كل التجارب الديمقراطية التي مرت بها الشعوب التي سبقتنا ، مرّت بمراحل ربما تكون أصعب من المراحل التي مررنا بها خلال 10 سنوات من عمر هذه التجربة التي مازالت تسير ببطء ، بسبب العقلية التي مازالت لا تصدق و لا تريد ان تصدق ، أن زمن الحاكم المطلق والنظام الشمولي قد ولىّ إلى الأبد، ولايمكن أن يولد دكتاتور جديد في ظل بناء عراقي جديد قائم على التعددية ، والتبادل السلمي للسلطة .
هذه العقلية لم تستوعب بعد ان النظام الشمولي لايمكن أن يكون وسيلة للحكم ،خصوصاً في العراق بعد سنين من السحق على رؤوس شعب كان أداة القمع البعثي المشئوم .
الأزمات التي تمر بها العملية السياسية منذ2005 وليومنا تشير بوضوح إلى عدم وعي وتخلف تيارات سياسية بحد ذاتها ، وهي مرتبطة بثقافة وفكر ضيق استئثاري لا يؤمن بالآخر.. أنه فكر يتعلق بمراحل ماضية لكنه ما زال متأصلاً بهذا الشكل عند بعض الأطراف التي تسيدت المشهد السياسي ما بعد 2003، فالمنزلقات الخطيرة التي مر وما زال يمر بها العراق والمعاناة التي يتعرض لها الملايين من العراقيين بمختلف مكوناتهم من دون وجود في الأفق ما ينبئ عن معالجات حقيقية للواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي وانعكاس ذلك سلباً على الأمن والخدمات وغيرهما من مظاهر الفقر والحرمان في بلد كالعراق يمتلك مخزوناً من الثروات الطبيعية من بينها وليس كلها النفط.
أذ تشير الكثير من الإحصائيات الصادرة عن المنظمات العالمية المعنية بشؤون النزاهة ومكافحة الفساد المالي والإداري الى ان العراق يحتل الصدارة بنسبة الفساد بين دول العالم بقوة واقتدار وإصرار ولعدة سنوات متتالية على الرغم من وجود الكثير من الدوائر الرقابية كهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية ومكاتب المفتشين العموميين ودوائر الرقابة الداخلية في الوزارات التي يفترض ان تعمل جميعها على مراقبة الأداء الحكومي في المجالات المالية والإدارية.
ويحتل العراق هذه المراكز المتقدمة في مجال انتشار الفساد على الرغم من ان ما يتم تناوله بالتدقيق والتحقيق من قبل هيئة النزاهة لا يصل في أحسن الأحوال ولدى أكثر المتفائلين الى نسبة (5%) من حالات الفساد المالي والإداري والمهني الموجود فعلاً في دوائر الدولة، ولو تم التبليغ والإعلان عن غالبية حالات الفساد فان موقع العراق يقفز الى الأعلى في سلم انتشار الفساد وبفارق شاسع جداً عن غيره من الدول.
هذه الأرقام والإحصاءات الكارثية شلّت حركة المؤسسات والدوائر الحكومية ، فأصبحت دوائر تدار بالصفقات ، وأصبحت مؤسسات ربحية أكثر مما هي خدمية ، فلا يمكن أن يسير أي ملف يخدم المواطن ما لم يكن هناك حصص من هذه الغنائم ، وغيرها من ملفات كبيرة وخطيرة ، أصبحت أداة للتسقيط بين سياسي العصر وإزاحة المنافسين خصوصاً مع اقتراب الانتخابات البرلمانية نهاية نسيان 2014 .
ومع اقتراب الانتخابات البرلمانية ، والتلويح بولاية ثالثة ( لاسامح الله) سنكون في نفس تلك الحلقة المفرغة التي كنا ندور بها منذ ثمان سنوات ، وسيبقى السياسيون كلاً ينظر الى مصالحه الشخصية وحزبه ، ويبقى أصحاب الأصابع البنفسجية تحت مطرقة الإرهاب وسندان هولاء ، ويبقى كل أربع سنوات واجباً على العراقي أن يختار هولاء .
لقد أصبح من المعلوم أن الناخب العراقي لديه خبرة كافية لانتخاب الأكثر نزاهة والأكثر كفاءة لإسداء الخدمة للمواطن ، ولا يتحقق ذلك إلا بعد أن تجرى الانتخابات بشفافية ونزاهة ويعطى الناخب من خلالها الحرية الكاملة في انتخاب من يضمن حقوقه المشروعة، وحصول مثل هكذا انتخابات ليس صعب المنال وإنما بحاجة إلى تثقيف الناخب والمرشح، فالناخب ينبغي أن يكون على مستوى من المسؤولية لانتخاب من تتوفر فيه المواصفات التي تؤهله للخدمة بعيدا عن كل الميول الأخرى، والمرشح ينبغي أن يكون واعياً تماماً ، وعلى قدر عالي من المسؤولية ، والأخذ بيد العراق لإيصاله إلى شاطئ الاستقلال والأمن والتطور والازدهار، الذي يلمس المواطن مصداقيته حاضرا ومستقبلا وهو بلا شك أفضل من استخدام الصور والشعارات المخدرة التي لا تغني ولا تسمن من جوع، وفي الوقت نفسه نرى أن الذي يثير المشاعر المجردة في حملاته الانتخابية في الأعم الأغلب خالي الوفاض من أي مشروع حضاري للتغيير نحو مستقبل واعد، وهو مطمح كل عراقي غيور وشريف…