23 ديسمبر، 2024 4:27 ص

الانتخابات بين مبدئية السيد مقتدى وبراغماتية الحكيم

الانتخابات بين مبدئية السيد مقتدى وبراغماتية الحكيم

لا يختلف إثنان على ان انتخابات مجلس النواب 2014 قد زُوٍرت بإمتياز من قبل مفوضية الانتخابات وخصوصا بواسطة عدد من أعضاء مجلس مفوضيتها مع خضوع وخنوع وإنبطاح بقية أعضاء المجلس وعددٍ آخر من كبار مسؤوليها الذين جيء بهم بالمحاصصة والمحسوبية والمنسوبية فسكتوا عن عمليات التزوير الكبرى مقابل الترغيب والترهيب.

وبعد انتهاء الانتخابات وقبل اعلان النتائج وبعدها ظهر جميع رؤوساء الكتل – فيما عدا الكتلة التي حصلت على حصة الاسد جراء عمليات التلاعب والتزوير – معربين عن امتعاضهم وإستياءهم من سرقة أصوات ناخبيهم ولمقاعدهم التي يستحقونها بفعل مفوضية الانتخابات وعدم استقلالية أعضاء مجلسها رغم ان لدى بعض الكتل ممثلين في هذا المجلس الذين باعوا انفسهم للكتلة الاكبر مقابل منافع شخصية ودنيوية رخيصة.
الغريب في الامر الا أن اغلب الكتل سكتت لاحقا بعد حصولها على مناصب ووزارات تدر عليهم منافع وإمتيازات كبيرة وكان هذا هو هدفها من خوض الانتخابات فتجاهلت التزوير الذي مُورسَ ضدها، وتغاضت وأهملت الدفاع عن اصوات ناخبيها المسروقة ومقاعدها المُتلاعب بها فيما عدا البعض من قيادات الكتل وفي طليعتهم السيد مقتدى الصدر الذي لم يتوقف طيلة السنتين الماضيتين من التنديد بما قامت به مفوضية الانتخابات من تلاعب والتاكيد على عدم استقلاليتها وكان أوضح تصريح له في خطابه يوم امس عندما اعلن عن المشاركة في الانتخابات بشروط اهمها تغيير قانون الانتخابات المجحف ، حسب وصفه، وكادر مفوضية الانتخابات المسيس ، وفي مرة سابقة قال في مقابلة له أمام قناة الشرقية في شهر تموز الماضي بأن الانتخابات كانت مدفوعة الثمن مادياً و إنَّ أعضاء مجلس المفوضية تم السيطرة عليهم بالتهديد والترغيب فبات من الضروري التحرك لاعادة الاستقلالية لهذه المؤسسة المهمة بحسب قوله.

وفي التظاهرة المليونية التي انطلقت يوم 15 تموز 2016 في ساحة التحرير عاد السيد مقتدى الصدر للتأكيد على ضرورة استقالة المفوضية العليا للانتخابات واختيار أعضاء جدد غير خاضعين للمحاصصة السياسية والاعتماد على الكفاءة والنزاهة المهنية.
أما المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي ، فهو الآخر قد دعا في شهر آذار من العام الجاري الى ” إجراء انتخابات مبكرة بعد تشكيل مفوضية انتخابات مستقلة حقيقية من مهنيين وطنيين موضوعيين”، مطالبا بـ”تعديل قانون الانتخابات بالشكل الذي يحفظ ارادة الناخبين وليقول الشعب حينئذٍ كلمته في من يدير شؤون البلاد بعيداً عن فرض الارادات بالقوة”. وهو ما دعا اليه عدة مرات وفي مناسبات مختلفة تُحسب لصالحه.

ومن جهته شدد رئيس كتلة بدر النيابية قاسم الاعرجي وهي كتلة مهمة في العملية السياسية في تصريح له في منتصف شهر حزيران الماضي على ضرورة حل مفوضية الانتخابات وتشكيل اخرى “بعيدة عن اي توجه حزبي“ .وقال الاعرجي في بيان صحفي “ إننا نرى اهمية حل مفوضية الانتخابات وتشكيل مفوضية جديدة بالاعتماد على عنصر الكفاءة والمهنية والنزاهة “،موكدا على اهمية ترشيق المفوضية لوجود 37 مدير عام و 9 وكلاء.وأكد الاعرجي على الاهمية الكبيرة التي ينطوي عليها عمل هذه المؤسسة الخطيرة التي تحدد طبيعة العملية السياسية وتبين الكتل الفائزة التي تقود البلاد بعد كل انتخابات.
أما السيد اياد علاوي فقد اعلن على لسانه أحيانا و على لسان اعضاء من كتلته أحيانا أخرى بُعيد الانتخابات مباشرة وفي أكثر من مناسبة ، بأن أصوات ناخبيه التي صوتوا بها لكتلته قد جُيرتْ لكتلة اخرى وبفعل مفوضية الانتخابات ، وقد طالب خلال الشهر الحالي ولمرتين الى اعادة فحص قانون الانتخابات وتغيير مجلس مفوضية الانتخابات لعدم استقلاليته واجراء الانتخابات باشراف دولي.

