تأتي الاستعدادات اللوجستية والفنية التي تجريها المفوضية العليا للانتخابات لإجراء انتخابات مجلس المحافظات ، والتي من المقرر إجراءها في آب الجاري ، تأتي وسط ضجيج الحرب وازيز الرصاص ، كما انها ستكون اول انتخابات تجري بعد هجوم تنظيم داعش على البلاد ، وسقوط ثلاث مدن بيده في حزيران عام ٢٠١٤ ، وما رافقه من جدل سياسي حول إمكانية اجراء هذه الانتخابات في وقتها المحدد في ظل الخروقات الأمنية التي نشهدها في بغداد ، وخروج بعض المدن والأقضية من سيطرة الدولة ، الامر الذي يجعلنا امام تساؤلات مهمة حول الإمكانية في اجراء الانتخابات من عدمها ؟ ، كما يأتي وسط ترجيحات سياسية بتأجيل الانتخابات ، إذ يعزو البعض الى وجود المعوقات السياسية والتي تحول دون إجراءها في موعدها المقرر .
من اهم العراقيل التي تؤخر عملية إجراء الانتخابات في موعدها المحدد ، هي الحرب الشرسة التي تخوضها قواتنا الأمنية والحشد الشعبي ضد تنظيمات داعش الإرهابية ، والتي ما زالت تسيطر على مدن عديدة من محافظتي الأنبار والموصل ، والحويجة والشرقاط ، وبقاء الآلاف من الأسر تعيش تحت سطوة هذه العصابات ، الامر الذي يجعل المشاركة في الانتخابات صعبة ، كما ان المناطق المحررة ، والتي نجحت القوات الأمنية وبمساعدة الحشد الشعبي من استعادتها ، فإنها لم تُزل غير جاهزة للانتخابات ، وذلك لا غالبية السكان يعيشون في مخيمات النازحين ، سواءً في اقليم كردستان ، أو غيرها من المدن ، وسط صعوبات مالية في اعادة إعمار هذه المدن التي دمرتها مكانة الاٍرهاب الداعشي ، خصوصاً وان إعداد النازحين بدأت بالازدياد مع تقدم القوات الأمنية الى الساحل الأيمن للموصل ، إذ ووفق احصائيات اصدرتها الامم المتحدة فان عدد النازحين في العراق وصل الى أكثر من مليون ونصف نازح مع توسع العمليات العسكرية في الموصل ، حيث يعيشون اوضاع إنسانية صعبة خارج مدنهم ، وقدرت مفوضية الانتخابات عدد الذين يحق لهم المشاركة في الانتخابات بأكثر من مليون ونصف نازح ، كما ن الانتخابات لن تجرى في اقليم كردستان ، وايضاً في كركوك المتنازع عليها منذ سنوات بين العرب والأكراد لأسباب قانونية ، الى جانب المدن التي يحتلها داعش ، وغيرها من مطالبات القوى السياسية في تغيير أعضاء المفوضية العليا للانتخابات كونهم ينتمون الى احزاب وقوى سياسية ، في حين ينبغي ان تكون المفوضية مستقلة وفقاً للمادة (١٠٢) من الدستور والذي ينص على ان المفوضية العليا للانتخابات هيئة مستقلة تخضع لرقابة البرلمان .
البرلمان من جهته ما زال لم يصوت على قانون الانتخابات ، وسط تكهنات بصعوبة المناقشات التي تقر القانون الانتخابي الجديد ، وفِي حين لم يصار الى إقرار قانون جديد ، فان المفوضية ستعمل وفق النظام الانتخابي السابق ، وعلى الرغم من كل هذه العراقيل والمشاكل ، فان المفوضية ما زالت تُمارس مهامها في الاستعداد والاعداد لإجراء الانتخابات في موعدها المحدد ، ولكن جميع المؤشرات تؤكد صعوبة اجراء الانتخابات في موعدها واحتمال تأجيلها، مع انشغال الحكومة في المعارك ضد داعش، والمشكلات التي بدأت تظهر في المدن المحررة من الدمار ونقص الخدمات والازمة المالية، والخلافات العميقة بين الحكومة والبرلمان.
اعتقد وكما يرى الجميع على ان الانتخابات القادمة ستكون أهم عملية انتخابية تجري في العراق بعد 2003 لأنها ستجري في ظل اوضاع سياسية وامنية مضطربة، كما ان هناك العديد من القوى العسكرية والتي لديها النية في المشاركة في الانتخابات مثل بعض فصائل الحشد الشعبي ومقاتلي العشائر السنية، ولهذا ستكون المنافسة شرسة فيما بين القوى المشاركة في الانتخابات ، الى جانب حملات التسقيط التي بدأت بين القوى السياسية ، استعداداً لعمليات كسر العظم التي ستمارسها هذه القوى في ازاحة المنافسين ، وهذا الامر يعد تخلُّفاً ديمقراطياً يضاف الى سلسلة الجهل والتخلف التي تعاني منها الديمقراطية في البلاد ، والتي عكست وضعاً سياسياً وديمقراطياً أنتج سياسات واجتهادات متخلفة اوصلت البلاد الى التهديد بالتقسيم والضياع .