أن تعيش وفق منطق الأنا الفوقية في عقلك شيء، وأن تعيش وفق منطق أنا والاخرين واقعاً شيء اخر، المتتبع لسير العملية الانتخابية في اقليم كوردستان يجد أن التحزب قد بلغ ذروته في الصراع على الكراسي البرلمانية، وينطبق على الاحزاب الكوردية مبدأ -كل حزب بما لديه فَرِح -، ولكن في الوقت نفسه ينطبق على غالبية الاحزاب الكوردية مبدأ آخر؛ قد يزعج البعض ما اقوله لكن تلك هي وجهة نظري الشخصية التي استنبطها من وقائع ومن صيرورة العمل داخل المجتمع الكوردي في جنوب كوردستان، لاسيما من خلال تتبع اعلام الاحزاب، ومواقع التواصل الاجتماعي وقراءة شخصية قادة الاحزاب ومناظريهم، إذ يتضح بشكل جلي وواضع للعيان أن مراهقوا السياسية، وسياسي الاموال، وسياسي القنوات الاعلامية، وسياسي الروك، وسياسي الخطابات والصراخ والحماسة البلاغية، فضلاً عن سياسي الحقد، جميعهم يشكلون جبهة موحدة ضد سياسي المنطق الكوردستاني الساعي لحفظ الاقليم من جهة، والساعي للحفاظ على الشخصية السياسية الكوردستانية من جهة اخرى، على الرغم من كل الصعوبات التي تواجه الاقليم، سواء من الضغوطات الاقليمية المتمثلة بالاحتلال التركي للاقليم، أو التدخلات السافرة لايران في زعزعة أمن واستقرار الاقليم، ناهيك عن احقاد البعض في جبهة العراق الذي يفترض أن يؤمنوا بأن الدستور هو المحفل القانوني التشريعي الوحيد الذي يجب أن يكون الحكم والفيصل في القضايا والخلافات بين الاقليم وبغداد.
نحن هنا لانركز على حزب وشخصية واحدة، كما أننا لاننفي وجود الفساد المالي، والاداري والفساد بكل تصنيفاته، ولاننزه الحكومة التي تدير الاقليم التي لاتمتلك خطط بديلة للازمات، ولاتملك سلطة موحدة على جميع الاقليم، كما أننا لانقوم بالدعاية الحزبية، فالانتماء الاكثر شيوعاً لدى الكثيرين من كورد الجنوب هو لكوردستان، لذلك النظر الى الوقائع لاتتم من خلال منظور حزبي دعائي، إنما من خلال الفوضى التي خلفتها الدعاية الانتخابية كواقع تاريخي ملموس ومنظور وواضح لدى غالبية الطبقة الواعية الكوردستانية سواء في جنوب كوردستان أو في باقي اجزاء كوردستان المحتلة، لأن الفوضى العقلية التي عاشها سياسيوا الجبهة المناهضة لوجود كيان كوردستاني قوي، أتت في الاصل من خلال العداء اللامنطقي للحزب المنافس أو للاحزاب المنافسة وللشخصيات المنافسة، وذلك ما اتضح بشكل كبير في خطاباتهم العدائية التنقيصية لتلك الشخصيات، ما يؤكد أن الفوضى العقلية قد تمكنت منهم، لاسيما إذا ادركنا أن الفوضى العقلية تعني: القلق المستمر ، فخاخ التفكير ، التحميل الزائد للمعلومات ، قوائم المهام التي لا تنتهي، فالقلق من فوز المنافس واكتساح الساحة السياسية، ولاجدوى صراخهم وسبهم وشتمهم ومحاولتهم لاثارة النعرات، فضلاً عن الفخاخ التي وقعوا بها جراء تتبعهم لاجندات خارجية اوهمتهم بالتدخل والمساعدة والعمل على فوزهم، ناهيك عن تلك المعلومات المضللة التي أثقلت حملهم وفاقت عقولهم الصغيرة على العملية السياسية الكوردستانية، حتى أنهم فشلوا في اتمام المهام التي كلفوا بها من قِبل اسيادهم، كل ذلك خلق فجوة كبيرة بين منطقهم اللامنطقي اللامعقول اللاكوردستاني، وبين القاعدة الواعية لاهمية وجود اسم كوردستان وكيان كوردستاني وحكم كوردستاني.
إن الفوضى القعلية التي عاشها هؤلاء الساسة اعطت رؤية واضحة حول الحالة التي يعيشها اغلبهم، وابتعادهم عن طريق خلق مجتمع مدني واعي بعيد عن قشور المفاهيم التحررية والحريات بصورة عامة، فتصادم الاراء وتضارب المصالح، أدت الى ارتباك وتوتر في عقولهم مما خلق فجوة بينهم وبين قواعدهم التي وعت كثيراً عدم وجود عقلية سياسية لدى قادتهم، ناهيك أن الجماعات الواعية خارج الاطار الانتخابي ايضاً أدركت بأن هؤلاء لايمكن أن يعول عليهم، فالتضليل الاعلامي الذي اعتمده تلك الفئات والمعلومات الخاطئة لاثارة الرأي العام لم تثمر شيئاً، فضلاً عن محاولتهم لشراء الذمم واستقطاب بعض الوجوه السياسية المنافسة لم تنجح بعكس الجبهة المنافسة، كما أن المصالح الشخصية والحزبية لبعض الاشخاص والاحزاب والتي عمدت الى تضخيم بعض الاحداث التي تتداخل وتتاشبك مع رؤى وايديولوجيات اقليمية خارجة عن الاقليم دون وعي نقدي وتفكير منطقي أدى الى تعرية عقولهم، فضلاً عن كون اسلوبهم الاستهزائي الانتقامي لاثارة العواطف لدى بعض الطوائف الدينية وبعض الاحزاب غير المرخصة داخل الاقليم، مع استخدام اسلوب التحفيز والتخويف في نفس الوقت، كل ذلك لم يجدي نفعاً بل العكس تماماً، أثر ذلك على قراراتهم الانتخابية، وعلى مكانتهم الحزبية، وعلى وجودهم الكوردستاني.
في المقابل عمدت الجبهة الاولى الى إعتماد شخصيات ذات وزن سياسي واجتماعي وعاطفي معاً، وسعت بثبات في حملتها الدعائية، دون الخروج على المنطق، والعقلانية، إذ كان خطابهم ثابتاً ومتحدياً لكنه غير مبتذل، وغير فوضوي، وغير معادي، فإثارة حماس الاتباع لم يكن من خلال سب وشتم المنافس، إنما من خلال منطق كوردستان واسم كوردستان والحفاظ على كوردستان على عَلَم كوردستان وبيشمركة كوردستان وقضايا كوردستان، حتى إن لم يكن الامر كذلك لكن كان ذلك الخطاب الواعي والاختيار الانسب لخلق قوة دعائية ورأي عام توحيدي الى حد ما ضد الجبهة التي ارتمت باحضان الساعين لانهاء الاقليم.
حقيقة إن فوضى العقول لسياسي الحالة، أو سياسي الظروف اعطت للجبهة المنافسة القيمة السياسية الواعية وخلقت فجوة كبيرة بين قواعد الجبهة الفوضوية وقادتهم، وذلك ما سمح للمنافس باستغلال تلك الفجوة وخلق علاقة تواصلية متينة بين قيادتها وقواعدهم الشعبية، حتى وإن كان الاعتماد جاء وفق منطق العشيرة والانتماء، لكن ذلك لم يمنع من بروز اشخاص مدركون لمهامهم التي تلقوها من قيادتهم، وساروا بثبات نحو هدفهم وهو الفوز بالانتخابات.