23 ديسمبر، 2024 5:23 ص

الانتخابات الفرنسية درس للعراق

الانتخابات الفرنسية درس للعراق

أبسط دليل على أن حكوماتنا تابعة وشعوبنا غير سامعة، هي تلك المتابعة لإنتخابات الدول الكبرى، وكأن هؤولاء حكامنا ونحن أطراف إرادتهم، ولا أحد يأخذ من دروس الديموقراطية والتبادل السلمي للسلطة حرفاً، ومعظم ساستنا يسير للتجهيل والإنغلاق، وغريب من بعض دول العرب بدفعها أموالاً دعم الحملات الإنتخابية، والشعوب تضع آمالها بفوز هذا وخسارة ذاك، ومن أين أصل الرئيس وهل كان أحد من أجداده عراقياً، ويبارك العرب وكأنه مصدر الرفاهية والأستقرار والعدالة الإجتماعية لشعوبهم.
لعل الدرس الفرنسي من أنضج التجارب الحديثة، وتقدير الشعوب لمصالحها، وخيار الشباب مصيرهم بالتجدد، وإختيارأصغر رئيس بتاريخ فرنسا.
ربح مانويل ماكرون 39 عام الجولة الأولى في الإنتخابات الفرنسية، ولم يشكل صدمة للعالم والإتحاد الأوربي مثل ترامب، أو خروج بريطانيا من الإتحاد الأوربي، وحصل على 23.9% من الأصوات بحركته “الى الأمام” فيما حصلت مارين لوبان رئيسة الجبهة الوطنية على 21.4%، أما المرشح الأبرز خلال الشهور المنصرمة فرانسوا فيون؛ نتيجة توجهات الشعوب للقومية والتشدد بعد تهديد الإرهاب، لكنه ثالثاً بنسبة 19.9 بسبب فضائح فساده، التي غيرت كثير من مفاهيم الفرنسيين.
تخلى ماكرون عن منصبه كوزير إقتصاد قبل عام، وطرح نفسه مرشحاً وسطياً بين اليمين واليسار، وفي أول مرة لم يصل أحد من مرشحي اليمين واليسار الى المرحلة الثانية، وثاني مرة تصل بها الجبهة الوطنية الى هذه المرحلة، بعد الأولى التي وصل والدها ومؤوسس حزبها لمنافسة فرنسوا ميتران، وخسر مقابل 80% من الأصوات في الجولة الثانية.
دفع الإرهاب معظم المرشحين في كل دول الغرب، بالإتجاه للتشدد، والمناداة بالمصلحة والأمن القومي، إلاّ أن فضحية فساد فيون وتسليم رواتب دون حق، أعتبرها الشعب تهديد كبير للأمن القومي، ولم تؤثر خطابات لوبان بعد يومين من حادث ارهابي في باريس، رغم رفع سقف مطالبها المتشددة بمنع الهجرة الى فرنسا والمسلمين، والخروج من الاتحاد الاوربي، وأسقاط بشار الاسد، للتفوق او كسبها اصواته، لكن ماكرون تقدم بتأييد شباب جلهم لم يتجاوز 25 عام.
إن إختيار رئيس شاب بتأييد شباب، ومنافسة التشدد، جعل اليمين واليسار يقفون لدعم ماكرون، بعد 60 عام من الحكم التقليدي، والنتائج إعتراض على سياسة السنوات السابقة التي لم تمنع الإرهاب، ولم تجعل فرنسا موازية للروس المؤثرين في سوريا، فيما يتوقعون تراجع نجمهم في منطقة نفوذهم بالقارة السمراء؛ نتيجة بركان الإرهاب الموقوت بعد هروبه من العراق وسوريا لأفريقيا، ويعني تراجع فرنسي محتمل أمام تدخل أمريكي بذريعة محاربة الإرهاب.
درس الفرنسيين بوسطية دون فساد، يمكن أن نستثمره في العراق حيث يشكل شبابه 700% من الناخبين، و80% من المصوتين، والتغيير منوط بهم؛ لعزل وجوه كلحت وافعال شُبهت وفساد أنتشر ومحسوبيات تفشت، وصرعات تجذرت وفككت العراق لمكاسب شخصية،، والشباب الفرنسي إختار ماكرون لرفضهم التشدد عند لوبان والفساد عند فيون، ومن مخاض وفساد وإرهاب وفشل 14 عام، صار حتمياً دخول الديموقراطية مرحلة النضوج والتثبيت، ولتأخذ من التاريخ والتجربة والحكمة والإعتدال، منطلق لخيارات الناخب العراقي؛ دون طاعة عمياء، لا تعترض على الفساد وتعود لإنتخاب شخوصه.