22 نوفمبر، 2024 6:29 م
Search
Close this search box.

الانتخابات العراقية…. قراءة الوجه الاخر

الانتخابات العراقية…. قراءة الوجه الاخر

سوف انطلق في تحليلي المختلف كليا عن ما يطرح في وسائل الاعلام وعبر وسائل التواصل الاجتماعي وسوف اتبنى كليا نظرية المؤامرة في هذا التحليل والسبب أننا عمليا نعيش من السقوط لحد الآن في مركز المؤامرة من الدول الكبرى علينا ومن الدول الإقليمية المحيطة بنا، وقد لا يختلف اثنان ان الطبقة السياسية التي حكمت العراق بعد السقوط مرتبطة بشكل ما او مدعومة من هذه الدول سواء كانت اقليمية او دول كبرى، وهذه القوى السياسية تتحرك حسب رغبة هذه الدول وتختلف استجابة القوى السياسية لرغبات الدول التي تحركها بدرجات من تغليب مصلحة هذه الدول على مصلحة العراق كليا او جزئيا وهذا واقع المشهد السياسي العراقي الحقيقي سواء وافقني البعض او اختلف معي البعض الآخر….
يبدو ان بقاء المشهد السياسي في العراق بهذا الشكل يصب في مصلحة هذه الدول وهذه المصالح هي مصالح استراتيجية طويلة المدى لما يخطط للعراق سواء في المستقبل القريب او البعيد، كما ان بقاء المشهد السياسي بهذا الشكل في العراق يصب ايضا في مصلحة الطبقة السياسية الحاكمة حيث يضمن لها هذا المشهد بقاؤها بالتمتع بغنائم الدولة الغنية والتمتع بالمناصب العليا في البلد وبأختصار التمتع بالمال والسلطة ومناصب متنقلة بينهم كما يتنقل الجندي على رقعة الشطرنج وتعيش ربيعها التي تتمنى أن يبقى…
لكن حدث شيء لم يكن بالحسبان وهو انتفاضة عارمة اجتاحت جميع المحافظات العراقية كافة بدرجات مختلفة وخصوصا الشارع الشيعي بدرجة كبيرة ازاحت ورقة التوت التي كانت الاحزاب تغطي عورتها بها وكشفت حجم الفساد ونهب المال العام وارتهان السيادة العراقية للأجنبي كما كشفت حجم الفقر والجوع وسوء الخدمات والدمار الذي لحق بالبلد نتيجة ممارسات الطبقة السياسية الحاكمة والتي بنت إمبراطوريات مالية في الداخل والخارج، هذه الانتفاضة اربك المشهد العراقي وجعلت الاحزاب تتحرك بصورة عشوائية على رقعة الشطرنج التي بدأت مساحتها تضيق نتيجة غليان الشارع بجميع اطيافه وسارع الجميع الى ركوب موجة المظاهرات فهذا الذي يصرح انه سوف يخلع سترته ويجلس مع المتظاهرين وذاك الذي راح يخطب ويقر بفشل الطبقة السياسية في قيادة الدولة العراقية، اما من يحملون الجنسية الأمريكية من العراقيين الوافدين بعد الاحتلال أو معه فقد نزلوا الى ساحات التظاهر في محاولة منهم لإنشاء تنظيم او حراك يطلق عليه حراك تشرين لكن كل ذلك لم ينفع والساحات تغلي وفي محاولة سريعة من الاحزاب الفاسدة لتظهر انها تلبي طلبات المتظاهرين تم حل مجالس المحافظات وتم تشريع قانون انتخابي جديد لكن تركت فقرة تقسيم الدوائر الانتخابية معلقة لغاية في نفس الفاسدين وتم تغيير الحكومة بوجه جديد بعد استقالة رئيس الوزراء السابق واستبداله برئيس وزراء جديد ثم تم اختراق المتظاهرين وامعان القتل فيهم واعلن من ركب موجة المظاهرات الانسحاب منها وكان ما كان ونجح الفاسدون في اخماد المظاهرات بالترهيب والترغيب…
وفي خطوة انتقامية من احزاب الفساد لمعاقبة الشعب الثائر تم تخفيض سعر الدينار مما أدى إلى صعود غير مسبوق في اسعار المواد عامة والمواد الغذائية خاصة وهناك خطوات أخرى انتقامية نفذها الفاسدون ضد الشعب العراقي منها ايقاف تعينات الشباب وغيرها…لكن بقي مطلب اجراء انتخابات مبكرة اللاعب الاساسي في الساحة…لذلك راحت الاحزاب تفكر في الطريقة المثلى لضمان عودتهم للسلطة وكانت الخيارات امامهم قليلة جدا فلا يمكن أن يصار الى تعديل القانون ولا يمكن الغاؤه لأن ذلك سوف يؤدي الى انفجار الشارع من جديد فما كان منهم إلا ان يتحركوا ضمن النافذة الوحيدة المتبقية لهم وهي نافذة الدوائر الانتخابية، ورغم ان الدستور حدد عدد الناخبين في الدائرة الانتخابية الواحدة عندما نص على استحقاق كل مائة ألف ناخب مقعد نيابي ورغم ان القانون يتكلم عن مناطق متعددة إلا انهم التفوا على ذلك وقاموا بتفصيل المناطق الانتخابية حسب مصالحهم الحزبية الضيقة حتى لو كانت هذه المناطق غير متصلة جغرافيا والكثير اعترف على شاشات التلفزة ان الاحزاب فصلت المناطق الانتخابية على مقاسها، هذه الاحزاب لا تملك ان تتحرك إلا ضمن خيوط اللعبة الدولية وهي لا تجتهد في ذلك. وتم بعد ذلك تشكيل مفوضية توافقية بين الأحزاب ولم يتبقى سوى انتظار يوم الانتخابات لإكمال السيناريو الذي سوف يؤدي إلى اقناع الشعب العراقي بهذا القانون الجديد ليوفر لهم عدد جديد من الدورات الانتخابية قبل ان يثور الشعب عليهم من جديد.
