اجمعت جيمع الاديان السماوية على عبادة الواحد الأحد. و أجمعت جميعها على لزوم التحلي بالخلق القويم و النهل من مكارم الاخلاق، و سعت جميعها الى بناء مجتمع فاضل متكامل تسوده القيم الرفيعة و السامية. و لنفس الاهداف سعت حتى الديانات الوضعية، و كذلك كانت القوانين السماوية و الوضعية فمن صقله الدين تحلى بمكارم الاخلاق و من تحلى بمكارم الاخلاق سعى الى الكمال و من سعى الى الكمال حسن خُلقه و خَلقه و اصبح نبعا عذبا يقصده الانام (و انك لعلى خلق عظيم) فكانت الاجابة ثناء (ادبني ربي فاحسن تاديبي). و ماسعي افلاطون و توماس مور الى تاسيس المدينة الفاضلة الا محطات في رحلة الانسان الطويلة، فالرحلة محفوفة بالمخاطر الطبيعية. في السنوات الاخيرة كثرت الايفادات الى دول الجوار و دول العالم الشاسع و الذي اصبح اليوم قرية صغيرة، و يامل اصحاب المبادئ (القابضون على دينهم) ان يكونوا ممن يشملوا بهذه الايفادات، لانهم يؤدون واجباتهم على اكمل وجه و يخدمون و يضحون و يعترف بذلك رؤساؤهم في جامعاتهم و دوائرهم و يعترف بذلك ايضا طلبتهم و مراجعوهم، لكن القاعدة السائدة في مجتمعنا ان المثالية مهزومة مدحورة دائما. فنتيجة اخلاصك و تفانيك في عملك يكرمك مسؤول دائرتك او مسؤول قسمك بحذف اسمك من كل ايفاد ناسين و متناسين كل ما قدمته من جليل الاعمال و طيب الافعال حتى تشعر انك في عالم غير عالمهم ثم تعمل وسائلهم و طرقهم الابعادية الاقصائية و الاسقاطية لشخصك لا لشئ الا لعظيم خلقك و نبلك و تفانيك في عملك، فانت ناجح في عملك لذا يجب اقصاؤك ان لم يكيدوا لك كيدا، و حتى الكثير ممن درستهم و علمتهم و سهرت من اجلهم و شهدوا لك بالاخلاص و التفاني و المثالية و الالتزام بالثوابت يقفون اليوم في طريقك مدعين انك لا تسير مع التيار و يريدون منك ان تتلون و ان تميل مع الريح و ان تكون انتهازيا منافقا و افعى تسلخ جلدها بل حرباء تتلون مع الظروف المحيطة بها و ان تنحني للباطل و تجامل الجاهل الذي صنعه نفاقه و تلونه فتبوء مناصب لا يستحقها. فتيار اليوم يعتبر الانتهازية نوعا من انواع الذكاء واذا لم تكن مثلهم (فانت حنبلي) و انت (غير عصري) و انت (طراز قديم) و يبغضك كل وقح و لئيم و تكثر التسميات. و يالعجبي ان يرشحك مسؤولك الاداري رئيسا لقسم و يرشحك ثانية مديرا لاحدى الدوائر و يقر بكفاءتك فترفض ذلك من منطلق (و للاخرة خير لك من الاولى) في حين تُحرم من ايفادات كثيرة بُعث فيها البعض من تلاميذك الفاشلين و المنتحلين لنتاجهم، و يُبعث من يكون خادما و صاغرا لرئيسه متلونا و مادحا كشعراء الملوك و الامراء الساعين لكسب المال. فما اضيق العيش مع امثال كافور الاخشيدي (وما اضيق العيش لولا فسحة الامل). و تلحظ ان حاشية الرئيس هي نفسها لكل السنين فهي تتلون و تطاطا الرؤوس اكثر من الخدم حتى انهم يخاطبون السيد العميد بسيادة العميد!!! و المدير بمعالي السيد المدير و يتظاهر احدهم بالادب الرفيع و انه حمل وديع و يقف الساعات عند سيادة العميد و معالي المدير و كانه المراسل في وحدة عسكرية. و ان كان لمسؤولك حاجة عندك تراه يتقرب منك و يقبلك كانه مغرم بك ثم يمدحك و يمنحك اعلى الدرجات في تقييمه السنوي و ما ان تنتهي حاجته حتى يشيح بوجهه عنك و حتى سلام الله ينساه و يتناساه حين تلقاه (كثروا احبابي يوم ظرفي بيه دبس و قلوا اصحابي يوم ظرفي يبس). فهؤلاء المساكين لا تتناسب اعمارهم العقلية مع اعمارهم الزمنية و حين يمنحك الله فرصه لاكتشاف اخطاءهم و فسادهم تراهم يصبحون كجلد الافعى ناعمين او كالدُخن ناعمين كما يقول المثل العراقي..
فلو كلف المسؤولون انفسهم و دققوا في ايفادات و درجات الطلبة لكانت القارعة ارحم لهم حيث ان الاسماء الموفدة تتكرر و ايفادهم لا يستند الى اسس و ضوابط علمية و اكاديمية فالخبرة لا تنفع و الاخلاص لا ينفع و العمر لا يشفع و مبدأهم رحم الله من نفع و استنفع. فالايفادات للمتلونين و الانتهازيين و ماسحي الاكتاف ان لم اقل (…). اما درجات الطلبة فيسترنا منها رب السماوات حين ينجح طالب و هو جالس في بيته و لم يكلف نفسه حضور يوم واحد او اداء امتحان واحد. ايها المسؤولون أن اتقوا الله و اعلموا (ان زلزلة الساعة لشئ عظيم) و انصفوا و اذا حكمتم بين الناس فاحكموا بالعدل و اعلموا ان عين المظلوم تنام و عين الله لا تنام حين يرقد الانام و لخلق الله كل الحب و الاحترام و السلام.