7 أبريل، 2024 10:35 ص
Search
Close this search box.

الانتخابات المبكرة في العراق تحديات وتوقيتات جديدة

Facebook
Twitter
LinkedIn

باتت الإنتخابات المبكرة من أبرز مطالب المحتجين العراقيين وهي احد نتاجات انتفاضة أكتوبر تشرين الأول ٢٠١٩ والتي راح ضحيتها شهداء وجرحى وعدد كبير من المعاقين، ومختطفين حتى اليوم، والتي أدت إلى عزل رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، وبعد محاولات عديدة ولفترة طويلة لحسم منصب رئاسة الوزراء خلفاً الحكومة المستقيلة، وبتوافقات سياسية عسيرة أُختير السيد مصطفى الكاظمي رئيساً للحكومة العراقية، والذي بدوره قدم برنامجاً حكومياً ذات أولويات أبرزها إجراء انتخابات مبكرة، حيث نص البرنامج على “اجراء انتخابات مبكرة بعد استكمال القانون الإنتخابي، وتفعيل مفوضية الإنتخابات، وتطبيق كامل لقانون الأحزاب، لضمان حماية العملية الإنتخابية ونزاهتها بالتعاون مع الأمم المتحدة” لكنها لم تعطي هذا الوعد بدون شروط حيث اشترطت ” استكمال القانون الانتخابي، وتفعيل مفوضية الانتخابات، وتطبيق كامل لقانون الأحزاب، لضمان حماية العملية الانتخابية ونزاهتها”.
إلّا أنّ السلطتين التشريعية والتنفيذية لم تتّخذا إجراءات جدّية حتى الآن في إطار حسم هذا الملف، الأمر الذي أثار تساؤلات عدّة حول إمكانية اجراء انتخابات في وقت مبكر أو أن الخلافات السياسية وعدم التوصل لقرار سياسي مع وجود تحديات مالية وتنظيمية ستحول دون ذلك.
وعلى الرغم من التعهّدات المتكرّرة لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بإمكانية إجراء إنتخابات مبكرة، إلّا أنّ المعطيات وقراءات الداخل العراقي تشير إلى وجود تحدّيات تنظيمية تتعلّق بعدم حسم القانون الإنتخابي وغياب التخصيص المالي للمفوضية العليا للانتخابات، إضافة الى التحديات الصحية والمالية التي يمر بها البلد، حيث تبنت الأحزاب السياسية هذا الخطاب بشكل متباين، ودعت الى اجراء إنتخابات مبكرة بطريقة خجولة على اقل تقدير، حتى انها أصبحت مجرد شعارا ضمن الشعارات التي ترددها في بياناتها السياسية التي تدعو الى التهدئة والذهاب مع رغبات الجمهور.
ويرى المراقبون بأن أغلبية الأحزاب والقوى السياسية ليست مع خيار الذهاب الى صناديق الاقتراع مبكرا وذلك لأنهم ليسوا على قناعة بأنهم سيحصلون مقاعد نيابية جديدة وبشكل أوسع، كما أنهم يعتقدون أن الانتخابات لن تضيف لهم سياسيا بما يعزز تطلعاتهم ورؤيتهم السياسية بشكل عام،كما ترى بعض الأحزاب السياسية ان الدعوة إلى إنتخابات مبكرة والمشاركة فيها لن يكون بصالحها اعتقاداً منها أنها تتمتع بنفوذ سياسي ومناصب سياسية عليا في الدولة ولا ترى بأن الإنتخابات المبكرة ستمكن من توفير فرص جديدة أكثر من الفرص الحالية.
وفي ذات الصلة أشار حسين الهنداوي مستشار رئيس الحكومة لشؤون الانتخابات “أن إجراء الانتخابات المبكرة بحاجة إلى قرار سياسي، إضافة إلى إجراءات تعديلات على قانون الإنتخابات، الذي يتعلق بشكل وجوهر النظام الإنتخابي”.
كما أن تصويت البرلمان على القانون الجديد للانتخابات في ديسمبر الماضي، لا يعدو سوى كونه خطوةً أولى يجب أن تلحقها خطوات وإجراءات تنظيمية عدّة لحسم هذا الملف، إلّا أن أياً منها لم يُتخذ حتى الآن وسط الإشكالات على الساحة السياسية العراقية.
وفي مساء الأربعاء الماضي الموافق ٢٢ يوليو الحالي
اجتمع السيد رئيس مجلس النواب برئاسة الحلبوسي مع رؤساء الكتل والقوى السياسية لمناقشة آليات الإنتخابات المبكرة، حيث قدمت القوى ثلاثة تواريخ مقترحة وهي الآتي.
١ أبريل ٢٠٢١ إقتراح بعض الكتل السياسية
١ يونيو ٢٠٢١ إقتراح الامم المتحدة ” يونامي”
١ أكتوبر ٢٠٢١ إقتراح الحكومة العراقية.
وبحسب السياق العام نرى أنه ليس هناك فائدة ذات مغزى لإجراء انتخابات في النصف الأول من ٢٠٢١، وليس هناك متسع من الوقت للحصول على رؤية توافقية إصلاحية سياسية ولا قانون كامل وصريح لازم لذلك. كما لا يمكننا الحديث عن إنتخابات مبكرة في نهاية ٢٠٢١ لأنها لن تحدث نتيجة ملموسة وتصحيح للعملية السياسية ،بكل بساطة لأن الإنتخابات القادمة سوف تجرى في النصف الأول عام ٢٠٢٢ على اي حال.

