شاع تداول الانتهازية كمصطلح سياسي , إبان المد الجماهيري الذي أعقب ثورة تموز 958. أسوة بالمصطلحات السياسية التي رافقت تلك ألحقبه الزمنية التي اتسمت بثوريتها وعنفوانها.
علما ان هذا المصطلح لا يقتصر على السياسة فقط, بل يتغلغل إلى كل مجالات الحياة وأنشطتها ,سواء الفكرية والثقافية والاقتصادية ,والاجتماعية وحتى الدينية منها . ويرجع أصل الكلمة في اللغة إلى فعل( نهز) أي بادر وتمكن أو أخذه وانتهز الفرصة أي بادرها وتقمصها.
وانتهاز الفرص ليس عيبا ولا مثلبة, بل هي حق مشروع ,لكل إنسان يروم الوصول إلى منفعة, أو غاية معينه, سواء كانت لصالح الفرد, أو يراد منها الصالح العام , وهي تدل على الشطارة والحنكة والفطنة والذكاء, على ان لا تكون على حساب استغلال الآخرين واستغفالهم , والصعود على أكتافهم ,والتي تسبب اذاِ وضررا لمصالح ومنافع الآخرين.
فانتهاز الفرص واقتناصها ,يجب ان يتأتى عن طريق التنافس الشرعي الشريف, دون التحايل والخداع ,وإتباع أساليب المكر والدهاء, وتدمير الآخرين وسحقهم, للوصول إلى الغايات والمآرب ,وهو تبرير الغاية بالوسيلة كما يراها ميكيافلي وهو مبدأ خارج عن التسامي والخلق والنزعة الإنسانية.
والانتهازية من الصفات الشنيعة المذمومة, والممقوتة أخلاقيا واجتماعيا.
والانتهازي هو الذي يعمل في الخفاء, والظلمة, ويتحاشى النور, كي لا يكشفه الآخرون ,وتتضح مساوئه وعيوبه, ومقاصده الخبيثة ,فهو يطعن من خلف الجدران بطعنات قاتله مسمومة ويتوارى لجبنه وخوفه.
والانتهازي هو الشخص الناقص, و الفاشل المحبط الذي لا يمتلك القدرة, والكفاءة في تحقيق ما يصبو إليه من غايات ومآرب, فيتبع طريق الخسة والدناءة لإشباع أطماعه, ورغباته ,ويتخذ من المكر والخديعة, سلما للصعود على أكتاف الآخرين للوصول إلى مراميه , فيلجئ إلى الحيل والأحابيل ,ويظهر الطيبة والنقاوة والبراءة ويلبس ثوب العفة والنزاهة في تعامله مع الآخرين , ويتبع أسلوب التملق والتزلف والرياء من اجل الوصول إلى ما كان يحبك له من خطط ودسائس , وحالما يحقق مصالحه يدير ظهره وينقلب وحشا كاسرا يطعن بكل جلادة وقسوة .
والانتهازي من يغرق بحب ذاته, وتطفح عليه أنانيته, فينسى إنسانيته وأخلاقه ,فلا يترك فرصة للآخرين ,إلا ووظفها لنفسه بكل ما أوتي من وسائل وتدابير خارجه عن المألوف الاجتماعي والعرفي, أو القانوني, المهم إشباع أطماعه وجشعه وإرضاء نزواته وغروره.
ويتميز الانتهازي بالغدر, والخيانة والتقلب ,وعدم الثبات ,والاستقرار على مبدأ أو عقيدة , ويتلون بتقمص الأدوار حسب الزمان والمكان, أو المركز وهو بالتالي ينطبق عليه دور المنافق وصفاته, الذي خصه بها القرآن الكريم في محكم كتابه.
في سورة المنافقون (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وان يقولوا أتسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فأحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون)
وهم الذين قال فيهم رسول الله في حديثه الشريف(المنافق إذا تحدث كذب وإذا اؤتمن خان وإذا وعد اخلف).
والانتهازية مرض عضال ينتشر كالوباء, إذا ما وجد أرضا سانحة خصبة نبت فيها , فسرعان ما ينمو ويترعرع ويتعذر قلعه واستئصاله بسهوله, إلى إن يتمكن من نخر عروق المجتمع أو الدولة التي يتربى وسطها ,فيحطم عريها ويهتك في وشائجها ولحمتها وبناها ويعم فيها الخراب والدمار.
وما يعتري عمليتنا السياسية اليوم من وهن وضعف, وركاكة, ومن إمراض خبيثة, تدب في جسدها كالسرطان المميت الذي ينشب في عروقها وأوصالها ,إلا بفعل هذه الطفيليات والجراثيم من الانتهازيين الذين ركبوا موجتها بغير وجه حق ,من خلال التملق و التمسح بأذيال الأحزاب النافذة والقادة المتصدرين للمسرح السياسي العراقي .
فهؤلاء لهم الباع الطويل, واليد النافذة ,التي تحرك وتلعب من الخفاء بمجمل فصول المشهد السياسي, ورموزه وما الحالة المزرية التي وصل إليها بلدنا من الاستغراق بالفساد, وتفشي المحسوبية, والرشوة, والابتزاز والسرقة, العلنية والتلاعب بالمال العام, واستشراء ظاهرة النفاق السياسي والاجتماعي, والتحرش الجنسي في معظم دوائر ألدوه ومرافقها , إلا ومن ورائه هؤلاء الوصوليين والانتهازيين حيث يشكلون ملاذا ومرتعا خصبا يغطي ويستر عورات الفاسدين.
ومتى ما تحققت الديمقراطية التي نشدوا ,إليها بمقوماتها وأركانها الصحيحة, والناجعة من اعتماد, الكفاءة, و العدل والمساواة ,وتكافئ الفرص ,ونظافة الضمير, ووضع الرجل المناسب في مكانه المناسب..
سيتلاشى ويضمحل دور هذه الزمر المدمرة.
وكل وطني شريف يعتز بعراقه وبالمسيرة التي اختارها شعبه في إرساء البناء الديمقراطي والحضاري ما عليه إلا ان يريح ضميره . ويبادر بالمساهمة بكشف هذه الطحالب والطفيليات, التي علقت باردان عمليته السياسية, على ان تتضافر كل الجهود المخلصة من اجل تطهيرهم واجتثاثهم من الجذور.
فأي عمل سياسي أو اجتماعي لن يقوى إلا بتطهير نفسه من كل الشوائب التي التصقت به .