19 ديسمبر، 2024 12:13 ص

الانتهازية معول للتخريب والهدم

الانتهازية معول للتخريب والهدم

شاع تداول الانتهازية كمصطلح سياسي , إبان  المد الجماهيري  الذي أعقب ثورة تموز 958. أسوة بالمصطلحات السياسية  التي رافقت تلك ألحقبه الزمنية التي اتسمت بثوريتها وعنفوانها.
 علما ان  هذا المصطلح  لا يقتصر على السياسة فقط, بل يتغلغل  إلى كل مجالات الحياة وأنشطتها ,سواء الفكرية ا,والثقافية اوالاقتصاديه ,والاجتماعية وحتى الدينية منها . ويرجع أصل ألكلمه في اللغة إلى  فعل( نهز) أي بادر وتمكن أو أخذه وانتهز ألفرصه أي بادرها وتقمصها.
وانتهاز الفرص ليس عيبا ولا مثلبة, بل هي حق مشروع ,لكل إنسان يروم الوصول إلى منفعة, أو غاية معينه, سواء كانت لصالح الفرد, أو يراد منها الصالح العام , وهي تدل على الشطارة والحنكة والفطنة والذكاء, على ان لا تكون على حساب استغلال الآخرين واستغفالهم , والصعود على أكتافهم ,والتي تسبب اذاِ وضررا لمصالح ومنافع الآخرين.
 فانتهاز الفرص واقتناصها ,يجب ان يتأتى عن طريق التنافس الشرعي الشريف, دون التحايل  والخداع ,وإتباع أساليب المكر والدهاء,  وتدمير الآخرين وسحقهم,  للوصول إلى الغايات والمآرب ,وهو تبرير الغاية بالوسيلة كما يراها ميكيافلي وهو مبدأ خارج عن التسامي والخلق والنزعة الانسانيه.
والانتهازية من الصفات الشنيعة المذمومة, والممقوتة أخلاقيا واجتماعيا, والانتهازي هو الذي يعمل في الخفاء, والظلمة, ويتحاشى النور, كي  لايكشفه الآخرون ,وتتضح مساوئه وعيوبه, ومقاصده الخبيثة ,فهو يطعن من خلف  الجدران  بطعنات قاتله مسمومة  ويتوارى لجبنه وخوفه..
وهو الشخص الناقص, و الفاشل المحبط الذي لا يمتلك ألقدره, والكفاءة في تحقيق ما يصبو إليه من غايات ومآرب, فيتبع طريق الخسة والدنائه لإشباع إطماعه, ورغباته ,ويتخذ من المكر والخديعة, سلما للصعود على أكتاف الآخرين للوصول  إلى مراميه , فيلجئ إلى الحيل والأحابيل ,ويظهر الطيبة والنقاوة والبرائه ويلبس ثوب العفة والنزاهة في تعامله مع الآخرين   ,  ويتبع أسلوب التملق والتزلف والرياء من اجل الوصول إلى ما كان يحبك له من خطط ودسائس , وحالما يحقق مصالحه يدير ظهره وينقلب وحشا كاسرا يطعن بكل جلادة وقسوة .
والانتهازية مرض عضال ينتشر كالوباء, إذا ما وجد أرضا سانحة خصبة لبذراه, فسرعان ما ينمو ويترعرع ويتعذر قلعه واستئصاله  بسهوله, إلى إن يتمكن من نخر عروق المجتمع أو ألدوله التي يتربى وسطها ,فيحطم عريها ويهتك في وشائجها ولحمتها وبناها ويعم فيها الخراب والدمار.
والانتهازي من يغرق بحب ذاته, وتطفح عليه أنانيته, فينسى إنسانيته وأخلاقه ,فلا يترك فرصة للآخرين ,إلا ووظفها لنفسه بكل ما أوتي من وسائل وتدابير خارجه عن المألوف الاجتماعي والعرفي, أو القانوني, المهم إشباع إطماعه وجشعه وإرضاء نزواته وغروره.
يتميز الانتهازي بالغدر, والخيانة والتقلب ,وعدم الثبات ,والاستقرار على مبدأ أو عقيدة , ويتلون بتقمص الأدوار حسب الزمان والمكان, أو المركز وهو بالتالي ينطبق عليه  دور المنافق وصفاته,  الذي خصه بها القرآن الكريم في محكم كتابه.
 في سورة المنافقون (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وان يقولوا أتسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فأحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون)
وهم الذين قال فيهم رسول الله في حديثه الشريف(المنافق إذا تحدث كذب وإذا اؤتمن خان وإذا وعد اخلف).
وشخصهم إمامنا أبا الحسن علي في نهج بلاغته وكأنه يسميهم ويشير إليهم بكل شفافية ووضوح حين يقول ((أوصيكم عباد الله بتقوى الله, وأحذركم أهل النفاق ,فأنهم الضالون المضلون,والذالون المذلون,والزالون المزلون,يتلونون ألوانا,ويفتتنون افتتانا,ويعدونكم بكل عماد ,ويرصدونكم بكل مرصاد,قلوبهم دويه,وصفاحهم نقيه,يمشون الخفاء ويدبون الضراء,وصفحهم دواء وقولهم شفاء ,وفعلهم الداء العياء,حسدة الرخاء,وموكدوا البلاء,ومقتظوا الرجاء ,لهم بكل طريق صريع ,والى كل قلب شفيع,ولكل شجو دموع,يتقارضون الثناء,ويتراقبون الجزاء,ان سألوا ألحفوا,وان عدلوا كشفوا,وان حكموا أسرفوا,قد اعدوا لكل حق باطلا,ولكل قائم مائلا,ولكل حي قاتلا,ولكل باب مفتاح,ولكل ليل مصباح,يتوصلون إلى الطمع باليأس,ليقيموا به أسواقهم,وينفقوا به اعلاقهم,يقولون فيشبهون ويصفون فيموهون,قد هونوا الطريق,وأضلوا المضيق,فهم لمة الشيطان,وحمة النيران,(أولئك حزب الشيطان إلا ان حزب الشيطان هم الخاسرون).
 