أشكالات حول توزيع الدوائر الانتخابية
يبدو أن الخلافات السياسية بين الكتل حول ملحق القانون الإنتخابي الذي يحدّد شكل الدوائر الإنتخابية وآلية توزيع المقاعد، يُعدّ أحد أبرز المعرقلات، إذ إنّ الخلافات في هذا الشأن تتعلّق بكيفية تقسيم تلك الدوائر في القانون. وهذا بدوره أتاح لبعض الكتل السياسية إمكانية المناورة على تأخير موعد الاستحقاق الإنتخابي ، إذ تتخوّف تلك الكتل من احتمال الخسارة في حال أُجري الإقتراع في موعد قريب.
وفي هذا السياق تعدّدت الرؤى لدى الكتل السياسية في إعتماد الدائرة الواحدة لكل محافظة أو تقسيم المحافظات إلى دوائر متعددة، فيما تدعم بعض الكتل التقسيم وفق مبدأ مقعد لكل دائرة، فضلاً عن خلافات أخرى حول آلية الاقتراع.
واشتملت المواد الجديدة المتعلقة بطريقة الانتخاب الفردي بالنسبة للمرشحين، اعتماد نظام الدوائر المتعددة على مستوى القضاء في كل محافظة، إلى جانب صعود المرشحين الحاصلين على أعلى الأصوات في الدائرة الواحدة. الأمر الذي يراه المراقبين أن إقرار القانون بصيغته الجديدة يعد تراجعاً لهيمنة الأحزاب والكتل السياسية التي احتكرت عبر ممثليها تفاعلات وتشكيلات البرلمان العراقي في الدورات الإنتخابية السابقة حيث كان القانون الإنتخابي مستندة إلى نظام “سانت ليغو” الإنتخابي ونسبه المئوية التي تضمن صعود مرشحي الكتل حتى مع حصولها على أصوات متواضعة من الناخبين، في مقابل عدم سماحها بصعود الشخصيات المستقلة التي تترشح بشكل فردي لخوض المنافسة البرلمانية التي حصلت على نسب عالية من الأصوات، وذلك لعدم تمكنها من اجتياز العتبة الإنتخابية.

