23 ديسمبر، 2024 3:40 م

الانتفاضة السنية وادارة الصراع – 1

الانتفاضة السنية وادارة الصراع – 1

يمكننا القول ان ادارة الصراع هو علم وفن له اصوله ومناهجه يجب على من يقوم به ان يمتلك مجموعة من المهارات والقدرات التي تساعده على اداء مهمته ببراعة واقتدار .
وساتكلم في حلقات عن ادارة الصراع خدمة لاخواننا في ساحات الاعتصام المباركة مستفيدا من تجاربي الخاصة وقرااتي الواسعة في هذا المجال وساذكر بعض المصادر    في نهاية المقالات وبالله التوفيق :
الصراع بين الاطراف السياسية له اركان مهمة يجب التعرف عليها  منها :
1-تحديد الاطراف المتصارعة 2-القضية موضوع الصراع 3-التنافس بين الاطراف المتصارعة لتحقيق الغلبة على الاخر 4- ادوات كل طرف من اطراف الصراع .5-اتفاق معلن او  غير معلن بين جميع الاطراف على  عدم المواجهة والصدام المسلح .
 وهذه الاركان تمثل طبيعة الصراع السياسي الماثل في العراق اليوم وعند تنزيل هذه الاركان على الواقع العراقي نجد الاتي:
1- الصراع هو بين الحكومة والعرب السنة تحديدا .2- القضية تتمثل في الظلم والاضطهاد والتهميش الذي لحق بالعرب السنة تحديدا وبتاريخ العراق وهويته عموما ، وله صور كثيرة مذكورة في قائمة مطالبهم العادلة   3-الادوات لاتزال في اطار التظاهرات السلمية4-تصريح المتظاهرين بانهم سلميون وتصريح الحكومة بشرعية التظاهر 5-ماتزال الاطراف المتنازعة لم تحقق اهدافها فمن جهة الحكومة لم تستطع احتواء الازمة وفشلت في ادارتها ومن جهة المتظاهرين والمعتصمين يكسبون في كل يوم ميادين جديدة على كل المستويات الثقافية والتنظيمية والسياسية  ولكنهم لم يظفروا بالمطالب الاساسية لحد الان .
  ومما يدعو الى الانبهار كون الانتفاضة مابرحت متمسكة بسلمية التظاهر وهذا وعي عميق يحسب لها استطاعت ان تحيد كل القوى المتربصة بها والقلقلة منها  ولم تنجر لحد الان الى ميادين المواجهة التي يدعو اليها بعض المتعجلين الذي لايقدرون مالات المواجهة ونتائجها المرة والقاسية  والتي سيندم  بسببها الجميع ولكن بعد فوات الاوان  كما قال بطل من ابطال الحروب عمرو بن معدي كرب وقد قضى حياته مقاتلا  :
الحَرْبُ أوّلَ مَا تَكونُ فُتَيّة ً

تَبْدُو بِزِينَتِهَا لِكُلّ جَهُولِ

حتى إذا حَمِيّتْ وَشُبّ ضِرَامُها

عادتْ عجوزاً غيرَ ذاتِ خليلِ

شَمطاءُ جَزّتْ رَأسَها وَتَنَكّرَتْ

مكروهة ً للشَّمِّ والتقبيلِ
 وكما قال الحسن البصري رحمه الله : ( الفتن إذا أقبلت عرفها كل عالم وإذا أدبرت عرفها كل جاهل)
ويجب القول ان بعض الصراعات يمكن ان يتحكم في ضبط ايقاعها الطرفان وذلك بقدر مايتميزان به من الحكمة وبعد النظر والامساك بالمحركات الاساسية لقوى الصراع . وهذا في نهايته عائد الى مفردات اللغة المستخدمة والاشارات المفهومة من الطرفين لبعضهما وعلى مدى انضباط الجماهير للقيادات الميدانية التي تدير الصراع .
   الا ان الخوف والقلق يتصاعد حينما يتعنت احد الطرفين اما في المطالب او في عدم الاستجابة للمطالب المعقولة من الطرف الذي يشعر بالمظلومية . وحينئذ هناك احتمال انفلات الازمة وعدم القدرة بالتحكم بالجماهير الغاضبة وحينئذ يدخل الجميع في ميدان لم يختاروه وليس عندهم قدرة التحكم به .
مستويات الصراع:
ان معرفة نوع الصراع وتحديد مستواه مهم  جدا للمشتركين فيه لوضع استراتيجياته وادواته المناسبة ولقد ذكر الباحثون في الاستراتيجيات ثلاثة انواع او مستويات من الصراع هي: 
اولا:الصراع المصيري:
وهو اصرار كل طرف من اطراف الصراع وسعيه التام في القضاء على  خصمه واخراجه من ساحةالمعركة ذليلا منكسرا ومستسلما بدون قيد او شرط .وغالبا مايكون هذا الصراع طويلا ومدمرا للطرفين . وفي يقيني ان الصراع في العراق الدائر في العراق اليوم لااحد يريد ان يدخله في هذا المستوى . الا  ان البعض  يهتف  احيانا باسقاط النظام او اسقاط الدستور ولايدري ان هذا نوع من اعلان الحرب لان الاصرار على تغيير النظام او اسقاط الدستور   لايتم الا باحدى طريقتين :
1-  اما بالادوات الدستورية نفسها وتحتاج الىتحقيق النصاب المطلوب وهو غير متوفرالان
2-او الذهاب الى استخدام القوة والحرب الشاملة لتغيير النظام .
   والسؤال حينئذ للذين بحت حناجرهم بهذه الهتافات هل يمتلكون القوة الكافية التي تمكنهم من  التغيير  بدون ادخال البلاد في محرقة الموت كما هو مشاهد في سوريا ؟ واذا كان الجواب بالنفي فماعليهم الا ان يتدبروا طبيعة الهتافات والمطالب التي يطلبونه وهل هي داخلة في ضمن المطالب الواقعية ام لا ؟ وهل داخلة ضمن التكليف الشرعي ام لا (مقال سانشره قريبا باذن الله )؟
ثانيا:الصراع الجوهري:
هو صراع حول امور محددة ومشخصة لكن لها اهمية استراتيجية كالقضية الدينية او القومية او اللغوية او شكل الحكم او رفع المظالم والافراج عن السجناء او ا لتهميش والاقصاء او عدم التوازن في اجهزة الدولة  او الغاء المحاصصة الطائفية او المطالبة بالاقليم . وهو المستوى الذي يتطابق مع الانتفاضة او الحراك الحالي وفق اهدافه المعلنة .
ثالثا:الصراع العرضي :
 وهو صراع ثانوي وذلك بان يستغل احد الطرفين بعض الظروف المتاحة لتحقيق مكاسب مؤقتة وغالبا ما ينتهي هذا الصراع بانتهاء الظرف الذي اوجده او بالتفاهم مع الطرف الاخر بطريقة رضائية . وهو مايحصل بين بعض الاطراف السياسية من مماحكات سرعان ماتحل وتزول بزوال اسبابها وظروفها .
ولاشك ان هناك مستويات اخرى للصراع منها النزاع والتوتر والقتال والمجادلات والازمات . ومن البديهي ان كل هذه الانواع يمكن ان تدخل كجزء من التوصيفات والاعراض الملازمة للصراع الحالي بين الحكومة والمحافظات السنية .
واذا كان المستوى الثاني هو الوصف المنطبق على الصراع الحالي بين السلطة والجماهير السنيىة الغاضبة فهناك ثلاثة اسئلة على الاطراف المتنازعة ان تجيب عليها:
1-هل يمكن التعايش بين اطراف النزاع وبدون  ايجاد اي حل وابقاء الامور على ماهي عليه.
  2-هل يمكن للحكومة ان تتنازل بالاستجابة لبعض مطالب الجماهير ورفض البعض واذا كان  هذا هو خيار الحكومة فهل يمكن ان ينتهي الصراع ام انه سيتطور باتجاه التصعيد من قبل الجماهير .
3-  وفي كل الاحوال هل يمكن ان يضبط الصراع في وصفه السلمي ام انه قابل للانفلات .
وعلى الحكومة تحديدا الاجابة على الاتي:
هل يمكنها انهاء الصراع   باساليب سلمية بعيدة عن العنف لتجنيب البلاد الحرب الطائفية ؟  وهل يمكنها التحكم في ادارة الصراع السياسي اليوم  بايجاد حلول جذرية للازمة  ام انها ستخضع لنزوات المراهقين من امثال البطاط  ويصبح المشاركون في الاقتتال  مجرد ادوات لاقوة لها؟
لحد هذه اللحظة يمكن القول ان جميع الاطراف ماتزال تتمسك بالاساليب السلمية الا ماحصل في من احداث الفلوجة التي راح ضحيتها ثمانية شهداء وعشرات الجرحى والحكومة تنصلت من المسؤولية والقضية قيد التحقيق .
وهناك متلازمة اساسية لجميع الاطراف المتنافسة التي تدير الصراع  تتمثل في تقوييم كل طرف من الاطراف لما حققه من الاهداف وتقويم نوايا الطرف الاخر وخططه المستقبلية. بغية الاعداد لاساليب جديدة ومتجددة بما ان ادارات الصراع تخضع لظروف متغيرة تحكمها قاعدة توينبي في التحدي والاستجابة في عصر اختفت فيه خطط الاستراتيجية البعيدة المدى  ودخل مصطلح ادارة الازمات كما قال وزير الخارجية الامريكي  ماكنمارافي بداية الستينات من القرن الماضي حينما نشبت ازمة الصواريخ  السوفيتية على الاراضي الكوبية .فقد قال حينها :
لقد انتهى عصر الاستراتيجيات وبدا عصر (ادارة الازمات    ) وهو وان كان يتكلم في اطار العلاقات والصراع الدولي الا ان كلامه ينطبق على الصراع السياسي في اطار الدولة الواحدة كما هو الحال في الازمة العراقية بين الحكومة والانتفاضة  من باب اولى .