قد يبدو معنى هذا لمصطلح غامضاً عند استعماله في العلاقات البشرية، ولكنه في غاية الأهمية في عصرنا هذا. العصر الحديث هو عصر اتصالات لا حدود لها بين الأفراد والمجموعات البشرية وبدأت التحديات التي يتحدث عنها الناس تحديات مشتركة. الحديث يدور حول حماية البيئة، تقلبات المناخ وحماية كوكب الأرض. هناك الحديث عن الحريات الفردية وحقوق الشعوب ونبذ الميول العنصرية.
يختلف الإنسان عن بقية الكائنات الحية بانه مصدر الأفكار الجديدة التي ساهمت بمفردها على تطور البشرية والكوكب الذي نعيش عليه. يتواصل الانسان مع غيره ويبدأ بمزج فكرة ومفهوم مع فكرة ومفهوم اخر. عملية المزج هذه تنتج أفكار جديدة ومفاهيم حديثة مهمتها الأولى والأخيرة هو دفع الاقوام البشرية نحو التطور وحياة أفضل.
عملية المزج ليست حديثة العهد وبدأت بوضوح قبل أكثر من خمسين ألف سنة. حتى أواسط هذه الحقبة الزمنية كانت عملية المزج عملية بسيطة وبدائية تعني بمزج أفكار ونظريات متطابقة. بعدها بدأ الكائن البشري بمزج أفكار متناقضة وغير متطابقة لإنتاج مفاهيم جديدة من اجل حياة أفضل. هذا ما يفسر أبداع الإنسان الفني والعلمي والفكري على مدى الألفيات الخمسين الماضية من حياة البشرية. هذا الولادة للأبداع البشري يمكن تسميتها بعيد ميلاد الأبداع وتم تحديده بالتنقيبات الأثرية للكهوف حيث لم يتم العثور على تمثيل واحد لوجه الإنسان قبل هذه الحقبة الزمنية. بعدها ولدت الحضارات والأديان والفلسفة والفن والعلوم.
ولكن ما الذي يحدث في العالم العربي؟
هل ستولد مفاهيم جديدة؟
هل تختلف الشعوب العربية عن بقية الأقوام البشرية في قابليتها على ممارسة عملية المزج؟
لا تختلف الشعوب العربية عن بقية الأقوام البشرية في قابليتها على ممارسة عملية المزج. اتصل العرب بغيرهم من الأقوام قبل الإسلام وبعد الإسلام ومزجوا ما لديهم من مفاهيم وأفكار مع مفاهيم وأفكار غير متطابقة مع المفاهيم الإسلامية، وولدت من جراء ذلك مفاهيم وأفكار نسميها الآن أسلامية. محتوى هذه الأفكار والمفاهيم هو نتاج عملية المزج ولكن أطارها فقط هو الأسلامى.
توقفت عملية المزج الإسلامية بعد نجاح فيردناند وإيزابيلا في تطهير أسبانيا من العرب والمسلمين واليهود في واحدة من أبشع عمليات التطهير العرقي البشري في اواخر القرن الخامس عشر. تزامنت عملية التطهير العرقي في جنوب ووسط أسبانيا مع بداية عصر النهضة الأوربية التي كانت تجري في شمال الأراضي الاسبانية وعموم شمال وغرب أورب. احتضنت القسطنطينية وسلاطين عثمان من تم تهجيرهم ولكن الدولة العثمانية أصيبت بشلل فكري منعها من ممارسة عملية المزج بصورة صحية لأسباب سياسية وعرقية ودينية. مقارنة ببقية القوام البشرية يكن القول بان الدولة العثمانية بدأت في عملية نزول وانحدار نحو الهاوية قضت عليها وعلى خرافة عظمة الخلافة الإسلامية.
اتخذت عملية المزج زخماً جديداً في القرن العشرين وتعثرت عدة مرات لأسباب سياسية وإقليميه واقتصادية لم تساعد الشعوب العربية على ممارسة العملية المطلوبة حتى دخل العالم باسره في عصر الاتصالات الإلكترونية الفضائية الحديثة. بعدها ولدت مفاهيم جديدة وبدأت الشعوب العربية تتحدث عن الحرية والديمقراطية وبناء مجتمعات حديثة.
الذي يحدث في العالم العربي الن هو صراع من اجل وقف عملية المزج هذا. هناك ثلاثة فرق تتنازع على صدارة الاقوام العربية الإسلامية. هناك فريق ينادي بولاة مفاهيم وأفكار جديدة حديثة وممارسة عملية المزج بصورة صحية. الفريق الثاني ينادي بعملية مزج تجمع بين القديم والحديث. أمأ الفريق الاقوى والذي تصدر دوري الصراع العربي في ربيعه فهو الذي يرفض عملية المزج ويتمسك بالذي يتصوره حصيلة أبداعه هو فقط ولا علاقة له ببقية الحضارات الدونية.
المتصدر لدوري الصراع العربي مهمته قيادة الشعوب العربية في نفس المنحدر الذي توجهت إليه الدولة العثمانية. صدارته للدوري تكمن في قوته الاقتصادية أولاً وتفشي التخلف والمعاناة الاقتصادية من جراء الانفجار السكاني الهائل في العالم العربي الإسلامي منذ بداية القرن العشرين.
عملية الانحدار معالمها كثيرة. أصبحت العنصرية الطائفية واضحة المعالم ولا يستحي من يدعي الثقافة والجاهل على السواء من التفوه بها. يبحث العالم العربي المتحضر عن نظريات علمية ونفسية للنهضة بالشعوب ويتصور بانها كنوز مخفية في كتب التراث والسنة ولا حاجة ألي استعمال قواعد البحث العلمي الحديث. بدا التطهير العرقي للأقليات يمارس بصورة خفية وغير مباشرة حتى أوشكت بعض المناطق أن يختفي فيها من لا ينتمي للتيار الإسلامي المعاصر. يرفض بعض العرب المسلمين في مجالات علمية التعاون مع من لم ينتمي ألي تيار أسلامى معين. وما يثير السخرية هو تمجيد بعض “العلماء” من غير رجال الدين لتعدد الزوجات وهجر لنساء في المضاجع وضرب المرأة عند الضرورة.
هناك عملية انحدار واضحة ولكن الإنسان دوماً سيبحث ويجد سلماً يصعد عليه ليستقبل النور ويمارس عملية المزج.
وعلى كل اسان أن يمتنع عن النزول في منحدر يستعمله الغير و يسقط معه الى الهاوية.