19 ديسمبر، 2024 1:15 ص

الانتخابات والعلمانيون – ٢

الانتخابات والعلمانيون – ٢

عندما كتبت مقالة «الانتخابات وهوس المؤامرة»، لم أكن قد قررت كتابة سلسلة مقالات عن الانتخابات، يكون لكل مقالة منها عنوانها المستقل، ولكن بحيث تبدأ كلها بعبارة «الانتخابات» ويتقدمها رقم حسب تسلسل المقالات، ولذا رجوت موقع «الحوار المتمدن» إضافة الرقم 1 على المقالة الأولى «الانتخابات وهوس المؤامرة». أما المواضيع التي سأتناولها في مسلسل مقالاتي عن الانتخابات، فهي ابتداءً كالآتي:

1. الانتخابات والعلمانيون

2. الانتخابات وتقدم

3. الانتخابات وسائرون

4. الانتخابات والحزب الشيوعي

5. الانتخابات والمقاطعون

6. الانتخابات ولوبي ولاية الفقيه

7. الانتخابات والعبادي

8. الانتخابات ورؤساء الكيانات

9. الانتخابات والشيعة

10. الانتخابات والمرجعية

11. الانتخابات والتدخلات الخارجية

12. الانتخابات والوجوه الجديدة

13. الانتخابات وسقوط وجوه قديمة

لكن لن أجعل لكل عنوان من العناوين أعلاه مقالة مستقلة، بل العناوين تشير فقط إلى ما سأتناوله، وربما سيكون أكثر من عنوان متضمنا في مقالة واحدة. ولعلي أتناول موضوعات أخرى لم تذكر هنا. وسأحاول أن أجعل مقالاتي قصيرة نسبيا.

وفي مقالاتي هذه ربما سيزعل علي بعض الأصدقاء، ولكني أقول قناعتي بصراحة، وأمضي، ولا أدعي أن الصواب كله فيما أذهب إليه.

في هذه المقالة سأتناول العلمانيين وعموم المدنيين في هذه الانتخابات.

إذا اعتبرنا القوائم العلمانية هي كل من:

الحزب الشيوعي تحديدا من (سائرون)
التحالف المدني الديمقراطي.
تحالف تمدن.

فمجموع الذين فازوا من هؤلاء خمسة فقط، شيوعيان واثنان من تمدن وواحد من المدني الديمقراطي (التيار الاجتماعي الديمقراطي). فزادوا عن المرة السابقة بمقعدين، علاوة على أنه لحد الآن لم تظهر لنا مؤشرات على نية التنسيق، وربما التحالف داخل مجلس النواب. فهذا التحالف أمامه عقبة كبيرة تجعله شبه مستحيل، ألا هي خروج النائبين الشيوعيين من (سائرون) الصدرية، وبالتالي الشيعية الإسلامية ذات الاتجاه العراقي، تمييزا لهم عن بقية الشيعسلامويين الموالين لولاية الفقيه، أو كحد أدنى المنسقين مع إيران والراضين بجعل مصالحها وآيديولوجيتها كأحد أهم العناصر المؤثرة في قرارتهم، عبر انقيادهم لقاسم سليماني كممثل لخامنئي.

أما أسباب هذا الضعف للقوى الديمقراطية العلمانية أو المدنية، فهي بلا شك عديدة، ولا يمكن حصرها بسبب واحد. منها حقيقة أنه لحد الآن لم تتكون ثقافة عامة لشريحة واسعة ومؤثرة من الشعب العراقي، تعتمد الديمقراطية العلمانية، وبالتالي مبدأ المواطنة، وفصل الدين كليا عن السياسة. ومن أسبابها إن الشيعة باعتبارهم يمثلون أكثرية الشعب العراقي، وبالتالي تكون خياراتهم هي الأشد تأثيرا على نتائج الانتخابات من غيرهم، انقسموا إلى أربعة أقسام؛ قسم منهم غير مبال بالشأن العام ومثل هؤلاء موجود في كل المجتمعات، وبالتالي غير مكترثين بشؤون الدولة والسياسة وبالانتخابات. وقسم موال للأحزاب الشيعية الإسلامية، وما زال رغم كل الذي حصل مخدوعا بهم لأسباب آيديولوجية إسلاموية أو مذهبية طائفية. وقسم يكره هذه الأحزاب، لأنها لم تقدم له أي خدمة، ولكنه مع هذا يذهب لانتخابها، خشية أن يكون البديل من السنة أو العلمانيين، وكلاهما، حسبما أوهموه سيحرمونه من نعمة الإفراط في الشعائر التي تتقدم عنده في أولوياته على كل شيء. وقسم واعٍ ورافض لسياسات القوى المتنفذة، لكنه اختار المقاطعة، إما لأنه يائس من التغيير، وإما لأنه تصور أنه سيسقط هذه النخبة السياسية السيئة عبر مقاطعته، بينما كان سيشكل قوة إضافية للقوى الديمقراطية العلمانية والمدنية المؤمنة بالمواطنة والرافضة لتسييس الدين والطائفية السياسية والمحاصصة والفساد.

أما من أسباب الضعف الذاتية، فإني ومع احترامي لمن لا تنطبق عليه الملاحظات التي أذكرها هنا، ذلك أن التقاليد الديمقراطية لم تترسخ بما فيه الكفاية في معظم القوى والشخصيات الديمقراطية العلمانية. وهذا الموضوع له حديث يطول، لا أريد حاليا تناوله، ولكن ربما تكون لي وقفة معه في وقت لاحق.

ثم إن من أسباب ضعف هذه القوى الديمقراطية هو تشتتها، بالرغم من أنه كانت هناك محاولة، لو كتب لها أن تنجح، ربما، وأؤكد على ربما، لحققت قدرا أكبر بشكل ملحوظ من النجاح. وأعني بها تجربة تحالف القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، الذي تطلع إليه الجميع كأمل كبير، وتفاعلت معه الجماهير الرافضة للقوى السياسية السيئة، ولكن سرعان ما انفرط عقد هذا التحالف، بقرار الحزب الشيوعي الذهاب مع التيار الصدري لتشكيل (سائرون).