وبعد اعلان نتائج انتخابات 2014 أعلن مدير مؤسسة الانتخابات للحزب الديمقراطي الكردستاني خسرو كوران إن النتائج التي اعلن عنها لا تتوافق مع المعلومات المتوافرة لدى مؤسسته من خلال عمليات العد والفرز الاولي. ونقل بيان عن كوران قوله: “أن الحزب الديمقراطي كان يتوقع الحصول على مقاعد أكثر، معتبرا أن هذه النتائج هي غدر لأصوات ناخبي الحزب وظلم لهم”. وهو ما دفع بالاقليم الى انشاء مفوضية انتخابات مستقلة عن المركز وعزى ذلك الى عدم الثقة بمفوضية الانتخابات المركزية في بغداد .
أما آخر الساكتين عن كشف المستور كان رئيس الجمهورية فؤاد معصوم، الذي اتهم المفوضية الشهر الفائت “بالخضوع والمحاصصة”،وقال ايضا ان مفوضية الانتخابات من المفترض أن تكون مستقلة بمعنى الكلمة، وفي ظروف العراق يجب أن يكون أعضاء المفوضية والعاملين فيها من المستقلين، لكن مع الأسف الشديد المفوضية خاضعة للمحاصصة”. هذا ناهيك عن تصريحات النائب مشعان الجبوري الشهيرة قبل عدة اشهر التي قال فيها ان نصف اصوات كتلته التي حصلت عليها كانت بالتزوير مقابل اموال دفعت لذلك.

لغاية الآن يتضح للجميع أن اغلبية الكتل مع تغيير قانون الانتخابات والمفوضية ، وهو الامر الطبيعي والصحيح ، ولكن الأمر المستغرب أن من بين قادة الكتل يظهر السيد عمار الحكيم رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي ليعلن في السادس من شهر تموز الماضي، إلى “ضرورة حسم هيكلة مفوضية الانتخابات ومراجعة قانون الانتخابات والعمل على اجراء الانتخابات في موعدها المحدد دون تأخير وتحت أي ذريعة كانت”. وهذا التصريح الذي صدر باستحياء دون الاشارة الى تغيير مفوضية الانتخابات وهي التي جعلته يصرخ لايام عديد على الفضائيات قائلا بأن اصوات ناخبيه ومقاعد كتلته قد سرقت وانه لن يسكت عن ذلك ، ولكنه سكت بعد الحصول على عدة وزارات تدر عليه اموالا طائلة من اهمها وزارتي النفط والنقل ، ونسي ناخبيه ولم يدافع عن أصواتهم ، فهل سيخرجون مرة اخرى للتصويت لصالح كتلته؟

أما سكوته الأخير عن الاصلاح الانتخابي بل وظهوره امام الاعلام يُسجل في مركز انتخابي خلال الشهر الحالي ، تبدو خلفه صفقات مع الكتلة راعية الانتخابات ، وقد ظهرت أولها بوضوح من خلال توليه رئاسة التحالف الوطني مؤخراً.

ما هذه البراغماتية والنفعية لدى السيد الحكيم ؟ أين الالتزام في الجانب الديني أو على الاقل فيما يخص المبدئية امام جمهوره ؟ لماذا لم يكن في موقفه كالسيد الصدر او الشيخ اليعقوبي وغيرهم من اصحاب الالتزام والمباديء والكلمة الحرة ، المدافعين عن جمهورهم وناخبيهم. هذا ما سيخلده التاريخ لكل منهم بمواقفه الإيجابيه أو السلبيه.

وبعيدا عن التصريحات وقريبا من الفعل الحقيقي وبشجاعته المعهودة طلب السيد النائب الشيخ علي عن التيار المدني اكثر من مرة حل مجلس المفوضين بالتصويت على ذلك في مجلس النواب لتوفير فرصة اجراء الانتخابات المقبلة بمفوضية جديدة. وقد جمع توقيعات وصلت الى 95 صوتا قبل عيد الفطر حسب ما نشره على صفحته على الفيسبوك . مؤكدا ان مجلس المفوضين يجب أن يُحلْ وليس ان ننتظر انتهاء دورتهم ليعاد تشكيلها وفق المحاصصة ذاتها.وقال بأن المفوضية تحركت متوسلة وطالبة العطف من بعض النواب لإيقاف هذا الطلب.

بين مبدئية السيد الصدر والشيخ اليعقوبي وتذبذب موقف السيد علاوي وبراغماتية السيد الحكيم المشوشة سيكون من الصعب اجراء انتخابات نزيهة لاتخلو من التلاعب والتزوير ، لذلك فان تاجيل الانتخابات لتكون مع انتخابات مجلس النواب 2018 ، او مقاطعة الانتخابات هي الحل ما لم يجري اصلاح اول عناصره المهمة هو اصلاح قانون الانتخابات واختيار هيئة انتخابات مستقلة لا تأتي بها الاحزاب ولا يرشحها ويختارها مجلس النواب الذي لم يأتي إلا بكل ما هو سيء وهو يرعى بلا تردد سياسة المحاصصة الطائفية والسياسية اللعينة.