“بعض الناس يرون الأشياء كما هي, ويتساءلون لماذا, وآخرون يحلمون بأشياء لم تكن أبداٌ, ويتساءلون لِمَ لا”/ جورج برنادشو أديب أيرلندي.
عندما نقرأ التأريخ العراقي, في حقب التأريخ المتعاقبة, نرى العجب العجاب, فبرغم ما نتشرف به من ألإبداعات العديدة, في العمران وانتشار العلوم و تشريع القوانين؛ نرى أنَّ بلدنا العريق بتأريخه, يرزح تحت الويلات, من ظلم حكام وحروب, وكلنا يتساءل.. لماذا العراق؟ بينما نسألُ مع كثير من أبناء شعبنا, لِمَ لَمْ نحافظ على الإنجازات, بدل تحطيمها بين فترة وأخرى, أو نبدع للوصول للأفضل.؟
بعد استقراء مختصر للتأريخ, وجدنا أن الشعوب العراقية, اعتادت على نمطٍ واحد, هو تغيير الأنظمة عن طريق, الاحتلال بكل أنواعه, ليكون تابعاً لهذه الدولة أو تلك, ويتم تشكيل حكومة مدعومة, من الدولة المحتلة, أو يتم اغتيال الحاكم ليستبدل بغيره, عبر ما يسمى بالانقلاب أو الثورات, وما بين هذا وذاك, نشاهد ما يطلق عليه, الانتفاضات شعبية كانت أو سياسية, واتهامات متبادلة بالعمالة والرجعية والتآمر, لا ناقة للشعب فيها ولا جَمَل.
كلما أراد العراق النهوض, ويستبشر الشعب خيراً, أُدخل في معمعة, حروبٌ ودمار ونهر دماء, وسط تدهورٍ اقتصاديٍ وأمني, ليغرق الشعب بالجهل والفقر, صابراً محتسباً موجهاً شكواه, لخالقه داعياً أن ينقذه, فلا حاكم يمكنه إصلاح ما قد فسد, فَكُلُ من يجلس على العرش, ينسى ما عمله من سبقه, وكأنهم ولدوا من رحم واحد, فانتقلت الجينات الوراثية, عبر الممارسات الظالمة, وسرقة ما يمكن سرقته, ويبقى العراقي صابراً, داعيا ربه لتغيير الحال.
كان أعتى طاغية مر على العراق, في التأريخ المنظور القريب صدام, فقد بدأ حكمه باسم حزبه, وما يسمى مجلس قياد الثورة, بقرار كبح الحريات, فقرر منع التظاهر, والحكم بالإعدام لمن يتظاهر, معارضاً حكم حزب البعث, وبعد دماءٍ سفكت وسجن اقتضت, لجأ لحروب أنهكت العراق, تحت مرأى من العالم أجمع, لتستمر أطول حرب في المنطقة, استعملت فيها كافة أنواع الأسلحة, تقليدية ومحرمة دولية, دامت بين عام 1980- 1988م, و لم يعترف مجلس الأمن بالعراق على أنه الطرف المعتدي بالحرب حتى 11 كانون الأول عام 1999, ليدخل العراق في حرب ثانية, بعد دخوله الكويت, ويخرج منهزما بخسائر كبيرة, في ظل حصار دولي, المتضرر الوحيد به شعب العراق.
ليس بخفي على أحد, أن تلك الحروب هي طبخات, قامت بها الدول العظمى, وأذنابها من الدول الإقليمية, ليعوى حكام ما يسمى بالعمق العربي, بعد سقوط العراق, تحت الاحتلال الأمريكي البغيض, بوجوب تحرير العراق من المحتل, لسببين لا ثالث لهما, الأول ممارسة الديمقراطية, المفقودة لدى كل الدول, وخوفهم من شعوبهم للمطالبة بالديمقراطية, والثاني/ حكم الأغلبية من مكونات العراق وهم شيعة العراق, لتبدأ حربٌ طائفية مخطط لها مسبقاً, لتُراق على أرض العراق, أنهاراً من الدماء الزكية, من كل المكونات والأديان والمذاهب.
سقوط ثلاث محافظات عراقية, وبعض القصبات من أخرى, من قبل تنظيم داعش الإرهابي العالمي, وكادت تسقط العاصمة بغداد, عام 2014 فأنقذته فتوى الجهاد الكفائي, التي لا تحتاج لشرح وتوضيح, ليتم التحرير بعد عامين, بينما صرح قادة الجيش الأمريكي, عَمَّ الهدوء النسبي, وكأنها استراحة مقاتل, لتخرج تظاهرات أوهمت الشعب أنها مستقلة, لتظهر على حقيقتها بعد نشر الفوضى, وتعطيل الدوام واستشهاد كثير, أنها مدفوعة الثمن, لإسقاط النظام برمته.
مطالباتٌ لإنقاذ الموقف كان أشهرها, تغيير المفوضية وقانونها, وإقامة انتخابات مبكرة, لتجري الدعاية الانتخابية, تحت التشويه و تسقيط سياسي, فلم نجد غير هدفين, ليقف الشعب العراقي, في مفترق الطريقين الوحيدين, إما أن تكون دولة في المرحلة القادمة, وبين أن يعيش فوضى, قد تؤدي لحرب أهلية, حربٌ الكترونية سبقت الانتخابات, لثلاثة أشهر حيرت المواطن, فهي مرحلة مفصلية, تحت أفكارٍ مشوشة وفقدان ثقة.
أيامٌ ثقيلة مرت على الشعب, شاهد فيها حملاتٍ من التثقيف, تزرع الأمل بقوة المشاركة, مدعومة من المرجعية الدينية العليا, وشرفاء يسعون لإنقاذ العراق, شعاراتٌ توحي بنزاهة العملية الانتخابية, وحملات تشجيعية لزرع الثقة, بالأجهزة الالكترونية ونسبة صحة المعلومات, والحفاظ بأمانة على أصوات المقترعين, لتصدم النتائج كل العراقيين, أن الانتخابات قد زُورت والأجهزة قد اخترقت, ليبدأ الاعتراض مبكرا, وينتظر الشعب النتائج.
قد تكون القوى الفائزة حاضرة بقوة, وقد تتغير النتائج, لإعادة حقوق المواطنين والمُرشحين, فلا يُعلم ما يتم طبخه الخفاء, وماذا سيأكل العراقيون من طبخة جديدة, انتظرها بعد شوق لتغيير طبخة المساومات, في ظل تلويح بحرب أهلية, قد تطيح بنظام فيفقد العراقيون الأمل, ليعودوا إلى أحضان دكتاتورية جديدة.
قال احد الحكماء” لو كنت أعلم أنني سأخرج لهذه الحياة, ليتحكم في مصيري هؤلاء الطُغاة, لاعتصمت داخل بطن أمي, ولن أخرج منه إلا شهيدا” فهل سيبقى العراق منبعاً للشهداء, الذين لم يروا طعم الحياة ؟