21 ديسمبر، 2024 1:06 ص

الانتخابات المحلية.. كسر عظم مع سبق الإصرار

الانتخابات المحلية.. كسر عظم مع سبق الإصرار

يقال في تحدي القضايا المستحيلة.. “أفضل وسيلة للتغلب على الصعاب اختراقها” وهذا ما فعلته حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ومعها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والقوى السياسية في اجراء عملية الانتخابات المحلية بعد عشر سنوات على اخر اقتراع محلي لاختيار المحافظين ومجالس المحافظات، في قرار تجاوزت خلالها جميع “الاراء المتشائمة” والمتخوفة من فشل التجربة لاسباب عديدة ابرزها مقاطعة التيار الصدري والتحذيرات من ضرب الاستقرار السياسي والامني.

لكن.. التجربة حصلت وبدايتها كانت من الاقتراع الخاص الذي سجل اقبالا لعناصر القوات الامنية يمكن وصفه بالجيد قياسا بالتحديات والتهديدات التي سبقت عملية الاقتراع من خلال الاعتداء على مقار الاحزاب السياسي المشاركة بالانتخابات وتمزيق الدعايات الانتخابية للمرشحين والحرب النفسية باشاعة “الرعب” بين الراغبين بالتصويت لممثليهم في القوى السياسية برسائل مبطنة مرة ومن خلال الاخبار الكاذبة مرة اخرى، والتي سجلت في ليلة الاقتراع العام ذروتها، حينما نقلت قنوات على التلغرام وصفحات في مواقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك واخواته)، معلومات مضللة عن حوادث امنية في بغداد وصواريخ استهدفت المنطقة الخضراء من اجل ايصال رسالة “امنية” للناخبين تردعهم من الوصول إلى صناديق الاقتراع، لكنها اصيبت بالفشل وسجلت نقطة خرق إضافية في ممارسة بعض المقاطعين لاساليبهم المكشوفة.

صحيح.. إن الاقتراع الخاص شهد اخفاقا “فنيا” في اجهزة تسريع النتائج الذي اكدته الشركة الكورية المتعاقدة مع المفوضية على توفير تلك الاجهزة، واعتبرته خللا لن يتكرر وفعلا جرى تجاوزه في عملية الاقتراع العام، لكن بالمقابل شهد التصويت الخاص اقبالاً لم يكن متوقعا وخاصة في مناطق الرصافة من العاصمة بغداد التي سجلت في حينها 49 بالمئة، وهي نسبة “صدمت” الراس الكبير في المقاطعة الذي سخر ادواته لبث الشائعات المشككة واختراع الحجج وراء زيادة نسبة التصويت ومنها “اجبار” العناصر الامنية على التصويت مقابل تهديدهم بالفصل، وهي “حالة” حتى وان ثبت حصولها فهي لا ترقى لمستوى الخرق، لكونها جرت مع اعداد قليلة جدا، لا يمكنهم تغيير المعادلة في نسبة التصويت، التي اقتربت من مستويات الاقتراع الخاص في السنوات السابقة ولعل ابرزها الانتخابات البرلمانية الماضية في العام 2021، على الرغم من قلة الاعداد المقاطعة في حينها.

مرت الساعات بعدها ووصلنا لصباح يوم الاقتراع العام، والمقاطعون استنفذوا اغلب ذخيرتهم، ولم يتبق سوى الأطفال لاستخدامهم كما حصل في مدينة الصدر، شرقي العاصمة بغداد، حينما سخرت بعض الأطراف في التيار الصدري مجاميع مع الأطفال لعرقلة الناخبين في طريق وصولهم لمراكز الاقتراع من خلال الهتافات “والسب والشتم” وحتى استخدام الألعاب النارية، لكن الورقة الاخيرة احترقت، وأقفلت صناديق الاقتراع في موعدها عند الساعة السادسة مساء.

سيقول العديد من القراء الأعزاء.. بان الحديث عن الإقبال وتجاوز التحديات مبالغ فيه، لكنها الحقيقة التي أثبتتها المفوضية حينما أعلنت بان نسبة التصويت في الاقتراع الخاص والعام بلغت 41 بالمئة من اصل 16 مليونا و158 الفا و788 مواطنا يحق لهم التصويت، وهي نسبة جيدة مقارنة “بضجيج” المقاطعة وتقترب من نسبة الانتخابات السابقة التي كانت 42 بالمئة رغم الفارق باعداد الذين يحق لهم التصويت في حينها والذي بلغ 20 مليونا، هنا قد يعترض اخرون متسائلين عن اعداد التيار الصدري المقاطعة وحجم تأثيرهم في نسبة التصويت، الاجابة ستكون سهلة جدا، لان التيار الصدري وببساطة حقق في الانتخابات الماضية 850 الف صوت وهي لا تشكل فارقا كبيرا في نسبة التصويت وخاصة مع ارتفاع اعداد المصوتين في المحافظات الغربية والشمالية عن الانتخابات السابقة بخطوة ذكية استغلت مقاطعة التيار الصدري ورفعت رصيد القوى السنية التي لو استمرت في الانتخابات البرلمانية المقبلة، ستترك اثرها على تحديد الكتلة الأكبر وقد تكون حينها من نصيب ممثلي البيت السني.

الخلاصة.. انتهت الانتخابات وخسر التيار الصدري جولة اخرى واصبح في مرماه ثلاثة اهداف بعد فشله بتشكيل حكومة التحالف الثلاثي و”هزيمته” في معركة السيطرة على الخضراء، والهدف الاخير مزق شباك مقاطعته للانتخابات التي تعتبر السبيل الوحيد للتغيير في بلادنا المعمورة، لان مرحلة الانقلابات اصبحت صفحة من التاريخ ولا يمكن تكرارها او العودة اليها مهما كانت الاسباب، ومن يفكر بطريقة معاكسة عليه ايجاد بديل مناسب للانتخابات، يقود التغيير ويصلح الأركان الفاسدة في العملية السياسية… اخيراً… هل استوعب التيار عملية كسر العظم؟