخلاص و الوفاء و الرعاية بين المجتمع الواحد أو الأسرة بشكل خاص , و حين يتحول هذا الانسان الى ألة بشرية تعمل دون توقف كما تم ذكره أعلاه ينسى أن عليه واجبات و حقوق يجب وفائها تجاه أسرته الصغيرة و أيضاً تجاه أهله و ذويه ضمن اطار عائلته و عشيرته , فكلما زاد اخلاصه للألة داخله ابتعد عن محيط العائلة و الأسرة و الأصدقاء بحجة النسيان .. فتارة ينسى اتصالاً بهم , و تارة ينسى موعد أو ذكرى تجمعه بهم , و الأدهى أن ينسى متى رأى والديه أخر مرة قبل كم من الأعوام , و ينسى أيضاً أعمار أولاده أو مسؤولياته تجاههم , و بالطبع سينسى أي مشاعر تربطه بهم جميعاً من بينها الزوجة التي ستتحمل أو تهجر العيش معه أو تكون هي الأخرى قد تحولت الى ألة مثلة لنعرف ما هي أبعاد مشكلتنا حين نربي أولاداً لنا بين ذوين لهم تحولا الى ألات تحت ضغط الحياة و المعيشة القاسية عليهم , فماذا نتوقع أن يكون نتاج عالمنا من الأجيال القادمة التي خلت رعايتها و اهتمامها و تربيتها من الانسانية تحت ذريعة النسيان ؟

ما هو الحل لهذه الانسانية المهددة بالانقراض من كل بيت و أسرة و مجتمع نعيش به ؟

علينا أولاً أن نكف عن اختلاق الأعذار لعدم التواصل الاجتماعي و الأسري , فعلى الانسان أن يتواصل مع أهله و ذويه كما أمرنا سبحانه و تعالى بصلة الأرحام , و أن يرعى والديه و لا ينقطع عن زيارته قدر استطاعته ,و أيضاً بتواصله مع أفراد المجتمع الذي يعيش به , و بالطبع تخلصه من كلمة النسيان ذريعته التي لا ينفك يستخدمها مع أختها الحجة الثانية و هي ” لم يكن لدي وقت ” و أن يسعى جاهداً للحفاظ على ما تبقى من انسانيتنا و أن لا يكون عبداً أو ألة تتحكم به بلا مشاعر أو أحاسيس أو انسانية و أن يغرس بذور الانسانية في الأجيال القادمة في الأسرة و المجتمع و العالم الانساني أيضاً

[email protected]