15 نوفمبر، 2024 8:32 ص
Search
Close this search box.

الانتخابات والبدع المتحولة إلى دستور

الانتخابات والبدع المتحولة إلى دستور

والآن مع موضوع هذه الحلقة، ألا هو «الانتخابات والبدع المتحولة إلى دستور» غير مكتوب. فهناك مجموعة ابتكارات ابتكرتها النخبة السياسية المتنفذة، أصبحت وكأنها دستور ملزم. وأحب هنا أن أعدد بعض هذه الابتكارات أو ما أسميته بالبدع التي تخيلوها إبداعات:

الكتلة ذات العدد الأكبر من المقاعد: الذي سن هذه السنة السيئة والتي عليه وزرها ووزر من عمل بها، إلى وقت إجراء التعديل الدستوري، هو كما نعلم نوري المالكي وسائر الشيعسلاميون*، للحيلولة دون تكليف أياد علاوي بمحاولة تشكيل الحكومة، باعتباره رئيس الكتلة البرلمانية ذات العدد الأكبر من المقاعد (91 مقعدا مقابل 89 مقعدا آنذاك للمالكي رئيس دولة القانون). ومحكمتنا الاتحادية غير المحايدة وغير القادرة على تحدي الضغوطات السياسية، حكمت بصحة ما ذهب إليه المالكي، حيث تشكل (التحالف الوطني) الشيسعلاموي، من خلال ائتلاف (ائتلاف دولة القانون) المالكي و(الائتلاف الوطني) الحكيمي مع بقية القوى الشيعسلاموية. وهذا غير معمول به في أي دولة ذات نظام ديمقراطي برلماني. فهناك أعراف تعتبر من المسلمات في النظام الديمقراطي البرلماني، يلتزم بها، حتى لو لم ينص عليها الدستور بشكل صريح وواضح وغير قابل للتأويل. لكن بعض مواد دستور 2005 كتبت بلغة (المُتشابِهات) لا بلغة (المُحكَمات)، إما غفلة أو عمدا. وإلا في كل دول العالم الديمقراطية ذات النظام البرلماني، يكلف رئيس الحزب ومرشحه لرئاسة الوزراء الذي حاز من خلال الانتخابات، وليس عبر ائتلاف مابعدي على أكبر عدد من المقاعد، وعندما لا يكون هذا الحزب قد حاز على الأغلبية المطلقة ليشكل الحكومة وحده دون محاصصة ولا توافقية، كما هو الأمر في أغلب الحالات، يذهب الحزب للتفاوض مع حزب آخر أو أكثر، لتشكيل حكومة ائتلافية، وهناك معياران أساسيان يجعلان الحزب الفائز بموجبهما يختار الحزب الذي يتفاوض معه على الائتلاف الحكومي، الأول عدد مقاعد الحزب الثاني، بحيث يشكلان سوية أغلبية برلمانية مطلقة، وإلا فييبحثان عن حزب ثالث، والمعيار الثاني مدى قرب البرنامج السياسي والبرنامج الانتخابي مما يعتمده الحزب الفائز. لذا اقترحت فيما أسميته بالدستور العلماني أو دستور 2025 تعديل نص المادة (76) – أولا، ليكون كالآتي: «يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكيان السياسي أو الائتلاف الانتخابي الحائز عبر الانتخابات على العدد الأكبر من المقاعد النيابية بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انعقاد أول جلسة لمجلس النواب، ولا يجوز تشكيل ائتلاف ما بعد الانتخابات إلا لغرض تشكيل الحكومة في حال كان الكيان الحائز على أكبر عدد من المقاعد لا يملك الأغلبية النيابية المطلقة.» وإن المحكمة أكدت قبل أيام تفسيرها للكتلة الأكبر، فنفت أن تكون هي تلك التي حصلت على أكبر عدد من المقاعد عبر الانتخابات، بل التي ستتشكل