لكن الذي حدث ان النخبة في المجتمع العراقي كشفت تفاصيل اللعبة الجديدة في قانون الانتخابات ورفضت هذا القانون وهددت بمقاطعة الانتخابات اذا لم يتم تعديله حسب النص الدستوري وجعل دائرة انتخابية منفصلة لكل مائة ألف ناخب بما يعني لكل مقعد نيابي ولكن لم يتم الاستماع إلى رأي النخبة بينما الشعب العراقي كان واعيا للمؤامرة التي تحاك ضده ورغم الاعلام المكثف التي تدعو الشعب ضرورة المشاركة في الانتخابات إلا ان الشعب لم تقنعه كل ما تسوقه الاحزاب من نقاط لصالح المشاركة…وكانت المفاجئة الكبرى يوم الانتخابات عندما كان عزوف تام عن المشاركة وكان السبب الرئيسي لذلك ان الوجوه نفسها سوف تعود ومعنى أصح ان القانون الانتخابي سوف يؤدي إلى إعادة نفس الوجوه وهذا يعني ان القانون الانتخابي غير عادل وبغض النظر عن الارقام التي تعلنها المفوضية عن نسبة المشاركة والتي لا تستند للواقع فان نسبة المشاركة لم تتعدى 23%، اي ان 77% من الشعب قد قاطع الانتخابات، وهذه المقاطعة تعني رفض قانون الانتخابات وحتى لو سلمنا بصحة نسب المفوضية المشكوك فيها فلا يزال غالبية الشعب العراقي رافض لهذه الانتخابات من خلال رفضها للقانون الذي فصل بطريقة تؤدي إلى إعادة انتاج الفساد وما الضجة المفتعلة التي حدثت ولا تزال قائمة بعد اعلان النتائج الاولية ما هي إلا زوبعة في فنجان فارغ لكي تحقق اهداف محددة للمحتل وهي على التوالي:
أولا ان المشكلة ليس في قانون الانتخابات ولكن المشكلة في الاجهزة التي استخدمت والسيرفرات واحتمالية التزوير الذي قد يحدث
ثانيا خسارة الوجوه السياسية التي تقدم نفسها إنها المتحدثة بأسم الحشد وإنها الممثلة عنه يعني إن الشعب العراقي رافض للحشد الشعبي طالما لم ينتخب هذه الوجوه وهذه مغالطة كبرى لا تمرر إلا على الأغبياء فقط لان توجيهات مرجعيتنا الرشيدة كانت واضحة جدا حيث كا توجيهها بعدم زج الحشد في السياسة…لذلك فإن الشعب إنطلاقا من توجيهات المرجعية عبر عن رفض الوجوه السياسية التي حاولت وتحاول التسلق على دماء الحشد المقدس…أما الجيوش الالكترونية التي إنطلقت لتصور أن خسارة هذه الوجوه ينعكس على رفض الشارع للحشد فهذه الجيوس لن تحقق أهداف المحتل المعروفة مسبقا.
ثالثا: تمرير بعض المرشحين الذي يقال عنهم مستقلين جاء لذر الرماد في العيون العمياء اصلا مثلهم مثل الصياد الذي يضع الطعم في السنارة ليس بهدف اطعام السمكة ولكن لقتلها…حيث اشتعلت الجيوش الالكترونية الموجهة امريكيا لكي توهم الناس إن انخفاض نسبة المشاركة هو السبب الذي جعل هؤلاء “المستقلين” لا يحققون فوزا كبيرا وان المشكلة تكمن في المشاركة وليس في قانون الانتخابات فالقانون كما تحاول الرسالة ايصالها لا وجود شائبة عليه إن ما العلة في المشاركة مما يضمن لهم بقاء نفس القانون في الدورات الانتخابية القادمة ويبقى تدوير وجوه الفساد مستمر.