وما يعتري عمليتنا السياسية اليوم من وهن وضعف, وركاكة, ومن  إمراض خبيثة, تدب  في جسدها  كالسرطان المميت الذي ينشب  في عروقها وأوصالها ,إلا بفعل هذه الطفيليات والجراثيم من الانتهازيين   الذين ركبوا موجتها بغير وجه حق ,من خلال التملق و التمسح بأذيال الأحزاب النافذة والقادة المتصدرين للمسرح السياسي العراقي.
فهؤلاء لهم الباع الطويل, واليد النافذة ,التي تحرك وتلعب من الخفاء بمجمل فصول المشهد السياسي, ورموزه وما الحالة المزرية التي وصل إليها بلدنا من الاستغراق بالفساد, وتفشي المحسوبية, والرشوة, والابتزاز والسرقة, العلنية والتلاعب بالمال العام, واستشراء ظاهرة النفاق السياسي والاجتماعي, والتحرش الجنسي في معظم دوائر ألدوله ومرافقها , إلا  ومن  ورائه هؤلاء الوصوليين والانتهازيين.
ومتى ما تحققت الديمقراطية التي نشدوا ,إليها بمقوماتها وأركانها الصحيحة, والناجعة من اعتماد, الكفاءه, و العدل والمساواة ,وتكافئ الفرص ,ونظافة الضمير, ووضع الرجل المناسب في مكانه المناسب..
 سيتلاشى ويضمحل دور  هذه الزمر المدمره.
وكل وطني شريف يعتز بعراقه وبالمسيرة التي اختارها شعبه في إرساء البناء الديمقراطي والحضاري ما عليه إلا ان يريح ضميره . ويبادر بالمساهمة  بكشف هذه الطحالب والطفيليات, التي علقت باردان عمليته السياسية,  على ان تتضافر كل الجهود المخلصة من اجل تطهيرهم واجتثاثهم من الجذور.
 فأي عمل سياسي أو اجتماعي لن يقوى إلا بتطهير نفسه من كل الشوائب التي التصقت به ومع مرور الزمن .