في الجلسة الأولى لمجلس النواب الجديد، وهذا أمر متوقع منها، لأنها لو فسرت ذلك تفسيرا صحيحا، لكانت اعترف ضمنيا بخطأ تفسيرها بعد انتخابات 2010. والغريب إني لم أسمع أيا من المحللين السياسيين، وهم غالبا ما يكونون أساتذة علوم سياسية أو خبراء قانونيين، من يقول إن العرف المعمول به دوليا وفي كل الدول الديمقراطية العريقة ذات النظام البرلماني، هو أن تعتبر الكتلة الأكبر هي تلك المتقدمة على غيرها عبر الانتخابات، وليس عبر الائتلاف المابعدي.
الرئاسات الثلاث في سلة واحدة: وهذا ما عمل به منذ انتخابات الجمعية الوطنية مطلع 2005، ثم في كل الدورات النيابية الثلاث بعد إقرار دستور 2005. بينما يجب أن يجري انتخاب كل من الرؤساء الثلاثة بقطع النظر عن بعضهم البعض، ولذا اقترحت في مشروع الدستور المعدل المشار إليه آنفا تعديل نص المادة (72) – أولا، ليكون: «تحدد ولاية رئيس الجمهورية بخمس سنوات، ويجوز إعادة انتخابه لولاية ثانية فحسب.» فبجعل مدة ولاية رئيس الجمهورية غير مطابقة لمدة الدورة البرلمانية، نتخلص من ربط انتخاب الرئيس بمفاوضات تشكيل الحكومة وتشخيص المرشح المكلف لتشكيل الحكومة، وكذلك ربطها بانتخاب رئيس مجلس النواب. وبالتالي يجب التخلص من سنة جعل نائبين أو ثلاثة لرئيس الجمهورية، بل لا يكون لرئيس الجمهورية إلا نائب واحد، كما هو معمول به في النظم الديمقراطية سواء الرئاسية أو البرلمانية.
التحالفات الانتخابية بدل الأحزاب: يفترض كما هو الحال في كل النظم الديمقراطية أن يكون الترشيح لعضوية البرلمان إما عبر القوائم الحزبية، فيخوض كل حزب المنافسة الانتخابية كحزب، وإما عبر الترشيح الفردي للمستقلين. لأن الحزب له فكره السياسي ووجهته السياسية وبرنامجه السياسي، مما يجعل الناخب أمام مشهد واضح لخياراته. ولكن للأسف أداء معظم الأحزاب في العراق، وتجربة حزب البعث القاتلة من قبل، جعل الكثير من العراقيين ينفرون من الأحزاب والتحزب، بينما الحياة الحزبية، إذا كانت أحزابا سياسية، وليست أحزاب مكونات، هي من المقومات الأساسية للنظام الديمقراطي التعددي.
التوزيع الثلاثي للرئاسات الثلاث: رئيس الجمهورية كردي، رئيس الوزراء شيعي، رئيس مجلس النواب سني عربي. ألا يعني هذا حرمان المسيحي والمندائي والإيزيدي، وحرمان التركماني والفيلي والشبكي والكاكائي والبصري داكن البشرة ذي الجذور الأفريقية من تبوؤ أي من الرئاسات ثلاثث، حتى لو ثبت أن أحدهم الأكفأ، وحتى لو حصل أحدهم يوما ما أكثر من غيره على أصوات الناخبين؟

وهناك بدع أخرى أهملت ذكرها اختصارا. فتصحيح مسار العملية السياسية يتوقف فيما يتوقف عليه على إنهاء البدع اللادستورية بديلة الدستور، وعلى تعديل الدستور، واستئصال الألغام الدستورية منه، وتحويل (المُتشابِهات) الدستورية إلى (مُحكَمات) دستورية، تستغني عن التأويل، فيؤولها أحيانا الذين في قلوبهم زيغ إلى ما يتعارض مع المصالح الوطنية والتقاليد الديمقراطية ومبدأ المواطنة.

*: منحوتة من (الشيعة الإسلامويون)

أحدث المقالات

أحدث المقالات