رابعا عندما صدر بيان المرجعية الداعي إلى المشاركة الواعية مع الشروط الاخرى التي حددتها المرجعية في بياناتها السابقة…اشتعلت صفحات التواصل الاجتماعي بأقلام المأجورين على الترويج لكلمة المشاركة غافلين عن عمد كلمة الواعية والشروط الاخرى وقد انطلت اللعبة على الكثير ممن شاركوا بدعوى انها تلبي نداء المرجعية لكن هذه الدعوة لم تنطلي على النخبه المجتمعية حيث وضحت هذه النخبة للشارع العراقي حقيقة دعوة المرجعية…وكان الهدف من الاقلام المأجورة التركيز على كلمة المشاركة فقط وأغفال الواعية لكي يوصولوا رساله أخرى بعد ظهور النتائج وتبيان انخفاض نسبة المشاركة ان الشعب العراقي لم يستجب لدعوة المرجعية بالمشاركة…بعدها يبرز حزب لكي يستغل فوزه ويقدم نفسه بديلا عن المرجعية وممثلا عن الشيعة في مغالطة واضحة لتوظيف فوزا سياسيا لأغراض دينية ضمن مخطط مرسوم بكل دقة في دهاليز مظلمة لأجهزة مخابرات إقليمية ودولية. ألا ساء ما تفكرون فيه…إن انخفاض نسبة المشاركة هي مصداق للفهم الواعي لبيان المرجعية وليس العكس وقد اسقط الشعب هذا الهدف ايضا.
خامسا إن الطبقة السياسية المحسوبة على الشيعة والشيعة براء منهم أثبتوا إنهم يتمتعون بغباء مركب لا مثيل له فهذه الفوضى والعربدة التي حدثت بينهم بعد إعلان النتائج وتقاتلهم على منصب رئيس الوزراء إنما هي زوبعة في فنجان والشعب العراقي يعرف جيدا إن القوم في السر ليس كما هم بالعلن وإن منصب رئيس الوزراء تحدده إرادة المحتل وليس هم إنما هم يتنازعون على تقسيم المغانم ليس إلا وهنا نثير سؤال لماذا على الساسة الشيعة تقديم تنازلات إلى الكورد عند تسمية رئيس الوزراء لكي يوافق عليه بينما الكورد يفرضون علينا أسم رئيس الجمهورية وعلى الساسة الشيعة الموافقه عليه وهم صاغرين..
سادسا بالحقيقة إن الطبقة السياسية العربية كلها تتمتع بغباء مركب فلو إنتبهت الطبقة السياسية العربية إن مكاسب الاخر ما كانت لتكون على حسابهم لو كانت كلمتهم واحده عند التفاوض معه لما مررت كثير من القوانين وعلى رأسها قانون الموازنة لصالح الكورد..
إن المؤامرة كبيرة وكبيرة جدا على مرجعية النجف وعل شيعة العراق وعلى الحشد الشعبي وعلى الشعب العراقي وللاسف السياسيون من جميع مكونات الشعب العراقي مشتركين بدرجات في تنفيذ هذه المؤامرة. لكن هناك دروس ورسائل وجهها الشعب العراقي إلى المحتل وإلى الدول الاقليمية التي تتدخل في الشأن العراقي وإلى الطبقة السياسية التي تحكمت فيه طيلة ثمان عشر سنة الماضية من خلال مجرد الصمت وبالعزوف عن المشاركة ومنها:
إن الشعب العراقي يرفض نظام المحاصصة والطائفية والتوافق الذي فرضه المحتل عليه ولا يعترف بما يسمى بالديمقراطية التوافقية.
إن الشعب العراقي لا يشارك في أي إنتخابات تؤدي لتكريس النظام التوافقي.
إن الشعب العراقي يرفض القانون الانتخابي الذي يعيد إنتاج الفساد ولا يقبل بأي قانون لا يعتمد النص الدستوري الواضح وهو دائرة إنتخابية لكل مقعد في البرلمان أي مقعد لكل مائة ألف ناخب أما دمج الدوائر وتفصيلها على مقاس الاحزاب هذا مرفوض.
إن الشعب العراقي رافض للطبقة السياسية التي فرضها المحتل عليه.
إن الشعب العراقي رافض للمواد الدستورية الخمسة التي تمت اضافتها والمواد التي تم تغيير نصوصها بعد تصويت الشعب العراقي على الدستور.
والى أن تستجاب مطالب الشعب العراقي بالكامل سوف يبقى الشعب مقاطع لمخرجات هذا النظام وربما تحدث انتفاضات اقوى مما حدثت سابقا.

أحدث المقالات