فهناك تحديات لا تعزز إمكانية إجراء إنتخابات مبكرة بسبب عدم توفر المستلزمات الأساسية من غطاء قانوني يتعلق في إستكمال قانون الإنتخابات من قبل مجلس النواب ، الذي لم يحسم لغاية الآن فيما يخص تقسيم الدوائر الإنتخابية على مستوى الاقضية الذي يحتاج إلى توضيحات وحسم الحدود الإدارية لبعض المحافظات، والحاجة إلى تعداد سكاني في حال تطلب ذلك، إضافة للتصويت على قانون المحكمة الاتحادية لإكمال أعضائها لأجل المصادقة على نتائج الإنتخابات، إضافة إلى استكمال هيكلية المفوضية العليا المستقلة.
إضافة للمشكلات المتعلقة بإنهاء الهيمنة الحزبية على الفضاء السياسي العام والخروج من المحاصصة السياسية في مفاصل المفوضية والقضاء مع محاولات إشراك القوى والنخب والكفاءات المستقلة والحد من قانون تشكيل الأحزاب وإجراء تعديلات على قانون الأحزاب الذي يتضمن مطالب لن تتمكن من توفيرها التشكيلات السياسية الجديدة لتشكيل اي حزب جديد منها المبالغ المالية التي تصل إلى اكثر من ٥٠ مليون ومطالب أخرى ، فضلا عن مسألة التمويل الحكومي اللازمة لإجراء تلك الإنتخابات.
وإلى الآن لم تشرع موازنة عام ٢٠٢٠ مع استمرار العراق من أزمته المالية جراء انخفاض أسعار النفط، وذهب إلى تشريع قانون للاقتراض المحلي والخارجي كبديل لمواجهة هذه الأزمة المتعلقة بتأمين دفع رواتب القطاع العام وانجاز بعض الاستحقاقات الاقتصادية والمالية للمشاريع والاستثمار والدرجات الوظيفية السابقة المستحدثة.
وعلى الرغم من عدم إبداء أي كتلة برلمانية رفضها علناً لإجراء إنتخابات مبكرة، إلّا أنّ نواباً وسياسيين تحدثوا في أكثر من مناسبة عن اعتراضات غير معلنة لبعض الكتل، مبينين أنها لا تصرّح بذلك علناً كون ذلك بات مطلباً شعبياً.
وهناك عوامل عدة تسهم في إحباط المواطن والرهان على امكانية تحقيق إجراء إنتخابات مبكرة منها.
إنتشار جائحة كورونا والوضع الصحي العام الذي يمر به البلد الذي أعاد الكثير في حسابات المواطن وأولوياته تجاه الوضع السياسي بشكل عام والانتخابات المبكرة بشكل خاص، فلم نعد نسمع مطالبات شعبية قوية تجاه ذلك. كما أنه لا توجد ضمانات حتى الآن أن تكون مخرجات الإنتخابات المبكرة معبرة عن هموم وتطلعات الشارع العراقي ومطالب المحتجين، كوجود بيئة مستقرة تحفز على المشاركة الإنتخابية الفعالة، ولا رؤية صريحة بإمكانية إجراء تغيير سياسي على المستوى الإنتخابي. ويرى المواطن بعدم وجد نزاهة ومصداقية للانتخابات المبكرة، بسبب سيطرة القوى السياسية نفسها على مفاصل العملية السياسية والعودة بمسميات وبعناوين جديدة تُعيد تشكيل وإنتاج نفسها من جديد مع القدرات المالية والدعائية التي تمتلكها مع وجود السلاح خارج إطار الدولة، والمال السياسي وتأثير الأبعاد الخارجية حاضرة في روح العملية السياسية.
وهنا يمكننا الحديث عن مطالب حقيقية لتلك التي كشفت عنها الاحتجاجات وايضا حاجة الشارع السياسي العراقي إلى تشكيلات سياسية جديدة تؤسس لبناء الدولة والعملية السياسية بشكل اكثر مقبولية وتلبي تطلعات الجمهور وتأسس إلى دولة المؤسسات،و تنظم لنفسها وتستعد جيدا لخوض العملية الإنتخابية بالشكل الذي يحقق الرؤية الوطنية في بناء الدولة ومؤسساتها والعمل على إنتاج استراتيجيات تطويرية وإصلاحية وفق قراءات وحلول سياساتية نحو الإصلاح..
وعليه يمكن القول أنه لا إنتخابات مبكرة وكما تحدثنا سابقا الاستعداد لإجراء انتخابات مبكرة يحتاج إستعداد جيد ووقت وإدارة وقانون ومفوضية وقضاء مستقلين وهذا غير متوفر حالياً في البيت الحكومي، إضافة إلى الأهم وهو القرار السياسي والتخصيصات المالية وقانون إنتخابات عادل ومكتمل التوضيحات لكل الفقرات والمواد ويلبي تطلعات الجمهور.
نعم الإنتخابات المبكرة كانت وسيلة ضغط على الأحزاب والقوى السياسية من قبل الإحتجاجات والمعارضين، ولا نرى أن هناك إنتخابات قادمة. بل يمكننا الذهاب الى أبعد من ذلك بإعتماد أيار ٢٠٢٢ ربما موعدا متوقعا لإجراء الإنتخابات القادمة.
لا يوجد في الدستور العراقي ” إنتخابات مبكرة ” بل إنتخابات عامة ولهذا لا يمكن اعتبار إجراء الانتخابات قبل موعدها الدستوري بثلاثة أو أربعة أشهر على أنها انتخابات مبكرة.
وفي حال أجريت إنتخابات قبل انتهاء الفترة البرلمانية الحالية بأشهر قليلة سوف تحسب علينا إنتخابات مبكرة ليتمكن السيد رئيس الوزراء من الوفاء بوعده وبما جاء في المنهاج الحكومي لإجراء إنتخابات مبكرة في العراق.
وبذلك تعطي المؤشرات عدم وجود بوادر حقيقية من قبل الحكومة لإجراء الانتخابات المبكرة ، نعم هناك نية لكنها بلا خطوات عملية في هذا الاتجاه.
م.م احمد يونس العبادي
أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية والاقتصادية
٢٤ يوليو ٢٠

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب