عرس الانتخابات , أحدى مسميات العملية الانتخابية التي تجعل من صندوق الاقتراع فاصلا” بين حكومتين , دورتين برلمانيتين , مرحلتين سياسيتين افرزهما النظام الديمقراطي , فنظامنا ليس بالنظام المطلق < الملكية المستبدة أو الحكومة الدينية البابوية > حيث تمكث السلطة الى ما شاء الله , إذ لا يحق للشعب اجراء تغيير فيها كل عدة سنوات , فالحاكمية لله في النظام الديني وليس للشعب , وللملك المتأله في النظام الملكي , والنظامين يُعبران عن سلطة أكثر من كونهما نظام , فالقوة والهيبة ومفردات السلطة الأخرى تبرز بشدة فيهما , عكس النظام الديمقراطي الذي يُعبر عن نظام أكثر من تعبيره عن سلطة , فالقوة والهيبة وباقي مفردات السلطة في طرف منها بيد الشعب , فالديمقراطية حكم الشعب , وشتان بين حكم الشعب وحاكمية الله التي أسست لأنظمة من الطغيان على عكس ما ورد من حث على الرحمة والتآلف والمساواة في الوصايا الإلهية , وإلا لماذا ثار شعب مصر على حكم الأخوان , ثار لأنه فهم نتائج شعار : حكم الأخوان يمتد لمئة عام , فأراد الشعب نظاما” ديمقراطيا” حتى وأن كان صنيعة العسكر والسيسي , أولم تكن حكومة ديغول فاتحة النظام الديمقراطي الفرنسي , وأن شبه البعض ثورة المصريين الأخيرة كمستجير من الرمضاء بالنار , فعليه أن يستبدل النار بالرمضاء لتكون : كالمستجير من النار بالرمضاء , وليبحث عن معنى لغوي مغاير لمفردة الرمضاء , لأنها لن تعني النار والسخونة المهلكة والصحراء الفلاة ذات الرمال الملتهبة , بل قد تعني جنات عدن تجري من تحتها أنهار الحقوق والحرية والمساواة , نعم ؛ أنا أعني نظام ديمقراطي دنيوي لا يمت للدين بصلة , نهائيا”, وإلا لماذا نذهب لصندوق الاقتراع كل أربع سنوات لنختار ممثلين لنا ينوبون عنا في الحقوق والحرية والمساواة , ولماذا نقول بالنظام الديمقراطي , ولماذا نعترف بحكم الشعب , ولماذا يتوسل السياسي صوت المواطن ليصل عبره الى أحدى عروش مجلس النواب , وهل خرجت لنا قناة فضائية بدعاية انتخابية تدعو للتصويت لله , أو التصويت لخليفة لله , مع أن حتى الملائكة أبدت في التصويت السماوي أعتراضا” على اختيار انسان للنيابة عن الله في الأرض , ولم يتعهد الله من جهته إلا بثلة وقلة من مجمل تعداد البشر العام التاريخي , تعهد بقلة وثلة تصلح للخلافة في الأرض وفق مشيئته , أما باقي المليارات من الناس ؛ فكلهم لها واردون , نار الآخرة , رمضاء السماء , ولا يختلف الحال في هذه الدنيا , وإلا لماذا لم تُقام حكومة الله أو خليفته ويظهر نظام الملكوت الفضائلي 100% ويسوس البشر ونرى دولته ؟؟. ونحن نتمنى أن تٌقام الدولة الفاضلة , ولكنها لن تُقام إلا بالفضلاء .
بعد شهرين تقريبا” ستجري انتخابات برلمانية أقرها دستورنا الذي وضعه عراقيون من طينتنا البشرية , وسننتخب عراقيين من طينتنا البشرية , وأتعهد لكم , وأقسم بكل ما أعتقد وأُقدس , أن ولا ملاك أو نفر من الجن سنراه في كل مراحل المنافسة السياسية , ولن تُفاجئنا دعاية انتخابية تدعو لأنتخاب سياسي من كوكب نيبيرو استقال من مجلس النواب النيبيروي ليخوض الانتخابات العراقية ضمن قائمة تحالف كوكبي , بعد أن حصل السياسي القادم من ذلك الكوكب على الجنسية العراقية , باحثاً عن مخصصات فلكية , وتقاعد فلكي , وبحسب معلوماتي الاسطورية المتيسرة يتمتع سياسيو نيبيرو بالنزاهة والمصداقية والولاء المفرط للفضيلة بنزعة اخلاقية قل نظيرها في عالمنا البشري .
سنخضب اصواتنا بلون الديمقراطية كما فعلنا سابقاً , ومن المفترض أن يكون تصويتنا هادف ومتيقض , سنهب أربع من السنوات لبرلمان واقعي , سياسي , تكنوقراطي , تخصصي , بشري , ديموقراطي , أو نهبها لبرلمان طوبائي النوايا ينفخ في نفوسنا نزعات الاحلام , الأطياف ,المثالية الغارقة بالخطابة – والرتابة – والدعاية المستفزة للتصورات الواهمة , وبعد مضي نيف من الوقت نُشهر الشكوى , ونرفع الصوت بالاستغاثة ممن انتخبناهم , وكأننا حين انتخبناهم كنا في حالة من التنويم المغناطيسي العام , وكأننا لا نريد أن نفهم حقيقة كون الحكومة مؤسسة تدير ثروات البلد , وتحافظ على حقوق المواطن , وتُشرع القوانين , وتوفر العمل والتعليم والأمن , وتبرم صفقات الاستثمار , وتتكفل بالحرية والمساواة , أنها حكومة الدولة المدنية , المؤسساتية , أما أيماننا وعقائدنا , أما اليقين والرجاءات اللاهوتية , فهي موقوفة للشخص وعلاقته مع ربه , ولا يكون من الخير أن نسمح لأي كان اللعب بمشاعرنا العقائدية لأجل مصالحه الدنيوية , وهذا ما يقول به كثر من المواطنين ورجال الدين بعد هذا الكم من السنوات التي حكمنا بها الطائفيون , وأنا أقصد كل السنوات التي مرت على العراق الحديث منذ تأسيسه في بداية عشرينيات القرن الماضي , وبالخصوص السنوات التي كان من المفترض أن نتمتع بها بمميزات النظام الديمقراطي , ولكن الأوراق اختلطت رغم تمايز الوانها , فصار خليفة الله في أرضه سياسي برلماني أو حكومي , وصار الناخب يريد قيام جمهورية النبي عبر العملية السياسية العراقية , وكأن حجة الله لن يظهر إلا من المنطقة الخضراء حصرا”, وليس بين أيدينا نصوص مقدسة تؤكد هذا المذهب العجيب , المستحدث , الناسخ لكل ما قال به الأولون وما نقلوه من رواية وحديث , والمواطن لا يفصل بين أمرين , فنراه يريد لقانون السماء أن يُطبق في برلمان صوت بالأغلبية على فقرة التقاعد الخاص به خاذلا” الفقراء والمعوزين والجائعين والأيتام , ولست أعلم وأفهم كيف للمسلم المعتقد بأسلامه , والمؤمن بأن المرأة شرف الرجل وعِرضه , أن يسمح بالتصويت لصالح مهرطق أتى ببدعة سياسية مغلفة بالدين جلبت الفقر والعوز والذل لعوائل تضم نساء ؟؟!! . .
أنا مع كل سياسي شريف حقق انجاز في الأقتصاد , والأمن , والمساواة , وضد كل سياسي أذل النساء . . والأطفال , والشيوخ , وها هي الهتافات الشعبية تريد التغيير , فلنمزج هذه الهتافات بالمعرفة الصحيحة لمميزات النظام الديمقراطي , والمواطنة , والدولة المدنية المؤسساتية التي تحضر امتهان المرأة عبر السياسات والهرطقات , والتعنيف الأسري , ولنرفع شعار : الحقوق أولا” لنساءنا . . . وكيف نضن بالأبناء خيرا” إذا نشأوا بحضن الجاهلات . . الجائعات , المتسولات , المعدمات , وكلنا نعلم ما للمرأة من حضور في تاريخ الشعوب , والعناية بالمرأة تعني العناية بالرجل . .
ستأتي الانتخابات بعد قليل , ونحن كمواطنين نتحمل مسؤلية الأختيار الصحيح , وإلا فلا نلوم السياسي والمجلس النيابي والحكومة , والسراق , ولا نتهم العملية السياسية إذا ما وجدنا امرأة تتسول , أو تعجز عن توفير الطعام لأيتامها , وليكون المنطلق من مبدأ الرجولة , ولنكن نبلاء , قبل أن نكون متدينين , فالقرآن يخبرنا أن النبي كان على خلق عظيم , وهو نبي الأمة , ومحور تكاملها , وفي رمضاء كربلاء رفع الحسين صوته مناديا” كل من أتخذ الدين وسيلة للنهب والقتل والخداع والخضوع للخداع : كونوا أحرارا” في دنياكم . . ( إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخشون معادا فكونوا أحرارا” في دنياكم ) . كونوا أحرارا” في دنياكم . . . .
وعلى الطريق المؤدي لكربلاء أجاب الحسين عن سبب خروجه ضد الدولة , لقد أكد بأنه يريد الأصلاح في أمة جده ( خرجت لطلب الأصلاح في أمة جدي ) أي أنه لم يخرج لطلب الأصلاح في أمة الرومان , أو الأغريق , أو أمة المسيح , أو بني اسرائيل , فأمة جده من المسلمين , وهو واجه من يقول أني مسلم , والدولة ترفع شعار الاسلام , وقاتل مواطنين مسلمين من مواطني الدولة , ولكن مسؤلية الأصلاح لا تقتصر على السياسي , بل هي مسؤلية كل مواطن , والحسين رفع سيفه ضد الأفساد , والأفساد نقيض الأصلاح , ولا تهم مرتبة وطبقة ومكانة المفسد , فالمفسد مفسد , وقانون الاصلاح فوق الكل , واليوم نحن نعيش في الدولة بطرازها العصري التي تطورت فيها القوانين والحقوق والحريات والحكومة , وزادت المفردات المكونة للدولة , فالنفط فاق الزراعة , والجنسية ألغت معنى الأنتماء القديم للدولة , وتغير شكل تداول السلطة , فأصبحت الديمقراطية نظام حكم حديث يُمكن المواطن من اختيار حكومته عبر التصويت , بل أن التصويت تطور ليصير تصويتا” الكترونيا”, وما زالت عجلة التطور تدور , ومن الحكمة والتعقل أن نسايرها ونواكب حداثتها ووقائعها , وإلا ؛ سنراوح في نفس الدوامة المهلكة , فمتى نعرف سبل الأستقرار ؟ ؟